الإدارة بأحلام النائمين
استيقظ خليفة عباسي -أظن أنه المتوكل على الله- فزعاً من هول المشهد الذي رآه أثناء نومه، وفي الصباح أصدر مرسوماً بتعيين فريق علمي مهمته السفر إلى الصين، لكي يتحقق من الأمر.. وهذا الأمر هو أن الخليفة حلم في منامه أن سور الصين العظيم كان يتهدم.. ذهب رجال الفريق إلى الصين، وبعد أشهر عادوا إلى بغداد ليخبروا الخليفة أن السور ما يزال كما هو، وأنهم لاحظوا عدم وجود أي أمارات تدل أنه قد يصبح عرضة للانهيار في وقت قريب.. وبذلك اطمأن الخليفة على السور العظيم بعد أن أنفق من بيت مال المسلمين، كلفة رحلة الفريق الذي أرسله إلى الصين كي يختبر فضل الله عليه في الرؤيا الصالحة، بينما كانت أسوار المدن في بلاد الخليفة تنهار.
مثل هذا الغرام بأحلام النائمين كان وما يزال إلى اليوم يسيطر على خاصة المسلمين قبل عامتهم.. حيث يحدثك رجال الدين عن فلان الذي كان يرى الرؤيا الصالحة، ويضربون لك الأحلام لتأخذ بها وتهتدي.. وحتى عندما يعرضون المشكلات ويقترحون حلولاً لها، يستشهدون برؤيا رآها الشيخ الصالح فلان، بل إن علي محمد المهدي بدأ ثورته في السودان بناءً على حلم رآه، وكثيرون هم الذين زعموا أن حركاتهم تستند إلى توجيه من الرسول محمد الذي رأوه في المنام، وتلقوا منه تعليمات وهم نيام.. حتى إن بعض الجواسيس الغربيين فطنوا أهمية الأحلام في تحريك الجماعات الراديكالية، حيث نسب إلى جاسوس بريطاني يدعى همفر أنه ادعى الإسلام وتسمى باسم عبد الله لكي يتمكن من اختراق جماعة دينية في جزيرة العرب، وتقول الرواية المنسوبة إليه إنه دخل على الشيخ رئيس الجماعة في مجلسه، وكان حوله جماعة من أتباعه، فذرف الدموع، فقالوا ما يبكيك يا عبد الله؟ فأجاب: لقد رأيت في منامي رسول الله كان جالساً في مجلسكم هذا، فدخل عليه الشيخ وقام له الرسول إكباراً واحتراماً ورحب به ترحيباً لم أرَه على أحد، ثم إن الرسول قال: هذا هو خليفتي على المسلمين جميعاً وعليكم طاعته، ولو جاء في زماني لأوصيت له بالخلافة، لما أتاه الله من الحكمة والعدل.. فصاح الشيخ: الله أكبر، الله اكبر، هذه رؤيا صادقة أراكها الله يا عبد الله همفر جزاء على إسلامك.. فكان حلم الجاسوس من بين الدوافع التي جعلت الشيخ وجماعة يعلنون الجهاد على بدو شبه الجزيرة العربية الكفار!
وقرأت في واحدة من المصادر العربية، أن السلطان التركي عبد الحميد كان إذا واجهته مشكلة عسيرة، أو أشكل عليه أمر، يطلب شيوخ التكايا الصوفية، فيعرض عليهم المشكلة، أو الإشكال.. ولأنهم ليسوا بالحذق في أمور الدنيا، كان عليهم طلب الحلول بالطريقة التي يحسنونها… فكان الشيخ الصوفي الحنفي يذهب إلى النوم وفي رأسه تلك المشكلة أو ذاك المشكل، وفي الصباح يأتي إلى السلطان يقول له رأيت في المنام كذا وكذا، أو جاءني في المنام رجلٌ حكيمٌ وقال لي قل للسلطان الحل هو كيت وكيت!
وأتذكر أني قرأت في كتاب للشيخ الدكتور محمد الغزالي، سخرية من رجال دين بنوا تعاليم وأحكاماً باسم الإسلام، بناءً على رؤيا رآها شيخ صالح، أو صحابي أو تابعي، إذ قال إن الأحكام الدينية لا تؤخذ من أحلام النائمين!
والأمر لا يقتصر على أخذ أحكام وتعاليم الدين، بل -كما رأينا قبل- يتعدى إلى جعل أحلام الراقدين قواعد للحكم والإدارة، ولو كانت الأحلام تفيد لأفاد منها الرئيس هادي الذي لا رئيس قبله أو بعده، ولا وزير ولا غفير مثله في طول الرقاد! يرقد فيرى نفسه في المنام يبارز الانتقالي ويكسره، يرقد ويحلم أنه قد عاد إلى معاشيق، يرقد ويحلم أن جيشه دخل صنعاء، وفي كل مرة يجد نفسه في الفندق ذاته، ويرجع يرتشخ على سرير الأحلام ليحلم من جديد.