تقول الناشطة المدنية والمتظاهرة العراقية رؤى الحسن، إنها شاهدت امرأة مسنة في ساحة التحرير، ودموعها تنهمر على وقع أنشودة «منصورة يا بغداد»، التي تصدح بها حناجر المتظاهرين، وهي تتذكر الكثير من الأناشيد والأغاني الوطنية التي اشتهرت في ثمانينيات القرن الماضي، وتنتشر حالياً بشكل لا نظير له.
ولم تكن الحسن رأت النور في تلك الفترة، وتفطن على أواخر فترة الحصار فقط، وهي طفلة، وكانت تستمع إلى بعض التسجيلات لتلك الأغاني والأناشيد، وتعجب بألحانها وأدائها الجماعي، والفردي أحياناً، ولكن بنضج ساحة التحرير، وتشكيل اللجان الفنية، تم إحياء هذا التراث الفني الراقي، مع مراعاة الوضع الراهن، وتغيير بعض الكلمات، من دون المساس باللحن، الذي ظل محتفظاً بشعبيته ورمزيته.
أعراس التحرير
وتروي الحسن أن العديد من المتظاهرين، فضلوا أن تكون حفلات زفافهم في أطراف الساحة، والأغنية المفضلة لدى جمهورهم «عروستنا وأخذناها»، حتى انتشرت هذه الأغنية- الأنشودة إلى الكثير من حفلات الزفاف والأعراس في البيوت والصالات، إلى درجة أنها حضرت حفل زفاف لابنة أحد المسؤولين في أحد الفنادق الراقية، وعند دخول العروس إلى القاعة عزفت الفرقة الموسيقية لحن «عروستنا وأخذناها»، وعند الاستفسار من والد العروس «هل تعرف أي لحن يعزفون؟ أجاب: أتذكر أنها عن العروس والعرس»، وعند تذكيره بأن هذا اللحن يعود لأنشودة تحرير الفاو من القوات الإيرانية عام 1988، وأن المقصود بالعروس «مدينة الفاو» التي كانت محتلة من قبل إيران، قال «دعوهم يرقصون فرحين… اللحن جميل والأداء أجمل».
أنشودة حربية
وتضيف الحسن أن من أناشيد ساحة التحرير، التي حصلت على أعلى علامات الإعجاب في «يوتيوب»، أنشودة «نحن الـ (بي كي سي) الـ ما يسكت»، وهي أنشودة حربية، فيما تظاهراتنا سلمية، وقد تم تحوير بعض الكلمات فيها، لتكون منسجمة مع واقعنا، مع الاحتفاظ بالإشارة إلى أن صوتنا الذي لا يسكت هو سلاحنا، كما هو صوت الرشاش المتوسط المعروف في الحرب العراقية- الإيرانية، وقد انتشرت في معظم حفلات الأعراس وأعياد الميلاد والمناسبات الاجتماعية، وليس غريباً عزفها وإنشادها والرقص على أنغامها، في حفل عيد ميلاد طفل، أقيم قبل أيام في إحدى قاعات نادي الصيد، وهو أحد أشهر وأرقى نوادي بغداد.
عريس الأرض
ومن أشهر الأنشودات، التي انتشرت في المناسبات الاجتماعية العراقية، «يا كاع (أرض) ترابك كافوري»، أي بريحة الكافور، وهي أنشودة حربية، تتناول حرص العراقيين على أرض بلادهم، إلا أن ما تثير الدهشة أكثر، أنشودة «أنا أُمك، قالت له الكاع (الأرض) وأنت وليدي… عريس وربعه يزفونه وعرسك عيدي»، وقد أنشدها المتظاهرون في تشييع جثمان أحد القتلى، وتعني ترحيب الأرض الطاهرة بابنها البطل.