من الأحداث السياسية النادرة أن يتحول يوم النصر العسكري بالنسبة للمنتصر إلى كابوسٍ مريع وشعور بالخزي والقرف من هذا الفعل، ويتحول في الوقت عينه لدى المهزوم إلى مناسبة لجلد المنتصر والتشهير به والتذكير بعدالة قضية المهزوم، بل وإلى مناسبة لهذا المهزوم لحشد جماهيره وتحقيق مكسب سياسي عند كل ذكرى سنوية تُــمرُّ لهذه المناسبة الكارثية.
فبعد أن كانت مناسبة 7 يوليو في سنينها الأولى وبالذات بالعشر السنين الأولى وحتى 2011م يوما للردح والشتم بوجه الجنوبيين يقوم بها المنتصر وأعوانه، ومناسبة صاخبة للتذكير بهذا الحدث المعيب باعتباره يوماً من أيام العرب الوحدوية وفتوحاتهم وحروب التُــبّع اليماني يتم التحضير له قبل الموعد بعدة شهور على وقع الزوامل والأوبريتات المدوية، فقد تحولت لدى المنتصر بعد ذلك العام إلى مناسبة للشعور بالجُــرم والخجل، ومناسبة لدى المهزوم (المعتدى عليه) لتقريع المنتصر (المعتدي) وتذكيره بفداحة جُـرمه بحق مشروع وحدوي طموح تم الإجهاز عليه بالعقلية السبئية النهبوية، وأكذوبة الأصل والفرع وخرافة عودة الابن الضال، وبتذكيره بأن للظلم جولة وللحق جولات.
مصران السياسة الأعور..
رفضُ الاعتراف بخطأ حرب 94م وبجريمة قتل المشروع الوحدوي وخارطة طريقه السياسي المتمثل بوثيقة العهد والاتفاق، ومن ثم رفض تصحيح مسار الوحدة المضروبة، والتمنع الاستعلائي بالاعتراف بوجود كارثة سياسية وطنية أفرزتها تبعات تلك الحرب أدى ذلك إلى ظهور القضية الجنوبية.
ومن ثم رفض تلك القوى بالاعتراف بهذه القضية كقضية سياسية وطنية واضحة برابعة نهار التاريخ أدى إلى ظهور الثورة الجنوبية الجماهيرية (الحراك الجنوبي).
ومن ثم رفض الاعتراف بهذه الثورة واصرار تلك القوى على التعامل معها كغوغاء وشرذمة حاقدة أدى ذلك إلى تفاقم الأمور بالجنوب وتعقيداتها على مستوى اليمن، خصوصا مع اقتراب الاستحقاق الانتخابي الذي احتدم بين نظام الحكم وبين المعارضة الافتراضية (المسماة باللقاء المشترك) التي كانت تلك الانتخابات من المفترض أن تتم قُــبيل ثورات الربيع العربي قبل ان تبعثر صناديقها زوابع الأحداث بالداخل والخارج، أدى كل ذلك إلى تكوّر كرة النار على رؤوس الجميع وأولهم الرافضون الاعتراف بالقضايا العادلة كالقضية الجنوبية وحروب صعدة أيضا، التي قادتهم تلك الأوضاع وتلك السياسة الهوجاء إلى حرب 2015م.
ومن رحم هذه الحرب تجددت القضية الجنوبية بتوهج طاغٍ، وصار لها هذه المرة مخالب ناشبة وأنياب حادة، وظهر معها الجنوب كقوة سياسية فضلاً عن عسكرية يستعصي تجاهلها، ومع ذلك ظلت قوى 94م تتجاهل كل ذلك وترفض الاعتراف بهذا الواقع بالجنوب بل باليمن برمته كما دأبت منذ حرب 94م، واستمرت تنسج غباءها على ذات المنوال المهترئ.
فظهور هذه القوة الجنوبية الخشنة ممثلة بالمقاومة الجنوبية، والقوة السياسية الناعمة ممثلة بالمجلس الانتقالي الجنوبي، وصلابة عود وشكيمة مجالس الحراك الجنوبي الثورية إلّا أن قوى 94م ظلت ولا تزال حتى اللحظة أسيرة سياسة الكِــبر، مُــصابة بتضخم مصران السياسة الأعور المتقيح بداخلها.