غير مصنفمحليات

تقرير خطير لمجموعة الأزمات الدولية: منع وقوع مواجهة مهلكة شمال اليمن وهذا ما سيحدث إذا سيطر الحوثي على مأرب؟

 


مجموعة الأزمات الدولية في إحاطتها الجديدة عن الحرب في اليمن:


معركة السيطرة على مأرب من شأنها أن تؤدي إلى تحويل ميزان الحرب الدائرة للسيطرة على الشمال بشكل حاسم لصالح الحوثيين، وإطلاق جولات جديدة من القتال على الحدود مع السعودية وفي الجنوب


إذا سيطر الحوثيون على منشآت إنتاج النفط والغاز، فإنهم سيتمكنون من قطع شريان الحياة الاقتصادي لمأرب والطريق الرئيسي المتجه إلى سيئون


انتصار الحوثيين في مأرب سيوفر لهم موارد حيوية، وسيوقف الحرب مع الحكومة، بدرجة كبيرة، من أجل السيطرة على الشمال- على الأقل في الوقت الراهن


من المتوقع أن تتغير الخريطة السياسية لليمن بشكل جذري إذا سيطر الحوثيون على مأرب


إذا خسرت الحكومة مأرب فإنها ستخسر جزءاً كبيراً من مصداقيتها كنظير للحوثيين في مفاوضات السلام


الحوثيون يقولون إن قادتهم العسكريين يعتقدون أنهم يستطيعون السيطرة على مأرب، إلا أن فعل ذلك قد يتطلب معركة دموية


لتحاشي مثل تلك المعركة، عرض الحوثيون صفقة على السلطات المحلية، يقومون بموجبها بوقف تقدمهم مقابل الحصول على بعض النفط، والغاز، والكهرباء، من مأرب، وبعض الإشراف الإداري في المحافظة


يمكن لمعركة السيطرة على مأرب أن تتسع لتشمل أجزاء أخرى من البلاد، كما يمكن أن توسع حرب الحوثيين الحدودية مع السعودية


يشعر بعض اليمنيين بالقلق من أن السعوديين قد يرضخون لضغوط الحوثيين ويوافقون على تسوية تحمي حدودهم دون أن تحمي حلفاءهم اليمنيين


ثمة ما يدعو للشك بأن الحوثيين سيقبلون بوقف القتال إذا كانوا مقتنعين بأن باستطاعتهم توجيه ضربة قاضية للحكومة، على الأقل في غياب حوافز ذات معنى


التجارب الأخيرة أظهرت أن الحوثيين والسعوديين لا يستطيعون إنهاء الحرب وحدهم، كما كانوا يأملون نهاية العام 2019


إذا لم يتم تأسيس عملية سياسية شاملة قريباً، فإن بعض حلفاء الحكومة على الأرض قد لا يجدون خياراً سوى التوصل إلى اتفاقات مع الحوثيين، مع الحكومة أو بدونها


من المرجح أن يستمر القتال مع سعي الحوثيين إلى تعزيز سيطرتهم على الشمال، بينما تقوم القوات المعادية لهم، التي توصلت إلى صفقات معهم، باقتسام ما تبقى من البلاد، وبحيث تصبح الحكومة لاعباً هامشياً على نحو متزايد


أصبح اليمن أكثر فقراً وانقساماً، والتوصل إلى حل سياسي سيتطلب عملاً طويلاً وشاقاً، وسيترك معظم الأطراف على المستويين الوطني والإقليمي غير راضين


إحاطة حول الشّرق الأوسط رقم 74


 


 


ما الجديد؟ تلوح نذر مواجهة في محافظة مأرب اليمنية، بين الحوثيين، الذين يسيطرون على الجزء الأكبر من شمال غرب اليمن، والقوات المتحالفة مع الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً.


ما أهمية ذلك؟ من شأن معركة شاملة للسيطرة على مأرب أن تؤدي إلى كارثة إنسانية هائلة، حيث تستضيف المحافظة ما لا يقل عن 800,000 يمني هُجِّروا سابقاً من منازلهم في مناطق أخرى. كما أن من شأنها، أيضاً، أن تقوض فرصاً تتضاءل أصلاً لخفض للتصعيد على مستوى البلاد يمكن أن يفضي بدوره إلى محادثات لإنهاء الحرب.


ما الذي ينبغي فعله؟ ينبغي على القوى الخارجية أن تشكّل، على نحو عاجل، مجموعة اتصالات دولية، تحت رعاية الأمم المتحدة، للضغط من أجل التوصل إلى وقف شامل لإطلاق النار، وإجراء مفاوضات شاملة لوقف الحرب. كما ينبغي على الحوثيين والحكومة اليمنية التخلي عن مطالب الحد الأقصى التي يطرحونها، وينبغي على السعودية العمل مع الولايات المتحدة، والأمم المتحدة، والأطراف الأخرى، لوقف الأعمال القتالية.


 


لمحة عامة


يتحرك الحوثيون (الذين يطلقون على أنفسهم اسم أنصار لله) باتجاه مأرب، المعقل الأخير للحكومة اليمنية المعترف بها دولياً في شمال البلاد. إن معركة للسيطرة على مدينة مأرب، والمحافظة التي تحمل الاسم نفسه، من شأنها أن تؤدي إلى نزوح جماعي للمدنيين، وتحويل ميزان الحرب الدائرة للسيطرة على الشمال بشكل حاسم لصالح الحوثيين، وإطلاق جولات جديدة من القتال على الحدود مع السعودية وفي الجنوب. عندما بدأت المعارك، في كانون الثاني/ يناير، دعت مجموعة الأزمات إلى مبادرة دولية منسقة تدفع نحو خفض التصعيد على مستوى البلاد، وإجراء محادثات شاملة تقودها الأمم المتحدة، وحذرت من أنه دون فعل ذلك فإن الأطراف المتحاربة ستضيع الفرصة المتاحة لإنهاء الحرب عبر تسوية تفاوضية. لم يتم إطلاق أي مبادرة من ذلك النوع. الآن، بات الوضع مُلحّاً أكثر، وقد يكون هناك فصل جديد من الصراع قيد التشكل. قبل أن تصبح التسوية السياسية أكثر صعوبة، ينبغي على القوى الخارجية أن تشكل مجموعة اتصال دولية، برئاسة الأمم المتحدة، تتخذ من الرياض مقراً لها، لتنسيق الجهود الرامية لوقف القتال، ودفع الأطراف إلى طاولة المفاوضات.


 


مأرب.. المحافظة المعرضة للخطر


 


منذ كانون الثاني/ يناير، سيطر الحوثيون على قواعد عسكرية استراتيجية تابعة للحكومة شمال شرق صنعاء، العاصمة التي يسيطر عليها المتمردون، وعلى مساحات من الأراضي في محافظة الجوف، الواقعة على الحدود مع السعودية، بما في ذلك العاصمة المحلية، الحزم. قطع القتال توقفاً للأعمال القتالية دام أربع سنوات على خطوط الجبهة الشمالية تمت المحافظة عليه جزئياً بفضل اتفاقات عدم اعتداء تم التفاوض عليها محلياً بين الحوثيين وخصومهم المحليين.


يتقدم المقاتلون الحوثيون شرقاً، وعلى جبهات متعددة، باتجاه مأرب، التي كانت ذات يوم مدينة هادئة، لكن أصبحت الآن مركزاً اقتصادياً وأحد المعاقل النادرة الواقعة تحت سيطرة الحكومة. إذا سيطر الحوثيون على منشآت إنتاج النفط والغاز شرق مأرب، فإنهم سيتمكنون من قطع شريان الحياة الاقتصادي الرئيسي للمدينة، والطريق الرئيسي المتجه شرقاً إلى سيئون في حضرموت المجاورة. إن انتصار الحوثيين في محافظة مأرب سيوفر لهم الوصول إلى موارد حيوية بعد سنوات من القيود التي فرضتها الحرب على التجارة في مناطقهم، وسيؤدي إلى وقف الحرب مع الحكومة بدرجة كبيرة من أجل السيطرة على الشمال – على الأقل في الوقت الراهن، بالإضافة إلى منع حدوث هجوم معاكس بدعم من التحالف. المسؤولون الحوثيون يقولون إن قادتهم العسكريين يعتقدون أنهم يستطيعون السيطرة على مأرب([1]). إلا أن فعل ذلك قد يتطلب معركة دموية. ولتحاشي مثل تلك المعركة، عرض الحوثيون صفقة على السلطات المحلية يقومون، بموجبها، بوقف تقدمهم مقابل الحصول على بعض النفط، والغاز، والكهرباء من مأرب، وبعض الإشراف الإداري في المحافظة([2]). لكن بالنسبة للحكومة والمجموعات القبلية المتحالفة معها في مأرب، فإن المعركة شبه وجودية؛ حيث يقولون إنهم يحضّرون دفاعات قوية، إضافة إلى تحضيرهم لهجوم معاكس لاستعادة السيطرة على الحزم والمناطق الأخرى التي خسروها([3]).


إن نشوب معركة للسيطرة على مأرب، المدينة والمحافظة على حد سواء، سيعمق ما هو أصلاً أكبر حالة طوارئ إنسانية في العالم. لقد تضخم عدد سكان المحافظة من 300,000 نسمة قبل الحرب إلى ثلاثة ملايين نسمة اليوم، طبقاً للسلطات المحلية. وتقدر المنظمة الدولية للهجرة أن نحو 800,000 نازح انتقلوا إلى مأرب منذ بداية الحرب، وأن 4,800 أسرة أخرى هربت من القتال في الجوف ووصلت إلى المحافظة منذ كانون الثاني/ يناير([4]). وإذا أدى القتال حول المنشآت النفطية إلى قطع إمدادات الطاقة والطريق السريع المتجه شرقاً، فإنه لن يترك سوى طريق واحد معبّد متجه جنوباً كممر للنجاة. وسيترتب على أولئك الذين يستخدمون هذا الطريق الصعب أن يسافروا عبر محافظة شبوة، حيث لن يكون الحوثيون بعيدين عنهم من خلفهم. ليس للمنظمات الإنسانية سوى وجود رمزي في شبوة، والمنظمات التي تقدم المساعدات ليست مستعدة للتعامل مع مليون أو أكثر من مليون نسمة من النازحين الذين سيتحركون في الوقت نفسه.


يعتقد بعض مسؤولي المساعدات أن معاناة سكان مأرب ستكون أكبر من معاناة سكان الحديدة الواقعة على البحر الأحمر في العام 2018، لو أن معركة نشبت هناك، بالنظر إلى العدد الأكبر من الناس في مأرب، وعدم قدرة كثيرين منهم على تغطية نفقات السفر([5]). في حالة الحديدة، أدت المفاوضات السياسية التي دفعت إليها المخاوف من حدوث كارثة إنسانية إلى اتفاق بوساطة من الأمم المتحدة بين الحكومة اليمنية والحوثيين منعت نشوب معركة للسيطرة على المدينة وموانئها([6]). لكن لا يبدو أن هناك مساعدة خارجية تذكر بشأن مأرب. الوضع ليس متشابهاً تماماً، بالنظر إلى أن معركة للسيطرة على الحديدة كانت ستؤدي إلى قطع الغذاء والإمدادات الأساسية الأخرى عن ثلثي السكان؛ فمأرب مركز تجاري أقل أهمية بشكل عام، لكن من المفهوم أن تكون الحكومة والسكان المحليون مستائين مما يعتقدون أنه عدم اكتراث دولي لمحنة السكان، حتى بعد أن زار المبعوث الخاص للأمم المتحدة، مارتن غريفيث، المدينة وحذر من التداعيات الخطيرة في حال اندلاع معركة هناك([7]).


 


الرهانات بالنسبة لليمن كلّه


 


يمكن لمعركة السيطرة على مأرب أن تتسع لتشمل أجزاء أخرى من البلاد. كما يمكن أن توسع حرب الحوثيين الحدودية مع السعودية إلى المناطق الصحراوية شمال الجوف، على شكل ضربات بالصواريخ والطائرات المسيّرة على أهداف تقع داخل المملكة، و/أو من خلال معارك برية مع القوات اليمنية المنافسة لهم ومع القوات السعودية. في الجنوب، المجلس الانتقالي الجنوبي الانفصالي منخرط أصلاً في قتال شرس مع الحوثيين في محافظتي الضالع ولحج، حيث تكثفت الاشتباكات منذ كانون الثاني/يناير. وقد ذكرت الحكومة والمجلس الانتقالي الجنوبي وجود حشد للقوات الحوثية قرب خطوط الجبهة في محافظتي شبوة وأبين الجنوبيتين أيضاً([8]). المجلس الانتقالي الجنوبي يحضّر لانهيار المواقع الحكومية، بل حتى لتكرار محاولة الحوثيين، في العام 2015، للسيطرة على مدينة عدن الساحلية الجنوبية([9]). علاوة على ذلك، فإن الحكومة والحوثيين، على حد سواء، يمكن أن يسعوا لإعادة إشعال فتيل المعارك للسيطرة على الحديدة وعلى طول الحدود السعودية- اليمنية على أمل تعزيز مواقعهم.


ما هو على المحك في مأرب يتمثل في الفرصة التي أتيحت، في أواخر العام 2019، لإنهاء الصراع المدمر في اليمن من خلال تسوية تفاوضية. في تشرين الثاني/نوفمبر وكانون الأول/ديسمبر 2019، حقق مسار ثنائي لخفض التصعيد بين الحوثيين والسعودية الهدوء على الجبهات التي كانت نشطة على طول الحدود اليمنية- السعودية، وطرح إمكانية توصل الطرفين إلى اتفاق، خصوصاً لتأمين الحدود، ومعالجة الهواجس السعودية المتعلقة بالدعم الإيراني للحوثيين. وفي الوقت نفسه، منع اتفاق الرياض، الذي توسطت السعودية في التوصل إليه في تشرين الثاني/نوفمبر 2019، حدوث حرب أهلية داخل حرب أهلية في الجنوب، وأنعش الآمال بتشكيل حكومة يمنية أكثر تمثيلاً من أجل المشاركة في مفاوضات السلام المستقبلية. وبحلول نهاية العام 2019، بدت آفاق جمع المسارات التفاوضية الثلاثة المتمثلة في المحادثات الحوثية – السعودية، واتفاق الرياض، واتفاق ستوكهولم لعام 2018 (الذي منع نشوب المعركة للسيطرة على الحديدة)، في محاولة واحدة تقودها الأمم المتحدة لإنهاء الحرب الأهلية، بدت واعدة إلى حد ما.


اليوم، وخصوصاً مع تجدد القتال على خطوط الجبهة الشمالية التي كانت هادئة سابقاً، فإن جميع المسارات المذكورة أعلاه باتت في خطر. ومع اشتداد حدة المعارك في الشمال، واستئناف الهجمات عبر الحدود، ترنحت المحادثات الحوثية – السعودية. كما أن اتفاق ستوكهولم أيضاً معلق بخيط رفيع، مع ازدياد حدة العنف على ساحل البحر الأحمر، واستمرار تأجيل تبادل السجناء الذي طال انتظاره بسبب المماحكات بين الحوثيين والحكومة والرياض، رغم التقدم الذي حصل، مؤخراً، في المفاوضات في عَمَّان([10]). أخيراً، فإن عملية الحشد العسكري التي يقوم بها المجلس الانتقالي الجنوبي، والتوترات بين الانفصاليين والقوات السعودية في عدن، تفرض على اتفاق الرياض ضغوطاً كبيرة.


من المتوقع أن تتغير الخريطة السياسية لليمن بشكل جذري. فإذا خسرت الحكومة مأرب، فإنها ستخسر جزءاً كبيراً من مصداقيتها كنظير للحوثيين في مفاوضات السلام. ويخشى كثيرون على الجانب الحكومي أن يسعى الحوثيون لتحقيق سلام المنتصر، بحيث يصبحون حتى أقل استعداداً للقبول ببعض التسويات العسكرية/ الأمنية، وتسويات تقاسم السلطة التي يسعى إليها العديد من خصومهم([11]). الحكومة، ورغم موقفها الذي سيصبح أضعف، ستعارض مطالب الحوثيين القصوى، وقد تفضل عدم التوصل إلى حل على التوصل إلى حل يكون الحوثيون بموجبه الطرف المهيمن. وستعاني المفاوضات السعودية – الحوثية، أيضاً؛ فمن المرجح أن تكون الرياض قد أمِلت بالتوسط في اتفاق يسمح لها بإعلان النجاح في اليمن والتفاوض على تسوية تحمي حدودها الجنوبية. إذا تمكن الحوثيون من تعزيز سيطرتهم على الجوف، بما في ذلك على حدودها الطويلة مع السعودية، فإن قادتهم في صنعاء قد يشعرون بأنهم هم الذين ينبغي أن يفرضوا الشروط على السعوديين. ويخشى كثير من اليمنيين الآن حدوث سيناريو يستمر فيه الحوثيون بتوسيع سيطرتهم على أجزاء كبيرة من اليمن، مع خسارة الحكومة ما تبقى من سيطرتها، وتلاشي فرص التوصل إلى عملية سياسية شاملة([12]).


كجزء من هذا السيناريو، يشعر بعض اليمنيين بالقلق من أن السعوديين قد يرضخون لضغوط الحوثيين ويوافقون على تسوية تحمي حدودهم دون أن تحمي حلفاءهم اليمنيين، وترك اليمنيين المعادين للحوثيين ليدافعوا عن أنفسهم([13]). وهناك سيناريو ممكن آخر يتمثل في محاولة منسقة يقوم بها التحالف لصد الحوثيين، من خلال تصعيد القصف والحشد على جبهات متعددة، بحيث تشمل إعادة فتح جبهة الحديدة، حيث يعتقد أن الحوثيين في وضع عسكري ضعيف.


 


ما ينبغي أن يحدث


 


ينبغي وقف القتال، وهو أمر يتطلب مشاركة دولية ووساطة مباشرة. ثمة ما يدعو للشك بأن الحوثيين سيقبلون بوقف القتال إذا كانوا مقتنعين بأن باستطاعتهم توجيه ضربة قاضية للحكومة، على الأقل في غياب حوافز ذات معنى. عرضهم لوقف القتال مقابل مزايا اقتصادية بشكل رئيسي، يشير إلى أنه بالنسبة إليهم فإن كسر الحصار المالي على مناطقهم يحظى بالأهمية القصوى. الحكومة لم ترد، ما يوضح أنها ترى في المقترح انتهاكاً لسيادتها([14]).


لقد أشار الحوثيون إلى أنه إذا رفضت السلطات المحلية عرضهم، فإن الحل الوحيد سيكون التوصل إلى اتفاق لخفض التصعيد على مستوى البلاد، حيث جادلوا بأن الاتفاقات التي تركز على مناطق معينة، مثل اتفاق الحديدة، غير قابلة للاستدامة على أي حال([15]). كجزء من عملية كهذه، سيرغبون بالحصول على مزايا اقتصادية ملموسة – مثل المرور الحر للسفن إلى الحديدة، وإعادة فتح مطار صنعاء والتوصل إلى آلية وطنية موحدة لتحصيل العائدات ودفع الرواتب([16]). من شأن هذا الاتفاق ليس تخفيف المصاعب الاقتصادية عن الحوثيين وحسب، بل تجنيبهم أيضاً معركة طويلة للسيطرة على مناطق تعرف منذ وقت طويل بعدائها للحوثيين وكذلك حكم صنعاء.


إن وقف معركة للسيطرة على مأرب يعد أولوية، إلا أن التجارب الأخيرة أظهرت محدودية المقاربة المجزأة لإنهاء الحرب. كما أظهرت أن الحوثيين والسعوديين لا يستطيعون إنهاء الحرب وحدهم، كما كانوا يأملون ربما في نهاية العام 2019. الأفضل بكثير أن يكون هناك وقف للأعمال القتالية في سائر أنحاء البلاد بجهود وسيط فعال، أي الأمم المتحدة، وبدعم من الأطراف الدولية المعنية باليمن، تتبعه محادثات شاملة بين جميع الأطراف اليمنية الرئيسية سعياً للتوصل إلى اتفاق سياسي واقعي. نظرياً، سيرحب الحوثيون والحكومة بمقاربة شاملة. لكن الطرفين كانا قد عبرا بشكل متكرر عن استيائهما من الاتفاقات المناطقية المحددة التي تخفض حدة العنف في منطقة مثل عدن أو الحديدة، بينما تسمح له بالاشتعال في مناطق أخرى، لصالح أحد الطرفين، بينما لا تحدث أثراً كبيراً على حل المأزق السياسي الذي يستمر في تأجيج الصراع أو تحقيق الاستقرار في اقتصاد تزداد أزمته عمقاً([17]).


إن مقاربة شاملة تسعى لتحقيق المصالح الرئيسية لجميع الأطراف ستحتاج إلى دعم عدة مجموعات. أولاً، لقد جادلت مجموعة الأزمات في الماضي، بضرورة تأسيس مجموعة اتصال تشمل، في الحد الأدنى، ممثلين عن الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن، والسعودية، والإمارات العربية المتحدة، والكويت، وعُمان، والاتحاد الأوروبي، بتفويض لدعم جهود مبعوث الأمم المتحدة لإعادة إحياء عملية السلام. ثانياً، وكما أوصت مجموعة الأزمات، في السابق أيضاً، ينبغي على الأمم المتحدة المساعدة تشكيل هيئة عسكرية وطنية يمنية تتكون ليس من ممثلين عن الحكومة والحوثيين وحسب، بل من جملة واسعة من الأطراف اليمنية المتحاربة، بما في ذلك المجلس الانتقالي الجنوبي، والقوات التي تقاتل تحت قيادة طارق صالح (ابن شقيق الرئيس السابق علي عبد لله صالح) على ساحل البحر الأحمر وأطراف أخرى. ويمكن تفويض هذه الهيئة، بدعم وثيق من مجموعة الاتصالات الدولية، بالتفاوض على خفض للتصعيد على مستوى البلاد والإشراف عليه([18]). وفي الظروف الراهنة، يمكن لهاتين الهيئتين أن تلعبا دوراً محورياً في التفاوض لوقف القتال في مأرب كجزء من جهد أوسع لخفض التصعيد والدفع نحو مفاوضات وطنية.


في غياب دعم دولي منسق، وخصوصاً في غياب دور أميركي أكبر في التوسط للتوصل إلى اتفاق يشمل خفض التصعيد على مستوى البلاد وتقديم مزايا اقتصادية، لا يبدو وقف القتال مرجحاً. كما لا تبدو محادثات السلام مرجحة. في العام 2018، تمكن مبعوث الأمم المتحدة من التوصل إلى اتفاق بين الحوثيين والحكومة بفضل تدخل دبلوماسي أميركي مباشر لدى القيادة السعودية([19]). لكن منذ تشرين الأول/أكتوبر 2019، يبدو أن الولايات المتحدة بشكل خاص علقت آمالها في إنهاء الحرب على قدرة السعوديين على إدارة محادثاتهم مع الحوثيين، وتنفيذ اتفاق الرياض. قبل أن تخرج هذه المحادثات عن سكّتها بشكل كامل، ينبغي على واشنطن والأطراف الأخرى المهتمة بوقف الحرب أن تجدد دعمها للعملية التي تقودها الأمم المتحدة.


دور واشنطن محوري لأنها في الموقع الأفضل لتشجيع الرياض، وخصوصاً ولي العهد الأمير محمد بن سلمان وشقيقه خالد، نائب وزير الدفاع، الذي يمسك بالملف اليمني، على الانخراط البنّاء مع جميع الأطراف اليمنية، وحثها على التوصل إلى اتفاق. بموازاة ذلك، وكجزء من مجموعة اتصال دولية جديدة، يمكن للولايات المتحدة أن توضح للحوثيين الظروف التي تكون في ظلها مستعدة للضغط على السعوديين لإنهاء الحرب، وأيضاً للقبول بالحوثيين كمحاورين شرعيين. ينبغي على الولايات المتحدة أن تكون واقعية في هذه المحاولة. واشنطن والرياض تريدان من الحوثيين قطع علاقاتهم بطهران، لكن سيترتب عليهما، على الأرجح، القبول بفك ارتباط تدريجي وجزئي بدلاً من قطع كامل للعلاقات.


الحوثيون، ورغم أنهم يشعرون بالارتياح على نحو متزايد لوضعهم العسكري في اليمن، فإنهم محاصرون ومعزولون اقتصادياً. وهم يرغبون بأن يستريحوا من الحرب، وبالحصول على إغاثة اقتصادية، واعتراف دولي، وعلى حصة كبيرة من السلطة لحركتهم وللسلطات المتحالفة معهم بحكم الأمر الواقع في صنعاء. يمكن للولايات المتحدة، من خلال الدبلوماسية المباشرة، وقيادة مقاربة دولية منسقة عبر مجموعة اتصال، أن تساعد السعوديين في وضع شروط تطبيع علاقاتهم مع الحوثيين كجزء من اتفاق أوسع لتقاسم السلطة بين جميع الأطراف اليمنية، الاتفاق الذي سيكون بحاجة لدعم اقتصادي خارجي كبير. كما يمكن لواشنطن والرياض أن تقدما للحكومة ولليمنيين المعادين للحوثيين تطمينات بأنهما لا تصادقان على استيلاء الحوثيين على البلاد كحل سريع لإنهاء الحرب، وأن تعدا بإخضاع الحوثيين (والأطراف الأخرى أيضاً) للمساءلة عن الالتزام بشروط اتفاق السلام الذي سيتم التوقيع عليه.


كي تنجح هذه المقاربة، سيترتب على الأطراف اليمنية المختلفة في الصراع القبول بالحاجة لتقديم التنازلات لإنهاء الحرب. يقول الحوثيون إنهم يؤمنون بيمن مستقبلي يُحكم بشكل منصف من خلال تقاسم السلطة. الآن، حيث يبدو أنهم يمتلكون اليد العليا عسكرياً في الصراع، حتى في المناطق الواقعة خارج قاعدتهم في المرتفعات الشمالية، ينبغي أن يظهروا للمجموعات اليمنية الأخرى، بما في ذلك الحكومة، لكن دون أن يقتصر عليها، أنهم قادرون على القبول بالآخرين ومستعدون لتقديم التنازلات من موقع القوة. هذا وإلا فإن المعارضة لحكمهم ستتسع وتزداد، خصوصاً في المناطق التي سيطروا عليها بقوة السلاح. كما ينبغي على الحكومة أيضاً أن تبتعد عن المواقف القصوى، بما في ذلك المطالبة بتخلي الحوثيين بشكل أساسي عن السيطرة على كل اليمن للرئيس المعترف به دولياً، عبد ربه منصور هادي. هذا الموقف، الذي تمسكت به حكومة هادي منذ خروجها من صنعاء في مطلع العام 2015، بات بعيداً على نحو متزايد عن الواقع.


إذا لم يتم تأسيس عملية سياسية شاملة قريباً، فإن بعض حلفاء الحكومة على الأرض قد لا يجدون خياراً سوى التوصل إلى اتفاقات مع الحوثيين، مع الحكومة أو بدونها. وقد تلجأ مجموعات منافسة معادية للحوثيين، مثل المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي سعت الحكومة لإقصائه عن المحادثات التي قادتها الأمم المتحدة في الماضي، قد تلجأ إلى مثل هذا المسار. لكن حتى إذا فعلت، من المرجح أن يستمر القتال مع سعي الحوثيين إلى تعزيز سيطرتهم على الشمال، بينما تقوم القوات المعادية لهم التي توصلت إلى صفقات معهم إلى اقتسام ما تبقى من البلاد بين بعضها بعضاً، وبحيث تصبح الحكومة لاعباً هامشياً على نحو متزايد.


خلال خمس سنوات من الحرب، أصبح اليمن أكثر فقراً وانقساماً. إن التوصل إلى حل سياسي سيتطلب عملاً طويلاً وشاقاً، وسيترك معظم الأطراف على المستويين الوطني والإقليمي غير راضين. لكن هذا أفضل من البديل المتمثل في سنوات أخرى من القتال، والتشظي السياسي والمناطقي، إضافة إلى حرمان إنساني أعمق من أي وقت مضى. إن فرصة وقف القتال التي انفتحت في أواخر العام 2019 تتلاشى بسرعة؛ ولا ينبغي السماح باختفائها نهائياً.


 


مأرب/ نيويورك/ بروكسل، 17 آذار/مارس 2020.


 


 


الهوامش


 


مقابلة أجرتها مجموعة الأزمات مع ممثلين عن الحوثيين، 10 آذار/مارس 2020، ومع مسؤول حكومي يمني يتخذ من مأرب مقراً له، 8 آذار/ مارس 2020؛ ومراجعة أجرتها مجموعة الأزمات لرسالة صوتية تفصِّل العرض المقدم من قبل الحوثيين للتوصل لاتفاق، 3 آذار/مارس 2020.


2-   المرجع السابق.


 مقابلات أجرتها مجموعة الأزمات مع أحد الشيوخ الموالين للحكومة من محافظة صنعاء، 5 آذار/ مارس 2020، ومع مسؤول عسكري حكومي يمني رفيع، 6 آذار/ مارس 2020؛ ومع زعماء قبليين محليين، 5 آذار/ مارس2020.


 مقابلة أجرتها مجموعة الأزمات مع مسؤول رفيع في السلطة المحلية في مأرب، 2 كانون الثاني/ يناير 2020؛ “Displacement in Marib”, International “Organisation of Migration, 5 March 2020.


 مقابلات أجرتها مجموعة الأزمات مع ثلاثة مسؤولين يعملون في مجال المساعدات، 8 و 11 آذار/ مارس 2020.


 تقرير مجموعة الأزمات حول الشرق الأوسط رقم 203، إنقاذ اتفاق ستوكهولم وتحاشي حريق إقليمي في اليمن، 18 تموز/ يوليو 2019.


 مقابلة أجرتها مجموعة الأزمات مع مسؤول رفيع في المجلس الانتقالي الجنوبي، 6 آذار/مارس 2020؛ ومع مسؤول حكومي رفيع، 8 آذار/مارس 2020.


 مقابلة أجرتها مجموعة الأزمات مع مسؤول رفيع في المجلس الانتقالي الجنوبي، 6 آذار/مارس 2020؛ ومع مسؤول حكومي رفيع، 8 آذار/مارس 2020.


9-   مقابلة أجرتها مجموعة الأزمات مع صحفي مؤيد للمجلس الانتقالي الجنوبي، آذار/مارس 2020.


مقابلات أجرتها مجموعة الأزمات مع مفاوض حكومي رفيع، ومسؤول حوثي، 8 آذار/مارس 2020 . وقد اتفق الطرفان على تفاصيل تبادل الأسرى على عدة مراحل لكنهم أجّلوا التبادل بشكل متكرر.


لقد قبل الحوثيون حتى الآن بالحاجة إلى تقاسم السلطة وإلى الترتيبات العسكرية/ الأمنية في أي تسوية سياسية، رغم أن قبولهم لا يصل إلى الحد الذي تطالب به الحكومة.


مقابلات أجرتها مجموعة الأزمات مع العديد من النشطاء المعادين للحوثيين، ومع مسؤولين حكوميين ومقاتلين، 5- 10 آذار/مارس 2020 – محليين.


المرجع السابق.


مقابلات أجرتها مجموعة الأزمات مع مسؤولين حكوميين يمنيين، 11 و 13 آذار/مارس 2020.


مقابلات أجرتها مجموعة الأزمات مع ممثلين عن الحوثيين، 13 و 14 آذار/مارس 2020.


مقابلة أجرتها مجموعة الأزمات مع ممثل عن الحوثيين، 13 آذار/مارس 2020.


مقابلات أجرتها مجموعة الأزمات مع مسؤولين حوثيين، 8 تشرين الثاني/نوفمبر 2019 و 20 كانون الثاني/نوفمبر 2020؛ ومع مسؤول حكومي، 8 آذار/مارس 2020.


انظر تحذير مجموعة الأزمات من مخاطر الصراع، “كسر حلقة صراع متجدد في اليمن”، 24 كانون الثاني/يناير 2020.


تقرير مجموعة الأزمات، إنقاذ اتفاق ستوكهولم وتحاشي حريق إقليمي في اليمن، مرجع سابق.


 


 

زر الذهاب إلى الأعلى