يصرُّ صاحبي أنّ الصراع السياسي والعسكري اليوم بالجنوب هو صراع جنوبي جنوبي، وحُـجته في ذلك أن ثمة جنوبيين يقاتلون في صف قوات الشرعية ضد جنوبيين آخرين.
ولكن صديقي هذا يشيح وجهه عني بعيدا، ويعتريه التبرّم والتجهم حين أفند زعمه بما يلي:
– هل كانت حرب 94م جنوبية جنوبية بمجرد أن كان هناك جنوبيون يقاتلون في صف الشرعية حينها ضد جنوبيين آخرين؟
هل سمعت إعلام سلطتك تصف الصراع في صنعاء -على الأقل منذ عام 2011م- بأنه صراع شمالي شمالي بحكم انتماء أطراف الصراع (إصلاح ومؤتمر وحوثيين) إلى جغرافية الشمال؟
– إن كان اعتبار اليوم وجود جنوبيين في صف الشرعية وأن الطرف الآخر في عدن هو جنوبي دليلاً على أن الصراع جنوبي جنوبي، فهل الحرب الدائرة اليوم بالشمال شمالية شمالية بمجرد أن في الشرعية شماليين ويقاتلون الطرف الشمالي الآخر في صنعاء المسمى أيضا انقلابي؟
– ثم إن كانت الحرب جنوبية- جنوبية وليست سياسية ولا صراع مشاريع متضادة، فلماذا يستخدم إعلامكم بالشرعية مفردات من قبيل: قوات الشرعية- الجيش الوطني- الانقلابيين في عدن- المتمردين -مليشيات الانتقالي- الحكومة الشرعية-.
– ألّا ترى ان مسمى الشرعية اليوم هو ذات المسمى الذي تم فيه احتلال الجنوبي باسمه عام 94م؟ سبحان الله.
– وإن كانت جنوبية – جنوبية، فلِــماذا حين تحقق قواتكم تقدما عسكريا تعتبره انتصارا للشرعية اليمنية وجيشها الوطني وليس انتصارا لطرف جنوبي على طرف جنوبي آخر؟
ولماذا حين تهزم قواتها تعتبر الهزيمة جنوبية وتنسى حاجة اسمها شرعية وجيش وطني؟ استخفاف بعقول السُــذج إلى أبعد مدى من الاستخفاف والاستغباء. يا واهب مملكة العقل.
– ثم إذا افترضنا جدلا أنه صراع جنوبي – جنوبي فما الداعي لاستخدام المفردة السياسية: (الشرعية) التي يقابلها مفردة سياسية: (الانقلابيين)، أليس هذه المفردات اليوم لها نفس المقابلة بحرب 94م: “قوات الشرعية” مقابل “قوات الانفصاليين”.
لم يتغير بالأمر سوى تغير طفيف على الطرف الجنوبي، حيث كان يتم نعته بالانفصالي، واليوم بالانقلابي، وكان المبرر في 94م محاربة الحزب الاشتراكي الانفصالي الملحد، واليوم محاربة المجلس الانتقالي الانقلابي المتمرد.
باختصار يا صديقي، وإن تغيرت المبررات والمفردات – مع أن معظمها تتطابق تماما بين الأمس واليوم – فإن المطلوب في نهاية المطاف هو الجنوب كله بكل أبنائه وطاقاته ومستقبله دون تمييز بين موال ومتمرد، فهي محاولة لئيمة فرض مشروع سياسي لهضم الجنوب بعد أن استعصى عليهم هضمه بعد ربع قرن من الزمن برغم ابتلاعه حينها.
وما اسم الشرعية بالأمس سوى حصان طروادة الذي تسعى للنفاد من خلاله الى قلب طروادة الجنوب (عدن)، كما أن ما الحزب الاشتراكي ليس أكثر من إلّا أمير طروادة.
واليوم ما عليك إلّا أن تسقط ذلك المشهد على ما هو موجود اليوم ستجده نسخة طبق الأصل تحتوي ذات المسميات: شرعية 2015م مقابل شرعية94م، – الاشتراكي بالأمس والانتقالي اليوم- والأخيــرَين ليس أكثر من ذريعتَي ومبررَي الاجتياح.
أربع مفردات رئيسية تكررت بالحالتين.
للشعوب ذاكرة لا تخون ولا تتلف أبداً.