ثقافة وفن

“طيور الظلام”.. متلازمة الفساد السياسي والتطرف الديني

 


يعدّ الفيلم المصري “طيور الظلام” (إنتاج 1995) من أكثر الأعمال السينمائية استشرافا لمستقبل مصر السياسي والاجتماعي، وذلك بفضل عمق قراءته وتحليله للواقع المعيشي آنذاك على ضوء سلسلة أحداث دراماتيكية ضمت قضايا اغتيال وفساد واختراق للمنظومة الحكومية.


الفيلم لم يكن مجرد عمل كوميدي لفنان الشباك الأول عادل إمام والنجمة المتألقة يسرا، بل نجح فيه كاتب السيناريو وحيد حامد والمخرج شريف عرفة في نقل رسالة شديدة التكثيف والبلاغة مفادها أن الإرهاب حين يتحالف مع الفساد، تكون الكارثة، تنهار المنظومة الأخلاقية وتوشك الدولة على إعلان فشلها.


ما جعل فيلم “طيور الظلام ” قبل أكثر من عقدين، يعلن عن نفسه كواحد من الأفلام الصالحة لكل زمان ومكان هو عمق تحليله للمجتمع وصحة استنتاجاته، وتحمّله المسؤولية في دق ناقوس الخطر والإنذار بمستقبل لا تحمد عواقبه، مما جعله محط غضب كل الأطراف المنتفعة واللاعبة على المسرح السياسي والاقتصادي.


مثلت شخصيات الفيلم كل الفئات الاجتماعية في المجتمع المصري، وظلت “البطولة” لشخصيتي المحاميين الانتهازيين اللذين يتحولان بسلاسة من أيديولوجيا إلى أخرى قد تكون نقيضها طالما أن المصلحة واحدة. ولم يهمل الفيلم الفئة العريضة الطيّبة من بقية الشعب وهي في حالة شقاء دائم، تلهث خلف الرغيف، كما أنه لم يقدم تلك المعالجات الساذجة والمتوقعة ذات المنحى الميلودرامي بل أبقى على الأسئلة معلقة والمواقف ملتبسة.


وفي رمزية مشهدية، حضرت كرة القدم من أول مشاهد الفيلم كرمز للوطن الذي يتأرجح بين أقدام اللاعبين على الساحة السياسية، الكل يريد أن يسجل بها هدفًا في مرمى الشعب، فالديمقراطية لا تتعدى تكتيكات تختمها تصويبة لمهاجم محترف، والانتخابات رؤية جيدة للملعب تتحايل على دفاعات الخصوم، والنجاح لمن يحتفظ بالكرة إلى أطول فترة ممكنة بين قديمه.


يعد استشراف المستقبل ميزة كبيرة يتفرد بها بعض الكتاب، من بينهم المؤلف والسيناريست المصري وحيد حامد، الذي قدّم أفلاما عدة تحقق الكثير من أحداثها على أرض الواقع، لكن يظل “طيور الظلام” الأكثر جرأة بين أعماله لتناوله المتلازمة بين قضيتي الإرهاب والفساد بمشرط جرّاح لا بقلم سينمائي، بشكل غير مسبوق لم يعبأ بإمكانية منع العرض من السلطة الحاكمة التي نخر هياكلها الفساد أو مخاطر انتقام المتطرفين.


إذا تحدث شخص مصري في منتصف التسعينات عن أن رموز الإخوان المسلمين والحزب الوطني الحاكم مصيرهم سجن واحد، لاعتبرته الغالبية من أبناء جلدته نكتة سخيفة أو ربما أجروا اتصالا بمستشفى العباسية بالقاهرة لعلاج المختلين نفسيا للإبلاغ عنه، لكن فيلم “طيور الظلام” قدم ما هو أكثر قبل 23 عاما ليحجز مكانا بين الأفلام الصالحة لكل زمان ومكان.


حينما عُرض الفيلم، الذي أخرجه شريف عرفة، بدور العرض عام 1995، لم يتوقع الجمهور أنه أمام أحداث حقيقية سوف يشهدونها بعد حوالي 15 عاما، لم يدققوا في الحوارات المباشرة بين أبطاله الذين مثلوا نماذج تتحكم في مصائرهم بالمستقبل، كان تركيزهم أكثر على كوميديا الفنان عادل إمام، وإثارة الفنانة يسرا التي لعبت دور عاهرة تتحول إلى سيدة أعمال وزوجة سرية لوزير يحمل حقيبة مهمة في الحكومة.


مشهد “الفاسد لا يختلف كثيرا عن المتطرف.. كلاهما يحاول تطويع المجتمع الصامت لخدمة مصالحه الخاصة”، كان الحقيقة الأكثر وضوحا التي يحاول الفيلم توصيلها، ليساوي بين من يشق طريقه للسلطة بليّ ذراع ثغرات القوانين، ومن يتذرع بالدين ناسجا من لحيته الطويلة جسرا نحو كرسي الحكم.


جسد “طيور الظلام” المجتمع المصري في ثلاثة محامين، اثنان منهما يعملان بمحافظة ريفية ضنّوا بواقعهم السيء وينتظران الفرصة لبيع ضميرهما لمن يدفع، والثالث فضل العمل كمحاسب في مصنع حلويات بالقاهرة على اعتبار أن لغة الأرقام لا تعرف الكذب أو التزوير.


 


تيار نفعي


من المشاهد الأولى يؤكد وحيد حامد وشريف عرفة أنهما سيقدمان رؤية مغايرة تماما لقضية الإرهاب التي سبق أن تعاونا في تقديمها بفيلميْ “الإرهاب والكباب” عام 1992، ثم “الإرهابي” عام 1994، بالغوص أكثر في خفايا الجماعات المتطرفة وتمويلها والعلاقات التي تمنحها وجودا بل وتدعمها.


كان الفيلم متفردا في معالجة الطابع التنظيمي لجماعة الإخوان واستقطابها للفقراء ومحدودي الثقافة بدافع المصلحة البحتة، ليتحول المحامي الملتحيّ علي الزناتي، الذي لعب دوره رياض الخولي، من اليسار إلى أقصى درجات اليمين متحدثا باسم جماعة دينية لأنها ثرية أو “رزقها واسع” عكس التيارات الأخرى مثل الشيوعيين من ذوي الموارد المحدودة.


بدت “مكيافيلية” التيار الديني حاضرة بقوة، فلا شيء يقدمه دون مقابل، ولا يفرُق معه استقطاب المحامي الفاسد فتحي نوفل، الذي لعب دوره عادل إمام، المعروف عنه انغماسه في العلاقات النسائية والملذات وتعاطيه الخمور كي يحمل لواء الدين من أجل استغلاله للترافع في دعاوى أمام قضاة قد تتأثر أحكامهم بالخلطة التقليدية من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، في إشارة توحي بأن المتشددين موجودون في جميع الوظائف.


ظهرت تلك الازدواجية في قضية الدفاع عن فتاة الليل سميرة (يسرا) فالزناتي رفض طلب زميله نوفل، الدفاع عنها لكونها عاهرة رغم تخصصه في قضايا القتل والسرقات والمخدرات، لكنه عاد وقبل على أمل اقتسام الأتعاب بينهما ليخاطب القاضي بحديث ديني صرف دغدغ مشاعره مقتنصا حكما بالبراءة في قضية كان مقابلها وجبة من “اللحم المشوي”.


ساهمت أجواء كتابة الفيلم في رسم تلك الصورة للتيار الديني، ففي التسعينات من القرن الماضي كان الإرهاب في أوجه، بحوادث اغتيالات لمشاهير مثل رفعت المحجوب رئيس مجلس الشعب (البرلمان) والكاتب فرج فودة، وإطلاق النار على حافلات السائحين واستهداف المسيحيين بصعيد مصر، ليحاول الإخوان حينها التبرؤ من العنف وتقديم أنفسهم كنموذج للتيار الديني المعتدل.


وفّر النظام المصري، في ذلك الوقت، حرية نسبية للإخوان لرسم صورة ذهنية أمام الغرب بتبني الديمقراطية، فأطلق يدهم على المنابر وطباعة الكتب وامتلاك مساجد خاصة وتكوين جمعيات أهلية خيرية، ومن هنا بدأوا خطة تمكين عبر الدفع بعناصرهم في مؤسسات الدولة ومع الزمن اعتلى البعض منهم قيادتها وأصبحوا جزءا من النظام، ومستقبلا كانوا هم النظام.


 



 


سلّط “طيور الظلام” الضوء على مصادر التمويل التي تحصلت عليها جماعة الإخوان من هيئات الزكاة من الدول الإسلامية، ويتم تحويل مسارها من نفع الفقراء إلى اكتساب شعبية سياسية واستقطاب عناصر تصب في صالح الجماعة، ليتحول الزناتي، المحامي المغمور، إلى محام شهير يملك مكتبا ضخما في القاهرة ويتخصص في دعاوى “الحسبة”.


كما قدم صورة دراماتيكية لذلك النمط من الدعاوى الذي يطارد الفن بوجه خاص ويحقق للمتخصصين اصطياد عصفورين بحجر واحد، أي الشهرة وإثارة الفزع، فرغم المشكلات التي يعاني منها الفقراء والأزمات الصحية، فقد أدخلوا إلى ساحات المحاكم قضايا تطالب بوقف البرامج الخليعة وإزالة دعاية الأفلام من الشوارع وهدم دور السينما، بحجة “حماية تقاليد المجتمع والذوق العام”.


في حوار لم يستمر سوى نصف دقيقة، نبه الفيلم إلى استغلال المحامين لنقل تعليمات قادة العنف بالسجون لأتباعهم في الخارج، فالزناتي يقابلهم بحكم عمله لكنه يستغل وظيفته في تلقي التعليمات وإعادة توزيعها، ومن مهامه زيارة رئيس شركة صرافة لتوفير أموال لتغطية عملية الهجوم على جنود الأمن المركزي في أسيوط بصعيد مصر، وكان كود العملية ثلاثة آيات من سورة البقرة.


ربط شركات الصرافة بالإسلاميين كان فكرة سابقة لزمانها، لم تظهر أضرارها إلا بعد إزاحة الإخوان عن السلطة في 30 يوليو 2013، لتواجه مصر أزمة في سعر صرف الدولار الذي ارتفع في السوق السوداء ليقترب من 18 جنيها، ولم تجد السلطات حلا سوى بإغلاق معظم شركات الصرافة التي ثبت انتماء العديد من أصحابها إلى التيار الديني.


أثناء الصعود المتتالي للزناتي، كان فتحي نوفل يشق طريقه بفرصة عارضة سنحت له في حفل بمناسبة نجاحه في مساعدة محام شهير على اكتشاف ثغرات قضية فساد ضخمة منح عبرها البراءة لمسؤولين كبار في الدولة، ليتعرف على رشدي الخيال (الفنان جميل راتب) الوزير الذي يحاول حزبه التخلص منه بتخصيص دائرة انتخابية له لم تطأها قدماه منذ 20 عاما.


في التسعينات كان الحزب الوطني الحاكم يشهد زخما داخليا بصعود نجم جمال نجل الرئيس الأسبق حسني مبارك الذي تولى أمانة السياسات، وعزز نفوذه بمجموعة من رجال الأعمال أرادوا الجمع بين المال والحصانة النيابية، لتصبح الدوائر الانتخابية السهلة من نصيبهم، وبدأ عهد حكومات يجمع غالبية أعضائها بين الاستثمارات وعضوية البرلمان وكرسي الوزارة.


تحولت المعركة الانتخابية إلى انتحار سياسي للوزير، الذي يواجه مرشحا يملك أموالا كافية لدعاية انتخابية ضخمة وينفق الكثير على أعمال الخير وكفالة المحتاجين، ليتولى المحامي نوفل المعركة الانتخابية راسما خطة للنجاح تبدأ بالاستعانة بالزناتي لحشد أصوات الإخوان المسلمين، وأخيرا التعاون مع الأمن.


أصبح “طيور الظلام” أول من تطرق للتنسيق بين الإخوان والحزب الوطني في الانتخابات النيابية ولعبة تقسيم الدوائر، فلم يمانع الإسلاميون في دعم “الخيّال” رغم اتهامهم له بالفساد مقابل الحصول على دعم مقابل في انتخابات النقابات المهنية، وتم تقديمها في حوار ثري قال فيه نوفل رمز السلطة “إن الإخوان موجودون بسبب الفساد، وإنه الشرعية الأساسية لوجودهم”.


 


طريق الفساد


تضمنت خطة المحامي الاستعانة بالأمن بطريقة مغايرة للمعتاد عبر حيلة القبض على تاجر مخدرات ينتمي لأكبر عائلات الدائرة قبل الانتخابات بيومين، والإفراج عنه بعد وساطة الوزير، لمنح الجماهير رسالة بأن الأزمات تحتاج إلى نائب صاحب نفوذ سياسي وشبكة من المعارف تخترق القانون.


ربما كانت الانتخابات مساحة الكوميديا الوحيدة في “طيور الظلام” كاضطرار الوزير لتقبيل شخص مصاب بمرض جلدي استجابة لهتاف “رشدي الخيّال نصير الجربانين”، وينجح الوزير ويعين المحامي الفاسد مديرا لمكتبه وأحد أمناء الحزب الحاكم.


مع تداخل السلطات ارتفعت وتيرة الفساد وانخفضت مساحات المساءلة، ليعبر عنها وحيد حامد بتسريب نوفل أخبار القرارات الاقتصادية السرية لرجال الأعمال قبل الإعلان عنها لتتضاعف ثرواتهم بتخزين بضائع قبل وقف استيرادها واكتناز كميات كبيرة من أخرى سيتم رفع الجمارك عليها.


بعد 8 سنوات من عرض الفيلم، ظهر ما حذر منه حامد بالتعويم الأول للجنيه المصري بخفض سعره من 3.80 جنيه للدولار الواحد إلى 5.80 جنيه، وبالفعل تم تسريب القرار قبل إعلانه لعدد من رجال الأعمال، أبزرهم أحد أمناء الحزب الحاكم، ليكتنزوا الدولار بالسعر المنخفض ويعيدون بيعه بسعر مرتفع لتتضاعف ثرواتهم بمنتهى السهولة.


 


اختلاف أيديولوجي


ما دام “الوطني” و”الإخوان” تربطهما المصلحة مع اختلافات أيديولوجية لا يمكن التوفيق فيها، فلا بد من الصدام الذي عبّر عنه وحيد حامد في حوار مع نوفل الذي أصبح سياسيا بالحزب الحاكم، والزناتي الذي أصبح رمزا للتيار الديني، قبيل الانتخابات النقابية رفض ممثل حزب السلطة دعم الإخوان في معركة نقابات الأطباء والمحامين.


لخص الحوار الواقع السياسي، ما بين نوفل الذي قال “نحن حزب مش عارف يبقى جماعة (لا يستطيع أن يصبح جماعة).. وأنت جماعة مش عارفين تبقوا حزب (تبقوا حزب).. نحن خصوم في قضية واحدة.. قضية وطن”، ليرد الزناتي بأنها قضية نزاع على ملكية لكنها لا تمنع استمرار العلاقة بينهما، ليختتم الأول الحوار بأنه لا توجد صداقة مع الخصوم.. فلا صداقة بين ذئبين يعيشان في قفص واحد.


مع الصدام لجأت الجماعة إلى خطتها المعتادة في الاستقواء بالخارج والاستعانة بالإعلام الغربي، بحوار للزناتي مع إذاعة أجنبية حمل تناقضات فجّة، فبينما يدين العنف يدافع عن المتورطين فيه، ويعتبره نوعا من الجهاد، ضحاياه غير مأسوف عليهم لأنهم شهداء يسكنون الجنان.


لخص المحامي الإخواني، مطالب تياره في الحكم بالقرآن والسنة، رافضا اعتبار التقاتل الداخلي في أفغانستان بعد وصول الإسلاميين للحكم دليلا على فشل التيار بوجه عام، ليختتم المخرج شريف عرفة الحوار بلوحة يضعها فوق رأسه مباشرة للآية “ووضعنا عنك وزرك الذي أنقض ظهرك” والتي من ضمن تفسيراتها أن ذنوب أمة المسلمين صارت كالحمل الثقيل على كاهل رسولهم.


ما بين نوفل والزناتي، كان محسن الذي لعب دوره أحمد راتب، صديقهما المشترك، نموذجا للشعب المصري الراضي بحاله، الذي رغم ظروفه الصعبة رفض كتابة لافتات قماش دعائية للحزب الحاكم تخاطب عرايا، أو أن يتخلى عن مبادئه لمن يدفع أكثر رغم محاولات صديقه نوفل الدؤوبة لإقناعه بحجة أن “سلو بلدنا كده”.


محسن مثل غيره من ملايين المصريين لديه أطفال يخشى عليهم من المال الحرام، لم يتخلّ حتى بعد فصله من عمله ظلما ومعرفته أن صديقه نوفل وراء القرار بالثأر، لم يعد إلى ثوريته القديمة ويحنق، وكان واثقا من أنه سيحظى بوظيفة أخرى وأن الله لا ينسى أحدا.


ساهمت أجواء كتابة الفيلم في رسم تلك الصورة للتيار الديني، ففي التسعينات من القرن الماضي كان الإرهاب في أوجه، بحوادث اغتيالات لمشاهير مثل رفعت المحجوب رئيس مجلس الشعب والكاتب فرج فودة


عبّر السيناريو عن حال المصريين في فترة صناعته في حوار بين نوفل وسميرة من غرفته المرتفعة بأحد فنادق النيل، يقول في غيره ممن يصدمهم التغير المفاجئ بأحوالهم المعيشية “البلد اللي يشوفها من فوق غير من تحت.. تحت خنقة وفقر وهوا فاسد، وناس بتخبط في بعضها”، ويلخص مشاكل مجتمع العشوائيات بزحامها وتلوثها وأوضاعها المعيشية.


أهم ما يميز الفيلم المخاطرة الكبيرة التي تحملها أبطاله، خصوصا رياض الخولي الذي قبل بدور رفضته غالبية الممثلين المشهورين خوفا من انتقام التيار الديني، وعادل إمام ووحيد حامد كانا تحت حماية وزارة الداخلية بعد تهديدات بالقتل في أعقاب فيلم “الإرهابي”.


لم يكن حامد متحاملا على أبطاله، فتح لكل منهم مبررا للتورط لكنه لم يبرئهم من تحمل عاقبة أعمالهم، بداية من نوفل العاجز عن مساعدة والده صانع الحصير ووالدته التي تمارس العويل بالمآتم مقابل أموال، أو سميرة التي كانت تبيع الهوى لعدم وجود بديل وتعرضها للتحرش بالقطاع الخاص، أو حتى الزناتي الذي مل القضايا الهامشية.


جعل المؤلف مصير نوفل والزناتي في سجن واحد، الأول دخله بتهمة تضخم ثروته رغم محاولاته إخفاءها في بنوك سويسرا بحسابات باسم سميرة وزوجته الثرية (الفنانة نهال عنبر)، والثاني دفع ثمن استقطاب الجماعة من محدودي الثقافة الذين لم يجدوا مكانا يقصدونه بعد عملية إرهابية ضخمة سوى مكتبه الذي داهمته الشرطة على الفور لكنهم لاذوا بالفرار من النافذة.


لم يضع “طيور الظلام” نهاية تقليدية كأن يعلن التوبة والعودة إلى صفوف الجماهير، فرجلا “الوطني” و”الإخوان” لم يبديا ندما، بل تراهنا سويا على من يعود منهما أولا إلى الحياة السياسية، فهما يجريان وراء كرة قدم كل منهما يحاول أن ينال شرف تصويبها ليختل توازنهما ويسقطان بعد ركل الكرة.


حضرت كرة القدم من أول مشاهد الفيلم كرمز للوطن الذي يتأرجح بين أقدام اللاعبين، الكل يريد أن يسجل بها هدفا في مرمى الشعب، فالديمقراطية لا تتعدى تكتيكات تختمها تصويبة لمهاجم محترف


في النهاية، كانت الكرة موجودة لتكسر حائطا زجاجيا، ربما فيه تحذير من خروج الصراع بين الفساد والتطرف عن السيطرة، ربما يصيب دول الجوار وهو ما تحقق في ثورات الربيع العربي، أو ربما هو تحذير من أن انفلات الفاسدين والمتطرفين سوف يهشّم استقرار الوطن.


 


 


 

زر الذهاب إلى الأعلى