تمكّن مجلس التعاون الخليجي مجدّدا من تخطّي الخلافات التي أثارتها قطر بين مكوّناته، وذلك بعقده قمّته الأربعين في العاصمة السعودية الرياض، وهي قمّة وصفت بالناجحة لجهة ما وجّهته من رسائل بشأن تماسك الجبهة الخليجية وقدرة بلدان التعاون على الحفاظ على هيكلها الجامع وإدارة الملفات الخلافية وعزلها عن الأهداف الاستراتيجية.
كما تضمّنت القمّة رسائل واضحة لإيران، مفادها تماسك الموقف الخليجي بشأن التصدّي لتهديداتها.
ووصف أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح الأجواء التي عقدت فيها القمّة بالإيجابية، معتبرا ذلك مؤشرا على عزم الخليجيين على تحقيق الوحدة في مواقفهم.
ووافق المجلس الأعلى لدول الخليج على تعيين مرشح الكويت نايف الحجرف لمنصب أمين عام مجلس التعاون الخليجي، خلفا لعبداللطيف الزياني المنتهية ولايته. كذلك أعلن الزياني أنّه تمت الموافقة خلال قمة الرياض على عقد القمّة القادمة في مملكة البحرين.
وشدّد البيان الختامي لقمة الرياض الخليجية على تعزيز التعاون العسكري والأمني للحفاظ على الأمن الإقليمي، مؤكدا أنّ “أي اعتداء على أي دولة في المجلس هو اعتداء على المجلس كله”.
وأعلن رئيس القمة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز، الثلاثاء، انتهاء القمة الخليجية في دورتها الأربعين، مثنيا على أهمية تلك الاجتماعات الخليجية التي “تثبت مواقفنا وتعاوننا وتجعلنا نتحدث مع بعضنا البعض”.
ولم يغب بند مواجهة التهديدات الإيرانية عن قمّة الرياض الخليجية، حيث شدّد الملك سلمان خلال كلمته في بداية الاجتماع على أنّ “النظام الإيراني يواصل أعماله العدائية، ودعم الإرهاب، ما يتطلب منا المحافظة على مكتسبات دولنا ومصالح شعوبنا، والعمل مع المجتمع الدولي لوقف تدخلات هذا النظام وتأمين نفسها في مواجهة هجمات صواريخه الباليستية”.
وغير بعيد عن هذا السياق ورد في البيان الختامي للقمّة أنّ المجلس الأعلى يؤكّد تأييده للاستراتيجية الأميركية تجاه إيران، مشيدا بالإجراءات التي اتخذتها الحكومة الأميركية في هذا الشأن بما في ذلك ما يتعلق ببرنامج إيران النووي، وبرنامج الصواريخ الباليستية، وأنشطتها المزعزعة للأمن والاستقرار في المنطقة ودعمها للإرهاب، ومكافحة الأنشطة العدوانية لحزب الله والحرس الثوري وميليشيات الحوثي وغيرها من التنظيمات الارهابية.
وبشأن اليمن اعتبر بيان القمّة أن استمرار الميليشيات الحوثية المدعومة من إيران في ممارسة الأعمال العدائية والعمليات الإرهابية بإطلاق الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة لاستهداف المدنيين والأعيان المدنية في المملكة العربية السعودية، ومخالفة القانون الدولي والإنساني باستخدام السكان المدنيين في المناطق المدنية دروعا بشرية، وإطلاق القوارب المفخخة والمسيّرة عن بعد، يمثّل جرائم حرب وتهديدا حقيقيا للأمن الإقليمي والدولي.
وأكد البيان على الحق المشروع لقيادة تحالف دعم الشرعية في اليمن باتخاذ وتنفيذ الإجراءات والتدابير اللازمة للتعامل مع هذه الأعمال العدائية والإرهابية، وبما يتوافق مع قواعد القانون الدولي والإنساني، وعلى ضرورة منع تهريب الأسلحة إلى الميليشيات الحوثية المدعومة من إيران التي تهدد حرية الملاحة البحرية والتجارة العالمية في مضيق باب المندب والبحر الأحمر.
وفي الشأن العراقي ورد بالبيان أن المجلس الأعلى يتابع تطورات الأوضاع في العراق ويؤكد دعمه لكل ما من شأنه إنهاء حالة التصعيد الحالية.
وفي الشأن السوري تضمّن بيان القمة الخليجية إدانة للتواجد الإيراني في الأراضي السورية وتدخلات إيران في الشأن السوري، وطالب بخروج كافة القوات الإيرانية وميليشيات حزب الله وكافة الميليشيات الطائفية التي جنّدتها إيران للعمل في سوريا.
وبشأن لبنان أكد البيان حرص مجلس التعاون على أمن لبنان واستقراره ووحدة أراضيه، وعلى انتمائه العربي واستقلال قراره السياسي، والوفاق بين مكونات شعبه، معربا عن أمله في أن يستجيب اللبنانيون لنداء المصلحة العليا والتعامل الحكيم مع التحديات التي تواجه الدولة اللبنانية وبما يلبي التطلعات المشروعة للشعب اللبناني.
وفي الشأن الليبي أكد البيان على دعم جهود الأمم المتحدة للتوصل إلى حل سياسي مستمد من اتفاق الصخيرات الموقّع بين الأطراف الليبية في ديسمبر 2015، مجددا حرص دول المجلس على الحفاظ على مصالح الشعب الليبي، وعلى أمن واستقرار ووحدة الأراضي الليبية.
وعن السودان تضمّن بيان القمّة الخليجية ترحيبا بالاتفاق التاريخي الذي توصلت إليه الأطراف السودانية، والهادف إلى تحقيق مصلحة السودان، والحفاظ على أمنه وسلامته واستقراره وتحقيق تطلعات الشعب السوداني.
كما رحّب بتعيين عبدالله حمدوك رئيسا للوزراء وتشكيل الحكومة الانتقالية في جمهورية السودان، واعتبر ذلك خطوة مهمة تؤكد إرادة الأشقاء في السودان وحرصهم على مصلحته والحفاظ على أمنه وسلامته واستقراره وتحقيق تطلعات أبنائه.
وفي الشأن الفلسطيني أكد المجلس الأعلى لمجلس التعاون في بيانه على مواقف دول المجلس الثابتة من القضية الفلسطينية باعتبارها قضية العرب والمسلمين الأولى، ودعمها للسيادة الدائمة للشعب الفلسطيني على جميع الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ يونيو 1967، وتأسيس الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، مشددا على مركزية القضية الفلسطينية.
ولم تتطرّق قمّة الرياض بشكل مباشر لقضية المصالحة مع قطر التي تقاطعها ثلاثة بلدان خليجية بسبب سياساتها المهدّدة للاستقرار، وهو الأمر الذي عزاه مراقبوه إلى عدم جهوزية الدوحة في الوقت الحالي للاستجابة لشروط المصالحة.
وكثيرا ما يرجع متابعون للشأن الخليجي انتظام مجلس التعاون في أعماله تحت مختلف الظروف، إلى براغماتية الخليجيين وقدرتهم على الفصل بين الملفّات والقضايا حفاظا على المصلحة العليا المشتركة لبلدانهم.