تعرف على أبرز مكاسب القضية الجنوبية من “اتفاق الرياض”

    


على مدى نحو 12 عامًا، من انطلاق ”الحراك الجنوبي السلمي“، ثم تعدد مكوناته السياسية لاحقًا، ظلّت القضية الجنوبية، في جنوب اليمن، تراوح مكانها في حلقة ”الفعل الثوري المشتت“، دون تمثيل سياسي حقيقي، يقود أبرز الملفات اليمنية الشائكة نحو أهدافها، نظرًا لاختلاف الرؤى وتباين الفصائل السياسية وتنازعها، إلى أن تغيّرت الخارطة السياسية في جنوب اليمن أخيرًا، لتنال هذه القضية المعقدّة حقها من خلال ”اتفاق الرياض“، المُبرم الثلاثاء الماضي، بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي، برعاية من المملكة العربية السعودية.


ومن بين بنود ”اتفاقية الرياض“، التي نصّت على ترتيبات سياسية واقتصادية وأمنية وعسكرية، يبرز بند ”مشاركة المجلس الانتقالي الجنوبي في وفد الحكومة لمشاورات الحل السياسي النهائي، لإنهاء انقلاب المليشيا الحوثية الإرهابية المدعومة من النظام الإيراني“، – وفقًا لنصّ الاتفاقية – كواحد من بين أهم البنود التي لامست أكبر مشكلات القضية الجنوبية خلال الفترة الماضية، المتجسدة في عدم وجود الحامل السياسي الفعلي لتمثيلها في أي مشاورات تبحث حلّ الأزمة اليمنية.


يقول المحلل السياسي، ياسر اليافعي، إن القضية الجنوبية بقيت تعاني منذ العام 1994 – بعد الحرب بين جنوب اليمن وشماله – بسبب ”عدم وجود حامل سياسي حقيقي يمثل أبناء الجنوب وتطلعاتهم، حتى بعد انطلاق الحراك الجنوبي في العام 2007، كانت هناك عدد من المكونات في الحراك الجنوبي، وبعضها مخترق من قبل علي عبدالله صالح والنظام القديم، ثم جاءت أحداث العام 2015، وبدأ الجنوبيون تشكيل قوة عسكرية على الأرض حققت نجاحات سواء في محاربة الحوثيين ووقف التمدد الإيراني بدعم من التحالف العربي، أو في محاربة الإرهاب بدعم من دولة الإمارات العربية المتحدة“.


ويضيف اليافعي، في حديثه لـ“إرم نيوز“، أن تشكيل المجلس الانتقالي الجنوبي في العام 2017، جاء للحفاظ على الانتصارات التي تحققت خلال العامين السابقين لتأسيسه، ليصبح المجلس الانتقالي هو الحامل السياسي للقضية الجنوبية، بعد تفويضه شعبيًا في الرابع من مايو عام 2017″.


وأشار إلى أن ”اتفاق الرياض يعطي المجلس الانتقالي الجنوبي شرعية محلية وشرعية إقليمية ودولية، وهذا يعتبر من أبرز المكاسب لأبناء الجنوب، الذين باتوا يشعرون اليوم بأنه تم تمثيلهم من خلال المجلس الانتقالي، في أي حوار سياسي قادم، وتم الاعتراف بتضحياتهم وتقديرها من قبل التحالف العربي والمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، وهذا هو مفتاح الحل السياسي في اليمن، وهو ما سيسهم بشكل كبير جدا في حل القضية الجنوبية كخطوة أولى لحل الملف اليمني بشكل كامل“.


ويرى وكيل وزارة الإعلام اليمنية، أسامة الشرمي، أن هذا الاتفاق، يعدّ ”بداية لحل القضية الجنوبية بشكل نهائي، ونتيجة لحجم الدعم الدولي الكبير لهذا الاتفاق، فهو يعيد الأمور إلى نصابها ويطرح مستويات القضية باعتبارها القضية الأولى، ثم تأتي بعدها القضايا الأخرى، وهذه هي المسألة المهمة“.


وقال في حديثه لـ“إرم نيوز“، إن اتفاق الرياض يمثّل – أيضًا – ”مقدمة لمفاوضات الحل النهائي في اليمن، مثلاً ما الذي بالإمكان أن يتفاوض عليه الحوثي مستقبلاً، على أن لا يكون خارج هذا الاتفاق، بمعنى أن ما سيفاوض عليه الحوثي من حصة تمثل حجمه الحقيقي، وهي ستكون بالنصف المتعلق بالشمال“.


وأشار الشرمي، إلى أن دخول المملكة العربية السعودية بكل ثقلها في هذا الاتفاق، وحجم التأييد والتحشيد الدولي لرعايته، ”تجعل من إمكانية الانقلاب على هذا الاتفاق مسألة شبه مستحيلة، وستعطي انطباعًا عن الطرف المنقلب إذا فكر في الانقلاب على الاتفاق بأنه طرف غير مسؤول“.


 


الصراعات الحزبية


وتنص الاتفاقية الموقعة بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي، على تشكيل حكومة كفاءات سياسية، لا تتعدى 24 وزيرًا، مناصفة بين جنوب اليمن وشماله، ويعين الرئيس اليمني أعضاءها بالتشاور مع رئيس الوزراء والمكونات السياسية.


ويعتقد الخبير العسكري، محمد جواس، أن اتفاق الرياض، يعزز الاتجاه نحو اعتماد التمثيل الجغرافي وكتله المجتمعية، ”كمعيار عام ضابط للتمثيل السياسي القادم في سلطة الدولة الشرعية، اتجاه يثبّت الهويات المحلية والتاريخية، ويعيد السلطة إلى الشعب، في الشمال والجنوب“.


وقال إن الصراعات الحزبية باتت الآن بعد الاتفاق ”محصورة في جغرافيات معينة، وبالتالي يقلل من خطر تداعيات صراعاتها على الوطن ودولته، أما الأحزاب والمكونات ذات الأيدولوجيات الإسلاموية والكهنوتية العابرة للحدود والقارات، فتراه أنه اتفاق يحفر لها قبرها، وتصبح مسألة محاربة وتعطيل ذلك الاتفاق بالنسبة إليها، مسألة حياة أو موت“.


 


ضبط البوصلة


وشملت بنود الاتفاق – أيضًا – الوضع الاقتصادي المتردي في البلد الذي خسر 89 مليار دولار أمريكي من نشاطه الاقتصادي منذ عام 2015، وترتفع فيه نسب الفقر إلى 75%، وفقًا للأمم المتحدة.


وبحسب تقرير سابق للبنك الدولي، فإن نسبة النمو المتوقعة للاقتصاد اليمني خلال العام المقبل تصل إلى 10% في حال احتواء أعمال العنف.


يقول الخبير الاقتصادي، مساعد القطيبي، إن لاتفاق الرياض نتائج إيجابية على الوضع الاقتصادي والمعيشي للسكان، ”إذ من المتوقع أن تشهد بعض المؤشرات الاقتصادية تحسنًا نسبيًا خلال الأيام القادمة، وذلك بعد التوقيع على هذا الاتفاق، وخصوصًا مؤشرات أسعار الصرف للعملة المحلية وكذا أسعار السلع والخدمات والتي شهدت ارتفاعات جنونية خلال الفترات الماضية“.


وأضاف في حديثه لـ“إرم نيوز“، إن من شأن هذا الاتفاق ”أن يعيد ضبط بوصلة عمل مختلف الأجهزة والمؤسسات الحكومية والتي حاولت قوى الفساد والنفوذ السياسي داخل الحكومة من سابق تسخيرها في خدمة أهدافها وتوجهاتها واستغلال سلطاتها فيها لممارسة الفساد والنهب فيها، مستغلة بذلك الظروف الاستثنائية التي يمر بها البلد، وغياب أجهزة الرقابة والمحاسبة، ولذلك نجد أن اتفاق الرياض قد أخذ هذه المسائل في الاعتبار وأكد على ضرورة تفعيل أجهزة الرقابة والمحاسبة، وإشراك القوى السياسية الفاعلة في السلطة، وكل هذا سيسهم في إعادة ضبط بوصلة عمل تلك المؤسسات وتوجيهها نحو خدمة المجتمع بدلاً من استغلال البعض لإمكاناتها ومواردها لخدمة أجنداتهم ومخططاتهم“.


ولفت القطيبي، إلى أنه في حال توفّر الرقابة الفاعلة على عمل المؤسسات والأجهزة والمرافق الحكومية، وتم تفعيل مكافحة الفساد المستشري داخل مفاصل الدولة، ”فإن هذين الأمرين كافيين لتحسين الأوضاع الاقتصادية والمعيشية للمواطنين في المحافظات المحررة وحتى غير المحررة ”.


 


 

Exit mobile version