من خلال أفكار مُسبقة قد ملأت عقولهم ــ على غير وعي من البعض ــ يعتقدون أن كل الأفعال والجرائم والانتهاكات الحاصلة في تعز هي تصرفات فردية من أشخاص يعيشون حالة طيش الجبهات وليست منظمة ومرتباً لها، حتى إذا ما أثبت الوقت كثيراً من الحقائق، تجد ما سبق من أفكار قد صنعت من مسرح الجريمة بستاناً، ومن بندقية القاتل وردة.
قبل أيام قليلة جداً حصل أن سيارة إسعاف قامت برمي جثة ملفوفة بقطعة قماش (كفن) على أطراف مقبرة السعيد ــ تعز، دون أي اعتبار لآدمية الإنسان.. حتى تكرمت “الحجة سلامة” بدفن الجثة.
بالتأكيد من ارتكب هذا الفعل اللا نساني، ليس خوفاً من فيروس كورونا (كوفيد19) الذي قد يصيبه ويجعله الضحية التالي، ولا تخلياً عن المسؤولية التي قد يحاسب عليها أمام المسؤول المباشر عليه في عمله كونه سائق عربة إسعاف ذات هوية تابعة لجهة معينة أو مرفق صحي معين.. إنما هذا الفعل يعد رسالة واضحة تستقصدها سلطات الأمر الوقع لا تقل عن كونها وسيلة استرزاق ولفت الجهات الدولية الداعمة والمانحة لليمن خلال مؤتمر المانحين.
سببت هذه الصورة رعباً في أوساط المجتمع.. أشعلت حقول الخوف حتى تحولت أفئدة الناس إلى مساحة صراع الشكوك والقلق.. دمرت أسوار العزيمة.. وهو ما لم يستشعره أرباب الفعل لتصبح مئات الحالات النفسية منهزمة.
توفي في عدن وصنعاء مئات البشر خلال جائحة كورنا، لكن لم يحصل أن رميت أي جثة على الأرض، كما حصل في تعز، مع إدانتنا ورفضنا لكل الانتهاكات والجرائم التي ترتكبها مليشيات صنعاء بحق أبناء الوطن.
قد يبرر البعض هذا الأمر لأسباب! بل ذهب البعض ــ حسب ما تناقلته وسائل التواصل الاجتماعي ــ يتحدث أن من رمي الجثة هم أهل المتوفى، في تبرير مُسيس من ورائه إحداث ضجة إعلامية تأتي في سياق ما يرتب له من مساع وأهداف، بينما هو فعل لا إنساني له عواقب ونتائج قد تقود المدينة إلى لعنة تاريخية سيكون الجميع ضحية فيها.
إلى الآن السلطة المعنية (سلطة المحافظ نبيل شمسان) لم تتحرك لهذا الفعل المهين للإنسان والمدمر لتعز، وهو ما يظهر جلياً أننا في تعز نخوض حرباً ليس ضد مليشيا الانقلاب فحسب، بل ضد دستور القرضاوي وحسن البناء الحاكم الفعلي لتعز.. فلم يعد يجدي أن ننظر (لنبيل شمسان) بظروف المرحلة أو بحسن النية، كما لا يكفي أن نصارحه بحالته المزرية والنفسية المريضة التي يعيشها هذه الأيام، بل لا بد من طريقة جديدة يسلكها المجتمع لموجهة هذا المزيج العقائدي المتطرف الذي يتستر خلف أجنحة السلطة.
إنه لمن العبث أن نرجو أمناً لمدينة تعز أو حتى سقفاً تحررياً لقراراتها أو حتى ما يشبه الاستقرار، قبل أن نفك من عقول أبنائها عقدة الخوف المستوطنة منذ سنين.. حتى يكون لهذه المدينة شأن يصون دم وكرامة الإنسان.. وهو أفق لا يمكن أن يكون إلا باختيارنا لأدوات صحيحة وواضحة وقوية تجعل الكيانات الدينية الأصولية في خانات الإرهاب.