الخمس ومأزق التشريع الأعمى بناءً على الفقه الإسلامي القديم
أثارت اللائحة التنفيذية لقانون الزكاة التي أصدرتها جماعة أنصار الله مؤخراً سخطا كبيرا في الشارع اليمني.
ويعود السبب الرئيسي في ذلك إلى التفاصيل المتعلقة بالخمس وبمخارجه المذكورة في كتب الفقه الإسلامي.
إذ إن اللائحة خصصت حصة من هذا الخمس إلى فئة معينة من الشعب اليمني وهم بنو هاشم دون غيرهم..
وإذا ما عُرض هذا النص على أي شخص محايد فإنه سيقول لك هذا النص يحتوي على تمييز فئة في المجتمع على أخرى.
وللانصاف فإن جماعة أنصار الله لم تأت بهذا النص من كيسها.. فقد أجمع فقهاء السنة والشيعة تقريبا على الآتي:
أولا: لا تجوز الصدقة ولا الزكاة على بني هاشم.
ثانيا: يعطى خُمس الخُمس من الغنائم ومن ركاز الأرض والبحر لاقرباء الرسول من بني هاشم.
وهذا الأمر ليس بجديد.. بل انه تم تدريسنا ذلك في الصف الثاني إعدادي.
وقد أكد ذلك كما ذكرت علماء وشيوخ كثر.. أذكر منهم ابن تيمية والشافعي والزنداني.
بالنسبة لي.. فإني لا أؤمن بما اُجتمع عليه في الفقه الإسلامي في هذه القضية وأرى ذلك غير صائب وغير ممكن عمليا..
وأرى أن الصدقة والزكاة تجوز على جميع من يحتاجها من المسلمين.. بل ومن غير المسلمين.. وان أمور الركاز يجب ان تنظم في قوانين الضرائب.
بعد هذه المقدمة السريعة.. أود أن أُشير إلى كُتيب للشهيد الدكتور أحمد شرف الدين باسم “دستور الجمهورية اليمنية المعدل في الميزان” صدر عام 1999.
في هذا الكتيب الصغير بيَن الشهيد الدكتور شرف الدين معضلة بناء الدساتير الحديثة على أساس إسلامي.
إذ إن الكثير من الدساتير للدول الإسلامية ومنها دستور الجمهورية اليمنية.. تنص على أن الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي والوحيد للتشريع وعلى أن الإسلام هو دين الدولة.
ويرى الشهيد شرف الدين بأنه ليس بالامكان الموافقة بين هذا النص بهذه الصورة وبين شكل الدولة المدنية الحديثة.. التي تقف إزاء الناس بجميع مشاربهم ودياناتهم بمسافة واحدة.
وأشار إلى أنه يجب اختيار أحد أمرين:
الأول: هو أن يتم بناء الدولة كاملا من كتب الفقه وإنشاء دولة دينية.. كجماعة طالبان على سبيل المثال.
الثاني: هو بناء الدولة بشكل مدني حديث يحفظ الحقوق الدينية للمواطنين.. ويجعل الدولة لا تتدخل في الشؤون الدينية.. ولا تشرع على أساس ديني.. وله تفصيل في ذلك في أكثر من مقابلة.
ويرى الشهيد أن الخلط بين الأمرين لا يستقيم.. فلا يصح أن تقول إنك تستمد القوانين من الشريعة الإسلامية وتعمل غير ذلك.
في نهاية هذا الكُتيب ذكر الشهيد أن له تصورا ورؤية وحلا لهذه المعضلة بالشكل الذي يحافظ على الحقوق الدينية.. ويساعد الدولة كشخصية اعتبارية على التخلص من الصفة الدينية.. بحيث تكون دولة مواطنة عادلة لجميع المواطنين.
لم تُتح الفرصة للشهيد بعرض رؤيته وتصوره خلال فترة النظام السابق لعلي صالح.. ولكنها سنحت له في مؤتمر الحوار الوطني.. وذلك بعد أن شرحها ووضحها لجماعة أنصار الله.. التي قدمها باسمهم.
لاقت رؤية الشهيد الدكتور أحمد شرف الدين ترحيبا واسعا وصدى ايجابيا على المستوى المحلي والدولي.. لأنها كانت تراعي مصلحة الشعب عامة.. واستعجب الكثير بان تصدر مثل هذا الرؤية المدنية الحديثة.. من جماعة دينية كجماعة أنصار الله.
وإزاء هذه الجزئية سأنشر لأول مرة.. بأن فريقا من أنصار الله كان معترضا ومعارضا لرؤية الشهيد الدكتور أحمد شرف الدين.. بل إنهم وهم كانوا في نفس فريقه في مؤتمر الحوار الوطني.. وهو فريق بناء الدولة.. كانوا يصوتون ضد رؤيته التي قدمها عن فريقهم.. فكان الزملاء من المكونات الأخرى يأتون إليه ويقولون له.. أقنعتنا وأصحابك بيصوتوا ضدك!!
السبب الذي يدفعني لذكر ذلك الآن.. هو أنه.. بناء على ملاحظتي.. يوجد في مكون أنصار الله ثلاثة اتجاهات: فريق مدني وهو الأضعف بعد اشتشهاد الدكتور أحمد شرف الدين.. وفريق ديني عقائدي.. وفريق براغماتي يدور حيث تدور مصلحته الشخصية ومصلحة الجماعة وهو الأقوى حاليا.
فإن كانت مصلحة الجماعة تصب في تبني مشروع مدني فإنهم سيكونون مدنيين.. وإن كانت المصلحة تصب في الجانب الديني العقائدي.. فسينسون المدنية التي قدموها وسينقلبون دينيين.
ويمكن التأكيد على ذلك من خلال اصدارهم مؤخرا.. الرؤية الوطنية لبناء الدولة الوطنية الحديثة ذات الهوية الايمانية والتي اصدروها ناسخة لـ رؤية الدولة المدنية الحديثة.. التي قدمهما الشهيد الدكتور شرف الدين باسمهم.
والدليل على ذلك أمران: تم إزالة كلمة “مدنية” من هذه الرؤية.. لأن المدنية تعني عدم مواجهة الشعب بالدين.
وعندما تكون في السلطة.. أي سلطة.. فان الدين هو أسهل وسيلة لمواجهة خصومك وتثبيت حكمك.
ولنا في التاريخ الكثير من العبر في ذلك.. والأمر الآخر هو الممارسات التي لا تصب في الاتجاه المدني بتاتا.. ومنها هذه اللائحة التي اصدرتها الجماعة للتفصيل في مخارج الخمس.
وبالعودة إلى موضوع الخمس.. وضح الدكتور الشهيد شرف الدين في مقابلة له على قناة واي ام سي بأنه لا يمكن حاليا العمل بتفاصيل الخمس المذكورة في كتب الفقه.. وان الركاز كل الركاز هو ملك الدولة.. والدولة عليها ان تصرفه بالشكل المناسب على جميع المواطنين بالشكل العادل والمتساوي.. بالامكان القول بانه حل المعضلة بشكل سلس وجميل.
الذي يُثير استغرابي هو تبرير اعلام الجماعة وناشطيها للائحة التي اصدروها بقانون الزكاة الذي صدر في عهد نظام علي صالح في عام 1999..
إذ إن هذا القانون هو الذي حدد الخمس في الركاز ولكنه لم يحدد لمن يُصرف..
وأن هذا التحديد سيتم في لائحة.. هذه اللائحة اصدرتها الآن جماعة أنصار الله.. وهذا التبرير للجماعة في الحقيقة عجيب.. لأن الجماعة ليست مرغمة بالعمل بهذا القانون وبهذه الطريقة أصلا.
فإذا كان هذا القانون غير ممكن تطبيقة عمليا.. لماذا تقوم أنت أصلا بالاتكاء عليه وتصدر لوائح منبثقة منه؟
كان الأحرى ألَا يصدروا لائحة حتى يناقشوا امكانية تطبيق هذا القانون.
الجماعة تعاملت في هذا الأمر من الجانب الديني.. وبأسلوب الدولة الدينية.. فأخذت الحكم الفقهي بغض النظر عن نجاعته ونتائجه وامكانيته وقامت بتطبيقه.. وهي هنا تنافي مبادئ الدولة المدنية التي قدم الدكتور أحمد شرف الدين تصورها باسمهم.. وتؤكد على تراجعهم عن ذلك التصور والميل للتصور الديني الذي يساعد على التشبث بالحكم.
قال الشهيد في إحدى المقابلات: إذا لم تطبق هذه الرؤى سيصطدم الجميع بالجدار.
والآن تصطدم الجماعة بالجدار.. وتبحث عن تبريرات غير منطقية يمينا ويسارا.. ليس آخرها.. دعواها انها قدمت رؤية مدنية في مؤتمر الحوار.. متناسية اعتراض بعض اتباعها عليها وفي مؤتمر الحوار.. ونسخها لها بالرؤية الوطنية الحديثة.
وكلما تصبح الجماعة في ورطة.. تخرج وتقول نحن قدمنا رؤية مدنية في مؤتمر الحوار الوطني لتهدئ الناس!!
وللذي يعترض على هذا الكلام.. عليه أن يجيب على الاتي:
لماذا كان ممثلو أنصار الله يصوتون ضد الدولة المدنية في مؤتمر الحوار الوطني؟
لماذا تمت إزالة كلمة “مدنية” من رؤية الدولة اليمنية الحديثة؟
لماذا تم إصدار لائحة الخمس بناء على أساس ديني مذهبي ضيق وليس مدنيا؟
ما الذي تم تطبيقه من رؤية الدولة المدنية التي قدمها الشهيد شرف الدين حتى الآن؟
أي رؤية سيتم تطبيقها في المستقبل.. رؤية الدولة المدنية للشهيد شرف الدين.. أم رؤية الدولة الحديثة والهوية الإيمانية التي تم إصدارها مؤخراً؟
* من صفحة الكاتب على الفيسبوك