مقالات

الجنوب يكسر قيود عبوديته

 


 


لم تكن التضحيات التي قدمها أبناء الجنوب للخلاص الأبدي من الحوثي وجماعات العنف وكسر قيود عبوديته قليلة وسهلة. لقد كانت ضريبة كبيرة وموجعة من الدم والتضحية برجال من طراز رفيع من أجل قضية عادلة ومشروع يستحق.


 


ولذا فإن كل المحاولات الجديدة والحثيثة لتطويقه أو تدجينه أو كسر مشروعه أو إخضاعه لحظيرة الشرعية المثقوبة هيكلاً ومضموناً لن يكتب لها النجاح وإن تدثرت بأسماء ذات ظلال جاذب كالشرعية والدولة، لأنها ببساطة لا تمثل شيئاً من ذلك ولو بحده الأدنى.


 


إن الرفض الجنوبي لاختطاف القرار الرئاسي ومقدرات الدولة هو شكل من أشكال الممانعة التي غابت النخبة اليمنية الحزبية والاجتماعية عن القيام بدورها فيه وتركت الشعب للمجهول.


 


لقد نجح الجنوب في الخلاص من الجماعات جميعها جملة واحدة، حوثي وإخوان وقاعدة، ومضى نحو تجميع شتاته وإحراز شيء من الأمن والاستقرار ودخلوا في اتفاق الرياض كي يسحبوا ذرائع الشرعية المختطفة ليس إلا.. لكن دوائر المكر الإخواني تتربص به وتعيد الكرة تلو الكرة في جبهات مختلفة ويتوازى ذلك مع تربص حوثي في جبهة الضالع، وهو نتاج طبيعي للتوافق الضمني وتعاقد الظل بين الحوثي والإخوان الناتج عن التفاهمات الإيرانية القطرية نتاجه تكامل المصالح المشتركة وقاعدته نتعاون فيما اتفقنا عليه وسنعذر بعضنا بعضاً في المختلف فيه.


 


ولذا فإن صراع اليمنيين والجنوبيبن على وجه الخصوص مع الحوثي والإخوان وجماعات الدين ليس صراعاً سياسياً، أنه صراع من أجل البقاء والحياة والعدل وحماية التاريخ اليمني العريق، وتلك القاعدة الأهم التي حفظها الجنوب عن ظهر قلب وما زال الشمال متردداً في فهمها.


 


في الأشهر الأخيرة تم ضبط عناصر إصلاحية استخباراتية تعمل لصالح الحوثي وقطر، وهي إحدى الوسائل الجديدة لإنهاك جسد الجنوب واغتيال بعض قياداته ونشر الفوضى مع ماكينة إعلامية تضخم كل الأحداث الأمنية العابرة.


 


كانت عدن هي المحطة الأهم في أجندة التفخيخ والعمليات الإرهابية، واستهداف المعسكرات والأقسام الأمنية لإشعال حالة من الفوضى والارتباك، وكانت المهرة المحطة الثانية بعد عدن في تحشيد بعض أنصارهم وبسيولة مالية قطرية لإنعاش بؤر الخلاف والفوضى، لا سيما بعد الفشل في شبوة وحضرموت.


 


وعلى امتداد خارطة الجنوب هناك تفاصيل للعبث الإخواني الذي يتحين فرصة ما للانقضاض باسم الدولة والوحدة.


 


ويدرك الجنوبيون السجل القديم الجديد للجماعة ويتعاملون معه بحزم، وهذا ما يجعل تلك المحاولات تفشل مع كل محاولة رغم تعدد أشكال وأنماط هذه المحاولات وتنوع تموضعها الجغرافي وشخوصه الذين أحياناً يكونون من أبناء الجنوب.


 


ويبدو أن النشاط الإخواني ما زال موجوداً في الجنوب وله أثره الذي يتجدد كل يوم بشكل عسكري أو بأشكال مدنية وخيرية وإعلامية.


 


لكن الباعث على الأمل أن الحامل السياسي للجنوب والمعبر عنه أصبح يضع حماية الجنوب من هذه الأخطار نصب عينيه.


 


ولعل أكبر إنجاز حققه الانتقالي للقضية الجنوبية هو تحويله من مرحلة الهتافات إلى مرحلة العمل السياسي والعسكري الجاد الحامي الضامن في آن.


 


وربما أن التحالف العربي ما زال يضغط على الانتقالي بقبول تواجد إخواني باسم الشرعية ولو محدود استجابة للرئيس الذي يدار من حلقة صغيرة تحيط به وترسم قراراته وتوجهات الحكومة أيضاً، وبعض دوافع هذا الضغط يأتي من هدير الضجيج الإعلامي للإخوان واتهام التحالف بتقويض الشرعية، رغم أن معظم هذا الضجيج هو أحاجٍ وتلغيز وتغييب للأدوار التنموية للتحالف والإمارات تحديداً ويرافق كل عمل تنموي وإنساني.


 


وهو توظيف سياسي سلبي يفترض سلفاً أن العطاء مقابل الأخذ أو الاحتلال أو الاستثمار. وهذا نوع من التماحك السياسي القطري بأدوات إخوانية ليس إلا..


 


يبدو أن الجنوب قادم على معركة جديدة للحفاظ على مكتساباته وخلاصه من قيود الاستبداد والنهب والفوضى، ولن تكون معركة سهلة، ولن تكون الأخيرة في ظل تفرغ تام لقوات الشرعية للجنوب وترك الحوثي في مناطق مختلفة من نقاط التماس في أمان ودون أدنى اشتباك معه.


 


ويبقى الوعي الجنوبي هو بوصلة الأمان وصمامه المتين.. بعد أن كسر كل تلك القيود في فترة زمنية طويلة ابتدأت في ما بعد العام ألفين ولا تزال تواصل مشواراً طويلاً حتى لا يكون الجنوب نسخة مكررة من الشمال الراضخ للحوثي والإخوان والقاعدة ومن يدور في فلكهم من القوى الأخرى.


 


 

زر الذهاب إلى الأعلى