مقالات

بدلاً من الهجرة.. لماذا لا نحمل المهجر إلى الوطن؟!

 


 


في العادة: يُقاس نجاح أي نظام سياسي بمدى ما يوفره لشعبه من خدمات وحريات ورفاهية.. وما يحققه لبلده من تنمية وحداثة وإنتاج.. مقارنةً بالمتوسط العالمي.


بهذا المعيار العلمي المعبر عنه بلغة الأرقام والإحصائيات.. تتفاوت الأنظمة فيما بينهما، نجاحاً وفشلاً.. وفي المحصلة:


الديمقراطية الليبرالية أفضل من الاستبداد الوطني أو القومي أو الإيديولوجي.. وهذا الاستبداد العلماني، على علاته، أفضل من استبداد النظام الكهنوتي.


مشكلة هذه البديهية في العالم العربي، أن تجلياتها مقلوبة في الوعي والطموح الجمعي. بما يمكن ملاحظته من خلال الشعبيات الجماهيرية:


شعبية الجماعات الدينية أكثر من شعبية الأحزاب اليسارية القومية والاشتراكية.. وهذه الشعبية بدورها أكثر من شعبية التيارات الليبرالية.!


حسب هذا الوعي الذي يمثل النخب العربية السياسية في الأغلب وأتباعها: فإن نظام الثورة الإسلامية في إيران أفضل من النظام السابق للشاه، والصين حالياً أفضل من أمريكا، ونظام كوريا الشمالية أكثر جاذبية من نظام كوريا الجنوبية.!


مفارقة.. تعكس حالة عامة من انقلاب المفاهيم والأفكار التي لا بد لها من انعكاسات كارثية في الواقع، بالشكل الذي جسدته تداعيات ما يسمى “الربيع العربي” في ليبيا وسوريا واليمن وحتى مصر وتونس..


لم يفعل “الربيع العربي”. أكثر من تحقيق أمنيات الجماهير. وتنفيذ تطلعاتهم وطموحاتهم ومشاريعهم السياسية العامة البديلة عملياً:


داعش بدلاً من نظام البعث السوري، والإخوان بدلاً من النظام المصري، والجماعة الحوثية وجماعة الإخوان بدلاً من النظام الجمهوري في اليمن.


هذه البدائل لم تأتِ من السماء. بل هي أحلام مثالية عامة، تجلت على شكل كوابيس، أفزعت حتى المجاميع الحالمة نفسها بحيث باتت الهجرة غاية وأسمى أمانيها.


الهجرة تعني ظروفاً محلية طارئة طاردة للسكان، نتيجة رداءة أو غياب النظام، أو تشظي الخيارات العامة، واختلالها الذي يصل في السياق العربي حد الانفصام ما يصور الإنسان  العربي نمطياً، كشخص يعمل من أجل إقامة دولة دينية في بلده، ويتمنى لنفسه أن يعيش في دولة علمانية.!


معظم العرب والمسلمين يحلمون بالهجرة إلى الغرب.. بينما بإمكانهم إحضار الغرب إليهم. من خلال التوقف عن تقبيح الحسن وتحسين القبيح، وشيطنة الغرب، المرغوب عملياً والملعون نظرياً.


تقتضي العملية بالضرورة إعادة النظر في مجمل المنظومة الفكرية السائدة، والتصالح مع الذات والعصر والآخرين، واستئناس الأفكار والقيم الإنسانية الحرة العادلة البناءة التي صنعت من الغرب هذا الغرب الحديث.


 


 

زر الذهاب إلى الأعلى