نعم للسلام لا للحرب
علي ناصر محمد
اطلعت على ما نشره أمس الصحفي والسياسي الشاب صلاح السقلدي من كلام صريح وصادق عن الوضع في اليمن بشماله وجنوبه وعن الفوضى الأمنية التي تمر بها البلاد والعباد منذ ٥ سنوات في غياب الدولة. ففي اليمن اليوم أكثر من رئيس وأكثر من حكومة وأكثر من جيش منذ ٢٠١٥، ولا نعفي أحداً من المسؤولية من السلطة والمعارضة في الشمال والجنوب ولا التحالف العربي ولا المجتمع الاقليمي والدولي.
ستدخل الحرب عامها السادس بعد ثلاثة أشهر بعد أن كان البعض يعتقد أنها ستحسم في ثلاثين يوماً وقلنا يومها: لا، إنها ستطول ولن تحسم حتى بعد ثلاث سنوات. وأن المنتصر فيها مهزوم.
لم تكن تقديراتهم للحسم مبنية على خطط مدروسة وواقعية للواقع اليمني وتعقيداته بجباله ورجاله لأن الرهان على مثل هذا الحسم استعصى على مصر ضد الملكيين التي كانت تعتقد أنها ستنتصر وسيعود جيشها منتصراً الى مصر، وكان السعوديون يراهنون على دخول الملكيين الى صنعاء لاستعادة ملك آل حميد الدين ولكن الحرب استمرت خمس سنوات أثناء الدعم المصري للثورة اليمنية وثلاث بعد خروج القوات المصرية عقب هزيمة العرب في عام 1967، ولم ينجح حتى حصار السبعين يوم في دخول الملكيين الى صنعاء وعودة بيت حميد الدين إليها وكان تجار الحروب في اليمن وخارجها، كما الحال اليوم، لا يريدون نهاية لتلك الحرب وكان البعض يرددون “اللهم انصر الجمهورية الى النص والملكية الى النص”.
اكلت تلك الحرب الاخضر واليابس ودفع الشعب اليمني الثمن من رجاله وأمنه واستقراره، وضحت مصر برجالها ومالها ودفعت السعودية المال والذهب لدعم الملكيين. وتحولت تلك الحرب الى حرب استنزاف لكافة أطراف الصراع في اليمن الى أن حُسم أمرها في قمة الخرطوم عام ١٩٦٧م بين الزعيمين جمال عبد الناصر والملك فيصل بانسحاب القوات المصرية من اليمن وإيقاف الدعم السعودي للملكيين. ولكن بعد أن دفع الثمن الشعب اليمني من جمهوريين وملكيين وغادر الساحة قادة الحرب من الملكيين والجمهوريين بعد أن أدوا دورهم.. وجاءت قيادة توافقية مقبولة للدول الإقليمية.
نحن اليوم بحاجة لأن نقرأ التاريخ ونستفيد من دروس وعبر تلك الحرب وغيرها.. والاحتكام الى لغة الحوار بدلا عن لغة السلاح للوصول الى حلول مقبولة لدى كافة أطراف الصراع والنزاع في اليمن والمنطقة لأنه لا يمكن لأنصار الله أن يحكموا الشمال بإقصاء الآخرين من المشاركة في السلطة، ولا يمكن للانتقالي أن يحكم عدن بإقصاء الآخرين من الساحة، ولا يمكن للشرعية بعد هذه التجربة أن تعود لتحكم اليمن بشمالها وجنوبها بعد أن عجزت في العودة الى صنعاء وعدن بدعم التحالف. كما لا يمكن لمحافظة أبين أو شبوة ولا لحج أو الضالع ولا مأرب أو الجوف ولا صعدة أو صنعاء ولا حضرموت ولا غيرها.. أن تحكم لوحدها. فاليمن كبير ويتسع للجميع ولا حل إلا بالتداول السلمي للسلطة لحكم البلاد والعباد عبر صناديق الانتخابات وليس عبر المظاهرات أو الدبابات. كما أن اليمن بحاجة الى الأشقاء والأصدقاء لدعمه اقتصادياً وتنموياً وإعادة إعمار ما دمرته الحرب والقضاء على الإرهاب الذي يجد في الفوضى والفقر والانقسامات وغياب الدولة ملجأً له ولتنفيذ أهدافه الإرهابية التي لا تخدم إلا أعداء الأمن والاستقرار في اليمن والمنطقة. فاليمن غني بثروات وخيرات أرضها وهو بحاجة الى التنمية والأمن والاستقرار لاستثمارها بعد أن أعاقت الحروب في الماضي والحاضر اكتشافها واستثمارها. فقوة اليمن اقتصادياً هي قوة للمنطقة كلها وقوتها عسكرياً هي قوة بل عمق استراتيجي للمنطقة كلها.
ونحن نودع عام ٢٠١٩ ونستقبل عاماً جديداً نوجه هذه الرسالة لكافة الحكماء والعقلاء في اليمن والمنطقة لوقف الحرب مالم فإن الفوضى الأمنية والسياسية وغياب الدولة ستلحق ضرراً بالجميع في اليمن وخارجها ولن ينجو منها أحد. فاليمن بحاجة الى دولة قوية مهابة لحماية أمنها واستقرارها وحماية مصالحها ومصالح جيرانها ومصالح القوى الاقليمية والدولية.
ومن جانبنا فقد تدارسنا مشروعاً للحل السياسي مع دول المنطقة وكافة الأطراف المعنية بالصراع في اليمن ورحبت معظم هذه الأطراف بهذه المبادرة بما في ذلك المبعوث الأممي والجامعة العربية وجاء فيها وقف الحرب وقيام دولة اتحادية من اقليمين وتشكيل حكومة وحدة وطنية لفترة انتقالية وسحب الاسلحة من كافة الجماعات المسلحة ومركزتها في وزارة الدفاع لحكومة الوحدة الوطنية والاستفتاء على الدستور وإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية بما يرتضيه الشعب.
ولكن هذه المبادرة اصطدمت ببعض القوى التي لا تريد الخير والأمن والاستقرار لليمن والمنطقة لأن مصالحها ستتضرر من ذلك، كما أن تجار الحروب لا يريدون نهاية لهذه الحرب ولسان حالهم ما كان يردد في حرب الملكيين والجمهوريين مع تحوير يناسب أطرافها الجدد “اللهم انصر الشرعية الى النص وانصار الله الى النص”.
ولكن لسان حال الشعب اليمني الذي يدفع ثمن هذه الحرب من دمه وقوته وأبنائه يقول: أما آن لهذه الحرب أن تنتهي..؟!
نعم للسلام.. لا وألف لا للحرب..