لا تفجعوا الحجرية
نجت المديريات الوسطى من ريف الحجرية، من ويلات الحرب الحوثية على المدن اليمنية.
ويعود هذا لأسباب من بينها الرفض الشعبي الجارف الذي ووجهت به المليشيات الحوثية يومي 23 و24 مارس عام 2015م، حين تصدى عشرات الآلاف من المتظاهرين السلميين بصدورهم المفتوحة للأفواج العسكرية الحوثية المدججة بالأسلحة، ومنعتها من العبور لغزو الجنوب عبر مناطق الحجرية، وهي المواجهات التي أسفرت عن 4 شهداء وعدد من الجرحى، ليتصاعد الغضب الشعبي إلى مستوى لم يعد بوسع المليشيات الحوثية أمامه سوى اتخاذ قرار الانسحاب من تلك المنطقة.
غير أن مديريات وسط الحجرية التي نجحت في رد المليشيات الحوثية، ومنع استخدام مناطقها مسرحاً للقتال، وجبالها الاستراتيجية الشاهقة مواقع لاستهداف وإخضاع مدن الجنوب، وحافظت على خيراتها من الجبايات، وعلى أبنائها من شحنهم كذخائر حية في بندقية الكهنوت، تبدو اليوم مفجوعة وقد استيقظت على طعنة غادرة في الظهر.
فبعد أن فقدت باغتيال صاحب الشرعية الأول وبطلها الأنبل عدنان الحمادي، الدرع الحامي، والزعيم الجامع، أفاقت على من أكسبتهم شرعية التمثيل، حباً وتقديراً لرفاقية السلاح التي جمعت أبطالها بهم، يستحلون أرضها ليجعلوها ميداناً للحرب، ويجندوا شبابها وقوداً للمعارك.
ولمَ كل هذا؟ لمَ ارتد الشرعجيون الطارئون على أعقابهم بهذا الخزي؟! كيف انحرفت بوصلتهم جنوباً، بعد أن كانت شمالا؟
وهل ديباجاتهم الإعلامية الاتهامية، ورطانتهم التكرارية التحريضية، وحي رباني، أم دستور وطني، أو قانون إلزامي على رقاب المواطنين؟! ولماذا يستهينون بأوجاع الناس وتضحياتهم التي قُدمت قرابين باهظة على مذبح الحرية والعدالة والدولة المدنية التي وعدوهم بها؟!
لإن كانت الحرب قد أفرزت ورفعت أسوأ ما في البلاد ومن فيها، فإن أبشع الوقاحات قبل هذا الذي يحدث الآن، كانت تهونها فضيلة التلكؤ والتسويف، في ارتكاب جريمة كبرى بهذا الحجم، فليس سهلاً ارتجال قرار يدفع أثمانه عشرات الآلاف من دمائهم وممتلكاتهم وحياة أحبائهم وأسرهم، إذا تحولت منازلهم وشوارعهم وقراهم ساحات لحرب شرسة، ومعارك كسر عظم بين أعداء الحوثي، الذي سيحيا أسعد لحظاته وهو يرى خصومه “بأسهم بينهم شديد” كما قال الله في سورة المنافقون!
ثم هل انتقل امتياز مقاولات القتلة المأجورين، من الشركات الكبرى، لتشمل تراخيصها عقود استئجار الأحزاب السياسية لتدخل حلبة المنافسة على حصة لها في سوق الملشنة وعصابات القتلة المأجورين سيئة السمعة؟!
وأي ارتدادات ومضاعفات يمكن أن تلحق بعرابي هذه الحروب وقادة هذه المعارك، ومن يدعمهم؟!
هل يخيل لهم أن قوة التهويل بالتخوين والتشهير، أو قوة التخويف والتهديد بالسلاح والجيوش، أم ربما قوة التضليل وبث الأكاذيب بنفوذ إمبراطورياتهم الإعلامية، هل يعتقدون أن وسائل الترغيب والترهيب والتحريض والتهديد تلك، ستفقد الناس شعورهم بمعاناتهم ومآسيهم، أم ستنسيهم من تسببوا في حدوثها وتدمير المساحة الهشة الباقية للعيش؟!
لقد وفرت هذه الحرب، للأشرار، والسلطويين، والاستحواذيين الإقصائيين، بمن فيها الجماعات المأجورة، وأمراء الحرب، أفضل الفرص الممكنة، لتحقيق طموحاتهم، والحفاظ على حد أدنى من القبول الاجتماعي بهذه الهيمنة القاهرة.
فقد جعل التصدي للحوثي، من كل قائد أو أمير حرب، بطلاً ورمزاً وطنياً، بصرف النظر عن تاريخه المشين، أو طموحه الجامح، فالمعيار بنظر أناس كثر، هو: كم تستطيع أن تحرر من المناطق التي يسيطر عليها الحوثي؟ والمعيار بنظر المجتمع الدولي: كم المساحة التي تسيطر عليها وما أهميتها الاستراتيجية؟ فالأول يعطيك صك القبول تقديراً لما أنجزته من انتصارات وتحرير، والثاني يحدد حصتك ومركزك من التسوية المنتظرة بقدر أهمية وحجم ما أنحزته..
إذن، فميدان المنافسة هو تلك الأرض الرهينة بيد مليشيات الانقلاب، فلماذا لا تخوضون منافسة أقل خسة، وفيها لفحة شرف قد تبيض شيئاً من تاريخكم أو تجمله، حين تسقطون الانقلاب الحوثي الذي يحاصركم جميعاً؟!
ثم افرضوا أنفسكم غصباً على الشعب كالعادة، بما سلبتم من السلطة وتمكنتم من الهيمنة واقتسموا كعكة النفوذ والسيطرة وأدوار البطولة كما كنتم في السابق، فقد يكون الانعتاق من قبضة المليشيات، سبباً كافياً وغافراً بنظر الناس التي قد ترى أن هذه النتيجة مهما بدت سيئة، فهي أخف ضرراً عليهم من أن يترك الحوثي ليشتد ويستقوي ويتمدد على حساب الناس وحقوقهم وحاضرهم ومستقبلهم الذي لم يبن له إلى الآن أفق أو حتى هزيع..!