- هكذا عبثَ الأطباء بحياة جرحى تعز: بتروا أرجل وأيدي العشرات رغم أنه كان بالإمكان معالجتهم دون البتر
- قصص بعض ضحايا الألغام والقناصة والعبوات الناسفة الحوثية في تعز
- أصيب كثير من مقاتلي الجيش والمقاومة بالألغام الحوثية، وكان الأطباء يقطعون أطراف الجرحى، بدلاً عن علاجها!
- الأطباء بتروا أطراف المصابين بالألغام، تحت مبرر عدم توفر الأطباء والعلاجات اللازمة!
- ذهبت “دليلة قاسم” لرعي الغنم، فانفجر بها لغم حوثي قضى على رجلها اليمنى، فيما أصاب الأخرى بجروح
- بقت “دليلة” أسبوعاً وهي فاقدة للوعي في مستشفى البريهي، وعندما أفاقت وجدت أن الأطباء قطعوا ساقيها
- الجريح رامز الشارحي:
- أُصِبتُ بطلقة قناص حوثي في ساقي اليمنى، وفي مستشفى البريهي، وجدت نفسي بين أطباء جزارين
- قرروا بتر ساقي؛ لكنني رفضت ذلك، ثم سافرت إلى الخارج وتعالجت دون أي عملية بتر
- مصادر: حصلت المستشفيات الخاصة على أموال كثيرة، رغم أن مهمتها كانت البتر لا التطبيب والعلاج!
- جندي شارك في القتال ضد مليشيا الحوثي: كان يتم الزج بنا في المعارك دون استعداد كافي، أو اهتمام بحياتنا
مؤلم أن تعيش برِجل واحدة، والرجل الأخرى صناعية. الأكثر إيلاماً هو أن تعيش بساقين/ رجلين صناعيتين. لكن المأساة هي أن تعيش دون ساقين، ولا تستطيع حتى استبدالهما بساقين صناعيتين.
عدد غير قليل من الذين قاتلوا مليشيا الحوثي دفاعاً عن تعز، فقدوا أطرافهم؛ بسبب الألغام والعبوات الناسفة الحوثية. مئات المدنيين فقدوا أطرافهم، أيضاً، بسبب الألغام الحوثية.
أغلب الجرحى لم يجدوا “دولة” تقف معهم، وحتى اليوم لا يزالون يعيشون المأساة؛ دون أن يهتم بهم أحد. بعضهم فقدوا أطرافهم نتيجة انفجار ألغام حوثية بهم.. آخرون فقدوها نتيجة تعرضهم للقصف.. تتعدد أسباب الإصابات، لكن أغلب النتائج تكاد تكون واحدة في تعز: البتر.
كانت الألغام والعبوات الناسفة هي السلاح الفتاك الذي استخدمته مليشيا الحوثي لتكوين منطقة صَد تأمينية أمامية لمقاتليها، أو لنصب فخاخ مميتة لمقاتلي “الجيش الوطني” والمقاومة الشعبية، أو لإبطاء حركة هؤلاء ومنع تقدمهم (تقوم المليشيا بتفخيخ المناطق التي تُجبَر على الانسحاب منها). وأدى ذلك إلى سقوط آلاف الضحايا؛ مدنيين وعسكريين في اليمن. وكان لتعز نصيب وافر من ألغام الحوثي وعبواته الناسفة.
غدر الحوثي الذي لا يهتم بالمدنيين
زرع الحوثيون الألغام والعبوات القاتلة بإفراط في مدينة تعز. زرعوها في شوارع وطرقات فرعية ورئيسية، وفي منازل ومبانٍ عامة وخاصة، وفي خطوط التماس القتالية، وفي أماكن تقع على أطراف المدينة، وبعض مناطق عدد من المديريات التابعة للمحافظة. أدى ذلك إلى سقوط كثير من أفراد المقاومة الشعبية و”الجيش”، الذي لا يمتلك كاسحات ألغام للتخلص من معضلة الألغام الحوثية.
إلى ذلك، سقط كثير من المدنيين ضحايا الإفراط الحوثي في زراعة الألغام والعبوات الناسفة، التي طالت مدنيين ورعاة أغنام مسالمين وآمنين. ولا زالت هذه الكمائن تحصد مزيداً من الضحايا الأبرياء.
ليسوا أطباء، بل جزارون
لم يتعامل قادة “الجيش” في تعز، منذ البداية، بجدية لتلافي أضرار الألغام والعبوات الناسفة الحوثية. وبدلاً عن ذلك، فاقموا المشكلة بشكل مباشر وغير مباشر، وعن طريق أكثر من سلوك وتصرف. وكانت النتيجة سقوط عدد كبير من الضحايا العسكريين والمدنيين.
جندي شارك في القتال ضد مليشيا الحوثي، قال إن كثير من قادة “الجيش” كانوا يزجون بأفرادهم في المعارك “دون تخطيط جيد ومكتمل للمعارك، ودون استطلاع للأماكن التي يتمركز فيها العدو، ودون استعداد كافٍ، أو اهتمام بحياة الأفراد”.
وأضاف الجندي (ع. م. س)، مشترطاً عدم ذكر اسمه: “كان كثير من زملائنا يسقطون قتلى وجرحى جراء الألغام الحوثية، والبعض جراء الكمائن الحوثية، بسبب عدم تزويدنا بمعلومات دقيقة عن أماكن تمركز العدو. وبعد ذلك، كانت تحدث كوارث أخرى.. ارتكبها الأطباء بحق كثير من زملائنا الجرحى.. الأطباء كانوا يقطعون أطراف الجرحى بدل علاجها! الأطباء غير مؤهلين، وأسهل شيء يعملونه بتر الأطراف المصابة، رغم أنه كان بالإمكان علاج الإصابات فيها”.
تابع، بألم: “مع كل معركة، كان الجيش في تعز يزج بنا إلى الجبهات دون دراسة المخاطر، وكيفية تجنبها، ودون اهتمام بحياة المقاتلين، وكيف يتم حمايتهم.. فلا كاسحات ألغام، ولا خرائط للمعارك، ولا شيء من هذا القبيل”.
وقال هذا الجندي: “في جميع المعارك تقريباً، كان الكثير من المقاتلين يسقطون ضحايا الألغام الحوثية. في كل معركة، كان يسقط علينا أكثر من عشرة جرحى، ومثلهم شهداء تقريباً؛ بسبب الألغام فقط! وكانت الألغام تُلحِق إصابات بالغة في أطراف من يسقطون في فخها”.
وأضاف: “كان هناك عشرات الجنود يسقطون جرحى بسبب انفجار ألغام وعبوات ناسفة بهم، وكانت أكثر الإصابات تتركز على أطرافهم، لا سيما أرجلهم. كان يتم نقلهم إلى المستشفيات التي تم التعاقد معها لعلاج جرحى الجيش الوطني والمقاومة، وفي هذه المستشفيات كان يقوم الأطباء بعمليات بتر لأطراف كثير منهم (لا سيما للأرجل)؛ تحت مبرر عدم توفر الأطباء والعلاجات اللازمة، والقول بأنه لو تم ترك الجرحى على حالتهم فسينزفون حتى الموت!”.
وأكدت للصحيفة مصادر طبية وصحية حدوث ذلك بالفعل، مشيرة إلى أن “قادة الجيش في تعز كانوا يدخلون المعارك وليس لديهم الاستعدادات الطبية اللازمة والكافية”.
ولمزيد من التوضيح، قالت المصادر: “نظراً لغياب الأطباء، وضعف الإمكانيات، وغياب العلاجات اللازمة، كان الأطباء المتواجدون في المستشفيات يضطرون للقيام بعمليات بتر لأطراف أولئك الجرحى.. إذا ما أردت إجراء عمليات سليمة وناجحة، فالجريح الواحد يحتاج، عند إجراء العملية له، إلى نحو أربعة أطباء على الأقل: طبيب عظام، طبيب عام، طبيب جلد، وطبيب يتعامل من الشرايين. وعدد الجرحى كان كبيراً، ولم يكن هناك عدد كاف من الأطباء في تعز لإجراء عمليات سليمة لكل أولئك الجرحى وهم كُثُر، لهذا كان الأطباء يقومون بأسهل وأسرع الطرق: بتر أطراف الجرحى”.
وقالت المصادر الطبية: “عمليات البتر تلك كانت خاطئة.. كان بالإمكان إجراء عمليات جراحية ناجحة لأولئك الجرحى دونما حاجة لبتر أطرافهم المصابة.. كان ذلك ممكناً إذا توفر العدد الكافي من الأطباء، والإمكانيات اللازمة. وكان بإمكان عدد غير قليل من أولئك الجرحى السفر إلى الخارج لإجراء عمليات جراحية هناك، وكان سيتم علاجهم دون بتر أقدامهم وسيقانهم وأيديهم. وهذا ما أكدته حالة الجريح رامز الشارحي، الذي تحدثت إليه “الشارع”، وشرح لها ما حدث له.
نجا بنفسه من الجزارين
يقول “رامز”: “أُصِبتُ بطلقة قناص حوثي في ساقي اليمنى، في منطقة الدَّحِي، وأنا أوزع مساعدات للمواطنين. تم، يومها، نقلي إلى مستشفى البريهي، وهناك وجدت نفسي بين أطباء جزارين، بيد كل واحد ساطور لذبح أي جريح، وبتر ساقه، بهدف الحصول على المال، وقرروا بتر ساقي؛ لكنني رفضت ذلك”. وتابع: “لم يُقَدِّم لي المحور العسكري، أو السلطة، أي مساعدة للسفر للعلاج في الخارج، لكن أصدقائي وقفوا معي، حيث جمعوا لي مبلغاً وسافرت إلى الهند، وأجريت لي أكثر من عملية جراحية، دون بتر ساقي”.
يبدو “رامز” اليوم ممتناً لأصدقائه، ولاتخاذه قرار رفض بتر ساقه. يعتبر نفسه محظوظاً، رغم الخذلان الرسمي، وعدم تماثله، حتى اليوم، للشفاء بصورة نهائية، حيث لا يزال يتعالج، ويتابع حالته خارج البلاد، وتحديداً في القاهرة.
بسبب تجاهل الجهات الحكومية الرسمية للجرحى، لجأ بعضهم إلى اقتراض مبالغ مالية، من أجل السفر لتلقي العلاج خارج البلاد. من لم يتمكن من الاقتراض، باع ذهب زوجته وأمه كي يتمكن من السفر للعلاج في الخارج.
ازدهار مالي للمستشفيات الخاصة
كانت تلك المستشفيات (الثورة، والبريهي، والصفوة) تتقاضى أربعة آلاف دولار على كل عملية جراحية تقوم بها لأي جريح، بما في ذلك عمليات بتر الأطراف؛ كما قالت مصادر متطابقة لـ “الشارع”. وطبقاً للمصادر، فالتحالف العربي لدعم الشرعية كان يتولى دفع تكاليف هذه العمليات لتلك المستشفيات. لقد حصلت المستشفيات الخاصة على أموال كثيرة، رغم أن مهمتها كانت البتر لا التطبيب والعلاج!
مقابل ازدهار المستشفيات الخاصة في تعز، تم تدمير المستشفيات الحكومية. حتى مركز الأطراف، الواقع في مستشفى الثورة، لم يُقَدِّم شيئاً للجرحى. يُعاني المركز من إهمال وضعف في الكادر الطبي، وانعدام المستلزمات والإمكانيات الطبية اللازمة؛ رغم الدعم الذي يحصل عليه من منظمة اليونيسيف، والصليب الأحمر، ومن مركز الملك سلمان، وغيرهم من الداعمين من منظمات وجهات مانحة، وأفراد.
مآسٍ مبكية
كثيرون هم جرحى الألغام في تعز، ولكل واحد منهم قصة مبكية، وألم مزمن. لا يقتصر الحديث هنا عن الجرحى العسكريين، بل عن الضحايا المدنيين أيضاً.
يقول الدكتور محمد فؤاد، رئيس اللجنة الطبية التابعة لمحور تعز العسكري، إن هناك “أكثر من 623 جريحاً من المدنيين، بينهم نساء وأطفال”، أصيبوا بسبب الألغام التي زرعتها مليشيا الحوثي في مدينة تعز، “وجميعهم يحتاجون للعلاج وأطراف صناعية” (قال ذلك لـ “حماة الوطن”).
وأنت تتبّع تفاصيل قصص الجرحى، ستشعر بصدمة كبيرة، وحزن أكبر. ستشعر بالصدمة حيال ما تعرضوا له، وبالحزن على ما عانوه وما وصلوا إليه.
الجريحة “دليلة قاسم”، قالت لـ “الشارع”: “رُحت أرعي الغنم في تَبَّة الجَراجِر، بمنطقة حبيل سلمان، وفجأة دعست لغم، وتطايرت أشلاء قدمي اليمنى، وأصيبت الأخرى بجروح”.
بنبرة أكثر حزناً، أضافت: “صِحْتُ بصوت عالٍ؛ وأسعفني مواطنون إلى مستشفى البريهي، وفيه بقيت أسبوع وأنا فاقدة للوعي، وبعد ما صحيت اكتشفت أنهم قطعوا ساقيَّ”؛ من فوق ركبتيها!
تعيش “دليلة” اليوم دون ساقين. إنها حزينة ومتألمة. صارت كتلة من الحزن. حتى أطفالها حزينون.
“جميلة”، امرأة أخرى فقدت ساقها اليمنى جراء انفجار لغم حوثي بها، في “جبل صبر”؛ حيث تعيش.
“دليلة” و”جميلة”، مأساتان مبكيتان. إنهما نموذجان لقائمة طويلة من المآسي المبكية.
أغلب الضحايا لم يتمكنوا من تركيب أرجل صناعية
عارف يحيى، أحد المدنيين الذين أصيبوا بسبب الألغام التي زرعتها مليشيا الحوثي في تعز. يتحدث هذا الجريح بألم عمّا جرى له: “رُحْت أزور بيتي تقع بالقرب من منطقة حِذْرَان، [تبعد قليلاً عن المدينة، إلى الغرب منها]، ووقعت ضحية لغم أفقدني الرجل اليسرى، وأُصبتُ بشظايا سكنت بالرجل الأخرى”.
أضاف: “أسعفوني إلى مستشفى البريهي، ورفض المستشفى دخولي بحجة أني مش مقاتل، لكن بعد وساطة خطاب الياسري، قائد كتيبة في اللواء 170، عالجوني”. وكان العلاج طبعاً عبر البتر! وحتى اليوم، لا يزال عارف يعيش دون رجله اليسرى.
أغلب ضحايا الألغام (منهم دليلة وجميلة وعارف) لم يتمكنوا من تركيب أرجل صناعية، لأنهم غير قادرين على تحمل تكاليف ذلك.
المصور الصحفي وليد القدسي، عاش ذات المأساة. دعوه يحكي لكم قصته: “كنتُ، أنا وزميلي تَقِيّ الحذيفي، في الجبهة الشرقية، نُغَطِّي الأحداث، قبل ثلاثة أعوام، وفجأة سقطت قذيفة علينا، راح ضحيتها زميلي تَقِيّ، وأنا فقدت ساقي اليسرى”.
“نُقِلتُ إلى مستشفى الروضة، وبترت ساقي اليسرى، ولأني أعمل في مجال الإعلام، استطعت السفر إلى الخارج، وعمل ساق إلكترونية صناعية بديلة”؛ أكمل وليد حديثه.