تزايدت الشكوك حول مستقبل الأرجنتيني ليونيل ميسي قائد برشلونة وإمكانية رحيله عن صفوف البلوغرانا خلال الفترة المقبلة في وقت يتطلع فيه الفريق الكتالوني لمواصلة الدفاع عن لقبه هذا العام وسط أجواء مشحونة تلفّ بيته الداخلي.
وتسبّبت الأنباء التي خرجت عقب التعثر أمام أتلتيكو مدريد في الدوري الإسباني “الليغا” بالتعادل بهدفين لمثلهما وساهمت في تعميق الفارق بينه وبين ريال مدريد في الصدارة إلى أربع نقاط، في حالة من القلق والغضب بين جماهير البلوغرانا.
ومعلوم أن العلاقة بين ميسي ورئيس النادي جوزيب ماريا بارتوميو ليست على ما يرام رغم تظاهر الأخير مؤخرا بأن التجديد للقائد الأسطوري مسألة يحتّمها الواجب ومن الضروري بقاؤه في قلعة “كامب نو” إلى حين اعتزاله هناك.
وقال بارتوميو في تصريحات نقلتها وسائل إعلام كتالونية بداية هذا الأسبوع “عادة لا نفصح عن مفاوضاتنا مع اللاعبين، لكن من البديهي أن لدينا واجبا لتجديد عقده (ميسي). هو أفضل لاعب في التاريخ ولا تزال أمامه العديد من السنوات في كرة القدم”.
وأضاف “أرى أن ميسي مرتاح. لقد قال مرات عدة إنه يريد إنهاء مسيرته في برشلونة”، وهو النادي الذي لم يعرف أفضل لاعب في العالم ست مرات، غيره في مسيرته الاحترافية.
مرحلة شك
لكن هذا الكلام لم يقنع الكثير من متابعي النجم الأرجنتيني في الفترة الأخيرة والذين أقر العديد منهم بأن مصير القائد الأوحد لبرشلونة سيظل معلقا على ما سيحققه الفريق الكتالوني مع نهاية الموسم الحالي.
ويعيش برشلونة على وقع أزمة صعبة بدأت تتفاعل عموديا منذ ما قبل أزمة وقف النشاط بسبب وباء كورونا يقول متابعون للفريق الإسباني إن تأثيرها كان عميقا على استقرار الفريق وأسهمت تداعياتها في تراجع أدائه وباتت تنذر بتغييرات كبيرة متوقعة داخل قلعة “كامب نو”.
وبدأت هذه الأزمة تتدحرج مثل كرة الثلج منذ التخلي عن المدرب السابق إرنستو فالفيردي وما خلفه ذلك القرار من تداعيات على اللاعبين وعلى استقرار إدارة الفريق برمتها.
وكشفت تقارير حينها أن أغلب اللاعبين لم يكونوا راضين عن إقالة الإسباني بينهم ميسي الذي أثارت تصريحاته بعد مغادرة فالفيردي كامب نو الكثير من التعليقات.
والأكثر غرابة من إقالة المدير الفني الإسباني ربما بالنسبة إلى ميسي هو تعاقد الفريق مع مدرب لا يمتلك تجربة كبيرة ولم يسبق له الإشراف على ناد في حجم برشلونة ممثلا في كيكي سيتيين، الذي يعتبر محظوظا كون مجيئه تزامن مع تفشي فايروس كورونا ووقف نشاط الدوري الإسباني الذي غطى على كل عيوب الرجل.
برشلونة يعيش على وقع أزمة صعبة بدأت تتفاعل عموديا منذ ما قبل أزمة وقف النشاط ويبدو تأثيرها عميقا على استقرار الفريق وأسهمت تداعياتها في تراجع أدائه
ومع توقف النشاط الرياضي اندلعت أزمة كبيرة صلب إدارة النادي، لكن هذه المرة ليس بشأن الخطط التكتيكية للمدرب أو لخسارة مباراة مهمة في “الليغا” أو في دوري الأبطال، وإنما يتعلق الأمر أساسا بخفض رواتب اللاعبين في مسعى من الفريق لتجاوز الأزمة التي يمر بها العالم بعد توقّف النشاط في أغلب البطولات بسبب وباء كورونا المستجد.
وكشف ميسي قائد فريق برشلونة حينها أن رواتب اللاعبين سيتم تخفيضها بنسبة 70 في المئة، تضاف إليها نسبة اقتطاع للمساهمة في ضمان دفع رواتب الموظفين الآخرين في النادي بشكل كامل خلال فترة الأزمة التي تمرّ بها إسبانيا والعالم.
وانتقد النجم الأرجنتيني في رسالة مطوّلة نشرها على حسابه الرسمي على إنستغرام مجلس إدارة النادي برئاسة بارتوميو الذي اتهمه بعدم مراعاة مصلحة اللاعبين خلال المفاوضات الأخيرة.
وذهب محللون رياضيون إلى تفسير موقف ميسي كونه ركّز بالأساس على الطريقة التي تعامل بها رئيس النادي مع هذه الوضعية، مما يوحي بأن هناك أزمة خفية بين اللاعبين وبارتوميو أعادتها أزمة الرواتب إلى الواجهة.
وكتب ميسي “من جانبنا، حان الوقت للإعلان أننا، بالإضافة إلى تخفيض 70 في المئة من راتبنا خلال حال الطوارئ، سوف نقدّم مساهمات حتى يتمكن موظفو النادي من تحصيل 100 في المئة من رواتبهم طالما استمر هذا الوضع”.
وأضاف “نريد أن نوضح أن رغبتنا كانت دائما في تطبيق تخفيض الرواتب، لأننا نفهم تماما أن هذا وضع استثنائي ونحن أول من ساعد النادي دائما عندما طُلب منا ذلك”، متابعا “لقد قمنا بذلك في الكثير من الأحيان بمبادرة منا عندما رأينا أن ذلك ضروري أو مهم”.
ولفت قائد الفريق الكتالوني إلى أن هناك “من داخل النادي من حاول وضعنا تحت المجهر والضغط علينا للقيام بأمر كنا نعرف دائما أننا سنفعله”.
وسرعان ما نشر مختلف زملاء ميسي الرسالة على حساباتهم الخاصة، بمن فيهم جيرارد بيكيه وسيرجيو بوسكيتس وجوردي ألبا والأوروغوياني لويس سواريز والفرنسي أنطوان غريزمان والهولندي فرنكي دي يونغ والتشيلي أرتورو فيدال والحارس الألماني مارك أندريه تير شتيغن. وكان التوتر قد ضرب لأشهر العلاقة بين لاعبي برشلونة ومجلس الإدارة، حيث وجّه ميسي انتقادات علنية للمدير الرياضي الفرنسي إريك أبيدال في فبراير الماضي بعدما أدلى الأخير بتصريحات انتقد فيها اللاعبين.
ومن المهم البناء على سلسلة هذه الأحداث لكشف ما يدور بخلد النجم الأرجنتيني من آراء وأفكار حول مستقبله الذي بات موضع شك بعد بروز تقارير تفيد بقرب رحيل البرغوث عن البارسا، خصوصا أن الأخير بيده جميع أوراق الضغط التي يمكنه تفعيلها لمغادرة الفريق.
أوراق ضغط
يملك ميسي في عقده مع برشلونة الذي ينتهي في صيف 2021 بندا يتيح له الرحيل مع نهاية الموسم، وهو ما لم يقم بتفعيله لكن المفاوضات حول التجديد تجمّدت.
ويلفت محللون رياضيون ومتابعون للدوري الإسباني إلى أن النجم الأرجنتيني ربما يلعب بورقة التجديد للضغط على رئيس النادي الحالي والرئيس الذي سيخلفه لبناء مشروع قوي يساعده على حصد الألقاب مع ختام مسيرته.
وسيكون بارتوميو، الذي أكد عدم ترشحه للانتخابات المقبلة، مطالبا بالتفكير أكثر في مصلحة الفريق في عامه الأخير، بعد الأزمات المالية التي ضربت النادي وتسببت في رحيل لاعب مثل آرثر ميلو الذي كان يراه ميسي خليفة تشافي.
وكشف رئيس برشلونة الذي سيرحل عن منصبه في الانتخابات الرئاسية المقررة عام 2021، أنه يرى ميسي “معتزلا في صفوف برشلونة بإشراف رئيس جديد، لأنه سيجدد عقده لفترة إضافية”.
وقال إنه تحدث إلى ليونيل “أتحدث إلى اللاعبين بشكل دائم. ليس فقط مع ليو، لكن أيضا مع المجموعة لاسيما مع القادة. بالإضافة إلى ذلك، ثمة العديد من الأمور التي يتعين علينا التحدث عنها في الآونة الأخيرة”.
وفتحت الأزمة التي اندلعت في أبريل الماضي داخل إدارة برشلونة وأدت إلى استقالة ستة أعضاء بينهم نائبان للرئيس الحالي وهما إنريكي تومباس وإيميلي روسود، حيث وجه الأخير اتهامات إلى الإدارة الحالية بالفساد، الباب أمام تأويلات عديدة وموجة امتعاض واسعة من الطريقة التي يدير بها بارتوميو الفريق مع اقتراب موعد رحيله.
والأكيد أن ذلك أثار الاستياء في نفس لاعب كبير مثل ميسي يقوم بأدوار هامة صلب الفريق ويحلم بأن ينهي مسيرته في نادّ عريق لم يكن يتوقع أن تطاله حملات تشويه بمعزل عن صحتها من عدمه.
ولا شك أيضا أن البند الذي يمتلكه الأرجنتيني في عقده بمثابة جرس إنذار للمرشحين لرئاسة برشلونة لوضع مشاريع قوية للفريق الكتالوني في السنوات المقبلة.
وإضافة إلى ذلك فإن عدم خروج ميسي للإعلام للكشف عن موقفه من مسألة التجديد وتوضيح رأيه بخصوص الأخبار التي تربط مصيره بالانتقال إلى أكثر من ناد، هو عنصر ضغط أيضا من الأرجنتيني على الإدارة الحالية لمراجعة حساباتها وتصحيح المسار من أجل إعادة هيبة الفريق في المواسم القادمة.
وكان اللاعب الذي احتفل مؤخرا بعيد ميلاده الـ33 قد أكد مرارا وتكرارا أنه يرغب في إتمام مسيرته الكروية بين جدران كامب نو، حيث ألغى فكرة عودته للاعتزال ضمن صفوف فريقه السابق نيولز أولد بويز الأرجنتيني.
لكن ماذا لو ساءت الأمور أكثر داخل الفريق وخرج خالي الوفاض من المسابقة المحلية التي يحل وصيفا لها بعدما كان متصدرا فور عودة النشاط، لا بل الأكثر غرابة أنه بات يفتك انتصاراته أمام فرق متواضعة وفي دقائق حرجة. وبالمثل فإن الرسم التكتيكي الذي يلعب به الفريق حاليا لا يشجع على التنبؤ بتحقيقه نتيجة إيجابية في مسابقة دوري أبطال أوروبا.
كل هذه الأسباب وغيرها مما تطفح به كواليس إدارة البلوغرانا قد تكون كفيلة بمغادرة الأرجنتيني لقلعة كامب نو، متى سمحت الفرصة لكن إلى أين؟ هذا هو السؤال الجوهري الذي ينتظر إجابات عديدة.
أمنية غوارديولا
من أكثر الأندية التي ارتبط ميسي بالانتقال لها كان مانشستر سيتي الذي يقوده مدربه السابق الإسباني بيب غوارديولا.
واعترف ميسي من قبل أنه فكر في الرحيل عن برشلونة قبل أربع سنوات بسبب أزمته مع الضرائب، حيث شعر بأنه يحظى بمعاملة سيئة ولم يرغب في البقاء لفترة أطول واستغرق وقتا طويلا للتفكير في الأمر.
وكان الدولي الأرجنتيني يحظى باهتمام شديد من مانشستر سيتي للظفر بخدماته آنذاك، لكن فور نهاية أزمته مع الضرائب تراجع ليونيل عن قرار الرحيل.
ومؤخرا بسؤال غوارديولا، أكد أن أمنيته أن يستمر ميسي ضمن صفوف برشلونة لينهي كافة الشائعات حول انتقال البرغوث للسيتي.
وتأتي أمنية غوارديولا لتوضح قيمة الولاء للنادي الكتالوني رغم حاجته للاعب في حجم ميسي للسيطرة على الألقاب.
والمدرب الإسباني ليس الوحيد الذي يرى أن أفضل مكان لميسي هو بقاؤه في برشلونة، حيث يدعمه في هذا الرأي مدرب الغريم التقليدي ريال مدريد الفرنسي زين الدين زيدان الذي علق على خبر لإذاعة محلية مفاده أن “البرغوث” يفكر في الرحيل صيف 2021، بالقول “لا أعرف ماذا سيحدث، لكننا لا نريد ذلك (رحيله). إنه اليوم في هذه الليغا، ونريد أن يكون لدينا أفضل اللاعبين في هذه الليغا”.
ويعد إنتر ميلان من أبرز الأندية المهتمة بضم ميسي والذي حاول كثيرا إقناع البرغوث بالانتقال لصفوفه.
وفقد النيراتزوري ميزته التي تتمثل في القوة المالية الكبيرة للنادي بسبب أزمة تفشي وباء كورونا والذي أثر على اقتصاد العالم أجمع.
وحتى بالتفكير في تكرار سيناريو كريستيانو رونالدو، الذي ساهم راعي يوفنتوس “فيات” في حسم الصفقة بتمويل البيانكويري، ألمح راعي قميص الإنتر، شركة “بيريللي” إلى أنه لن يشارك في مثل هذه الصفقات.
وأكد الرئيس التنفيذي للشركة ماركو بروفيرا أنه في ظل الظروف الصعبة الحالية لا يمكن للشركة الاستثمار في الرياضة بشكل أكبر.
وبخلاف إنتر ميلان، لن يقدر أي فريق كبير في أوروبا على دفع المبلغ الذي سيطلبه برشلونة لرحيل ميسي على الأقل هذا الصيف.
ويبقى رحيل ميسي على قلعة كامب نو بمثابة حلم إن تحقق سيكون كابوسا مفجعا للكثيرين ولإدارة النادي الكتالوني أولا، أما عن وجهته ورؤيته بقميص آخر خلافا لقميص برشلونة فهذا شيء لا يدرك كنهه سوى النجم الأرجنتيني ورواية لا يحكي تفاصيلها سوى “البرغوث” نفسه.