البخاري ومسلم وجهود جمع الأحاديث النبوية
كتابا البخاري ومسلم المعروف كل منهما بـ(الجامع الصحيح) من أجود كتب الحديث؛ بل يُعدان أفضل مجاميع الحفاظ المسندين من حيث سلامة الأسانيد وصحتها في الجُملة..
علمًا بأن للبخاري ميزة على مسلم في اختيار الأسانيد، ولمسلم ميزة على البخاري في اختيار المتون.
وهما -في الواقع- جامعان لروايات حَدَّث بها رواة من مختلف فرق المسلمين؛ (شيعة وسنة ومرجئة وخوارج، بل وروافض ونواصب)، كما هو واضح في كتب تراجم الرواة؛ لذلك هي لجميع المسلمين لا يخص بها مذهب ولا تنفرد بها جماعة.
لا يتحمل الحافظان الكبيران مسؤولية غلو من يدّعون أن كتابيهما -في الحجية- كالقرآن، أو أن المسلمين أجمعوا على صحتهما، أو أنه لا يجوز مخالفتها؛ لأن كلا منهما قد نبه في مقدمته -بكل تواضع- على طبيعة كتابه، ولم يدعيا شيئًا من امتلاك الحقيقة المطلقة.. و(عمَليا) أعرَض مسلم عن روايات صححها البخاري، وتجنب البخاري عمدًا روايات اختارها مسلم، واستدرك عليهما كثير من الحفاظ تصحيحا وتعليلًا؛ وخالف أئمةُ الفقه روايات لهما؛ حتى إن ابن حجر خصص فصلين في (مقدمة شرح البخاري) لذكر ما انتقده الحفاظ عليه، وناقش ذلك، بما لا ينهي الإشكالات.
لا ينبغي الإساءة إلى البخاري ومسلم أو الطعن فيهما (بسبب وجود بعض الروايات المستنكرة في كتابيهما)، لأنهما مجرد جامعين لروايات هي في الأساس موجودة عند غيرهما..
والمُصَنف لا يتحمل إلا مسؤولية ما تفرد بروايته أو تَبَنى لفظه ومعناه..
أما على المستوى المعرفي فالبخاري ومسلم كغيرهما يخطئان ويصيبان، وقد تعرضا للنقد من محدثي زمانهما، حتى أن بعض الحفاظ وصفهما بالتدليس.
ولم يُتَّهم من انتقدهما من المحدثين أو أعرض عن أحاديثهما من أئمة الفقه بأنه عدو لسنة رسول الله.