مضاعفات نفسيَّة دفعتْ عدد من جرحى تعز إلى الانتحار


 


شابٌ في مقتبلِ العمرِ يتمدَّدُ على سرير المرض، وقد بترتْ قدمه، وطفلٌ في السابعة من عمره يبكي؛ لأنه لا يعرف سبباً مقنعاً لفقده يده وقدمه، وثالث في العاشرة من عمره فقد عينه، ورابع تشوَّه وجهه.. وسادس، وسابع.. جميعهم جرحى الحرب التي شنَّها الحوثي على تعز.


بسبب الإهمال والتطنيش الحكومي لهم، بدأت إصابتهم الجسدية في التحول إلى أزمات نفسية تأخذ في التهامهم؛ خصوصاً في ظل عدم قدرتهم على توفير تكاليف العلاج اللازمة لهم. عدد غير قليل من الجرحى بدأوا يتحولون إلى مرضى نفسيون.


بعض أهالي الجرحى أكدوا لـ “الشارع” أن أبناءهم الشباب (الجرحى) تعرضوا لصدمات نفسية بالغة؛ أولاً بفعل الحرب ومشاهد الموت، وآثار القصف، أثناء مشاركتهم في معارك القتال، ثم تطور هذا الأثر النفسي لديهم بعد أن جرحوا وأصيبوا في المواجهات، وتالياً تضاعف الأمر وتحول إلى أزمة نفسية؛ جراء تنكُّر السلطات لهم، وإهمالهم وتركهم دون علاج.


الجريح الذي صار مقعداً على سرير المرض دون علاج، يمرُّ بأيام صعبة وعصيبة، يتألَّمُ بشكل مستمر، وكل يوم يشعر بالندم، وتستعر في نفسه نوبات الغضب جراء إهماله من قبل الجهات الحكومية. ومع الوقت، وطول الإهمال واليأس، يتحول ذلك إلى أزمة نفسية. هذه الأزمة دفعت بعض الجرحى إلى الانتحار.


الدكتورة انتظار سيف، أستاذة علم النفس في جامعة تعز، قالت لـ “الشارع”: “لا أوجع من مأساة الجرحى الذين وجدوا أنفسهم أمام حرب فتحت عليهم أبواب الويلات والضغوطات النفسية، وتسببت بإصابتهم وإعاقتهم الجسدية”.


وأضافت: “الحرب رسمت معالم بؤس على حياة الكثير؛ لكن التأثير النفسي الحقيقي، والكبير هو ذلك الذي وقعوا فيه جراء التأثير المباشر للحرب، كالتجنيد، والزج بهم في المعارك، والذين فقدوا أطرافهم نتيجة القصف المباشر، ونتيجة الالغام التي زرعتها المليشيا في مناطق وأراض تعز”.


وأكدت بأن “عشرات، بل ومئات من جرحى الحرب في تعز، يعانون من آثار نفسية معقدة تتطور كل يوم، وتزداد كلما ظل هؤلاء الجرحى بعيد عن العلاج والاهتمام بهم”.


وقالت الدكتور انتظار: “مئات الجرحى يعانون اكتئاباً حاداً، وهذا الاكتئاب يتحول، فيما بعد، إلى سلوك عنيف، حيث تقود البعض حالته النفسية السيئة إلى محاولة الانتحار”. وهذا ما حدث ويحدث بالفعل، فهناك جرحى انتهى بهم المطاف إلى الانتحار، آخرهم الجندي بشير الكحلاني، أحد أفراد اللواء 35 مدرع، والذي انتحر في الـ 1 من مارس الماضي، بعد أن أطلق رصاصة على رأسه من مسدسه، داخل منزله الواقع وسط المدينة؛ ما أدى إلى وفاته على الفور.


بشير أحد جرحى الحرب الذين أصيبوا في المواجهات العسكرية مع مليشيات الحوثي في “جبهة الصلو”، جنوب شرق مدينة تعز، ولم يتم معالجته، طوال نحو عامين وثلاثة أشهر (تمكنت قوات اللواء 35 مدرع من تحرير مديرية الصلو في مطلع فبراير 2018). وبفقدانه الأمل قرر التخلص من حياته عبر الانتحار.


كان بشير يحتاج السفر إلى الخارج للعلاج. قَدَّم ملفه الطبي إلى اللجنة الطبية التابعة لمحور تعز العسكري، وظل يُتابع مراراً في انتظار نقله إلى الخارج للعلاج. لكن اللجنة الطبية ظلت تُسقط اسمه من كشوفات الجرحى الذين سيتم تسفيرهم إلى الخارج، ولم تقم بعلاجه في داخل اليمن. وبعد أكثر من عامين من الانتظار، ثم اليأس، قرر بشير الانتحار.


إلى جانب المضاعفات الجسدية المترتبة عن جراحهم، بسبب الإهمال الحكومي لهم، يُعاني جرحى تعز مضاعفات نفسية هي الأشد وطأة عليهم؛ لا سيما وهم يرون قيادة المحور تنهب المخصصات المالية الخاصة بعلاجهم، وتقوم بعلاج الجرحى التابعون لحزب الإصلاح، وتسفير بعض هؤلاء الأتباع إلى الخارج للعلاج رغم أنهم لم يصابوا في الحرب.


 


 


 

Exit mobile version