تزايد الدعوات الصادرة عن قيادات سياسية وإعلامية من الإخوان المسلمين في اليمن (حزب الإصلاح) والمنادية بتدخل تركي في اليمن على غرار التدخل التركي في ليبيا والمساند لحركة الإخوان الليبية؛ لم يأت من فراغ ولم يكن وليد اللحظة، بل هو ناتج عن ترابط فكري وعضوي مرتبط بتوجهات وأهداف التنظيم الدولي السري للإخوان المسلمين والذي تمثل تركيا وحزب العدالة والتنمية التركي بقيادة الرئيس رجب طيب اردوغان رأس الحربة فيه.
ومخطىء من يعتقد أن مثل هذه الدعوات الإخوانية اليمنية التي تستحث إخوانية أرودغان مجرد صورة لابتزاز التحالف العربي أو محاولة للضغط عليه للتجاوب مع توجهات إخوان اليمن (حزب الإصلاح) في تحقيق أهدافهم على الساحة اليمنية، ذلك أن هذه الدعوات تمثل صورة جلية وواضحة لمشروع يتم المضي فيه بشكل ممنهج ومخطط له من قبل التنظيم الدولي للإخوان واذرعه في المنطقة العربية ومنها اليمن.
علاقة إخوان اليمن بتركيا
تمتد علاقة الإخوان المسلمين في اليمن بتركيا إلى سنوات طوال وتحديدا إلى ما قبل وبعد قيام ثورة السادس والعشرين من سبتمبر وبدء بروز حركة الإخوان المسلمين في اليمن إلى الساحة السياسية بقوة ولعبها دوراً بارزاً في رسم المشهد السياسي شمال اليمن آنذاك.
ومع أن قوة الإخوان المسلمين السياسية في تركيا في ستينيات وسبعينيات وحتى ثمانينات القرن الماضي لم تكن لها دور في إدارة السلطة والحكم في تركيا بسبب سيطرة الجيش هناك، إلا أن علاقات الأذرع الإخوانية في تركيا والمنطقة العربية ظلت قوية بإدارة وتنسيق من قبل قيادة التنظيم الدولي السري للإخوان المسلمين الذي كان يواصل جهوده لدعم صعود تيارات الإخوان في المنطقة كلها ومنها تركيا واليمن ومصر ودول الخليج.
ولعل ارتباط حركة الإخوان المسلمين في اليمن بمشروع الإخوان في تركيا ارتبط في الأساس من النظرة لمشروع الخلافة الإسلامية الذي تتبناه وتسعى لتحقيقه حركات الإخوان المسلمين في كل البلدان، حيث نجد أنه خلال سيطرة الإخوان المسلمين في اليمن (حزب الإصلاح) على التعليم في شمال الوطن قبل إعادة تحقيق الوحدة وحتى قرار توحيد التعليم في العام 2001م كانت مناهج التعليم تطلق على الاحتلال العثماني لليمن الفتح العثماني والخلافة الإسلامية.
وعقب تطبيق قرار توحيد التعليم وبدء إدخال تعديلات على المناهج تصف الاحتلال العثماني بالاحتلال هاجمت قيادات الإخوان ذلك التوجه وأفردت صحيفة الصحوة الناطقة باسم الإصلاح صفحاتها لكتابها من قيادات الإصلاح وعلى رأسهم القيادي علي الواسعي -رحمه الله- الذي كان يكتب عمودا تحت مسمى (وخز الضمير) هاجم فيه تلك التعديلات واعتبرها اعتداءً على الإسلام والخلافة الإسلامية، واكد ان الاحتلال العثماني لليمن لم يكن سوى فتح إسلامي ضمن دولة الخلافة الإسلامية، حتى إن الصدف شاءت أن ينتقل الواسعي -رحمه الله- إلى جوار ربه مصابا بفيروس كورونا في تركيا التي ظل يدافع عنها.
ولعل دفاع الإخوان المسلمين في اليمن (حزب الإصلاح) المستميت عن الاحتلال العثماني لليمن وللأقطار العربية والإصرار على وصفه بالفتح العثماني وبدولة الخلافة الإسلامية لم يكن الا جزءاً من تنفيذ التوجهات العامة للمشروع الإخواني العالمي الذي لا يؤمن بفكرة الوطن أو الدفاع عن البلد الذي ينتمي اليه الانسان بقدر ما يرى في كل الدول العربية والاسلامية أو بالأصح الدولة التي يقوم فيها حكم الخلافة الإسلامية بانها هي الوطن الذي يجب الدفاع عنه وهو المشروع الذي قاتلت من اجله كل الحركات الاسلامية التي تولدت وتوالدت عن تنظيم الإخوان المسلمين مثل القاعدة، وطالبان، وداعش، والشباب المؤمن، وانصار الشريعة، وبوكوحرام، وجيش عدن ابين، وغيرها من الحركات الاسلامية التي تنتهج القتال والعنف في سبيل ما تدعيه السعي لإقامة دولة الخلافة الإسلامية.
إخوان اليمن وفتح الباب واسعاً للنفوذ التركي
عقب الأزمة السياسية التي شهدتها اليمن العام 2011م وبعد تسليم الرئيس السابق علي عبدالله صالح للسلطة بموجب المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية واستئثار الإخوان المسلمين في اليمن (حزب الإصلاح) بنصيب الأسد في كعكة السلطة من خلال ترؤسهم لحكومة الوفاق الوطني وتوليهم وزارة الداخلية فيها سارع إخوان اليمن لتوطيد علاقتهم بالحليف التركي وفتح الباب واسعا أمام زيادة نفوذه في اليمن.
ولم يكد يمر عام على تشكيل حكومة الوفاق الوطني حتى أقرت حكومة الوفاق برئاسة الإصلاح (إخوان اليمن) عدة اتفاقيات مع تركيا بدأ سريان تنفيذها عقب اجتماع الحكومة الدوري في 12 ديسمبر 2012م حيث أقرت الحكومة اتفاقية الإلغاء المتبادل لتأشيرات الدخول بين اليمن وتركيا، وكذا اتفاقية إعادة الأشخاص المقيمين بصفة غير قانونية والموقعة بين اليمن وتركيا، بالإضافة إلى إقرار اتفاق التعاون الفنى والتنموى بين اليمن وتركيا.
ومثلت تلك الاتفاقيات الثلاث إيذاناً بزيادة وتصاعد النفوذ التركي في اليمن وإيجاد أرضية ملائمة له للمضي في تنفيذ أهدافه واجنداته خصوصا اتفاقية إلغاء تأشيرات الدخول بين البلدين والذي ساهم في قدرة المواطنين الأتراك وعناصر الاستخبارات التركية من الدخول إلى اليمن بسهولة ويسر، وفي الوقت نفسه سهل انتقال قيادات الإخوان اليمنية إلى تركيا بذات الطريقة، وهو ما ظهر أثره بشكل واضح في قدرة القيادات الإخوانية اليمنية وخصوصا من القيادات الحكومية والبرلمانية والتجار إلى التنقل بين صنعاء وعدن وانقرة واسطنبول، ونقل الكثير من رؤوس أموالهم واستثماراتهم من اليمن إلى تركيا، وفي الوقت نفسه فتح الباب أمام دخول رأس المال التركي إلى اليمن تحت مسميات عدة ومنها موضوع توقيع عقود مع شركة تركية للكهرباء.
وبدا واضحا أن تركيا وجدت في إخوان اليمن الذين يديرون البلاد حليفاً يمكن من خلالهم تنفيذ اجنداتها بسرعة وبشكل لم يكونوا يتوقعونه وهو ما يؤكده المراقبون لنيوزيمن، والذين يرون في أن إلغاء التأشيرات بين اليمن وتركيا سهل كثيراً لأجهزة الاستخبارات التركية وبالتعاون مع القيادات الإخوانية في اليمن من إرسال مرتزقة ومقاتلين جهاديين تابعين للإخوان من اليمن للقتال في سوريا بتمويل قطري وتنسيق وتنفيذ إخواني يمني تركي، وهو ما اتضح بشكل كبير من خلال حرص الدولة التركية على اختيار مدينة عدن كوجهة لزيادة رحلات الطيران منها وإليها، في ظل قيادة الإخوان للحكومة اليمنية.
ويؤكد المراقبون ما يذهبون إليه بالإشارة إلى أن العام 2014م شهد تسيير الخطوط التركية 618 رحلة إلى عدن ذهابا وإيابا نقلت خلالها 18 ألفا و968 راكبا، منهم 9 آلاف و327 قادما و9 آلاف و641 مغادرا، فيما بلغ اجمالي الشحن المنقول 98 ألفا و296 كيلو جراما، منه 77 ألفا و169 صادرا و21 ألفا و127 واردا، وفقا لتصريحات صادرة عن المدير التجاري للمكتب الإقليمي للخطوط الجوية التركية بعدن أحمد تورسون لوكالة الأنباء اليمنية الرسمية (سبأ) في فبراير من العام 2015م والتي قال فيها إن الخطوط الجوية التركية ستبدأ نهاية مارس من ذات العام تسيير 7 رحلات أسبوعية من وإلى مطار عدن الدولي بواقع رحلة كل يوم، وهو ما كان تم قبل أن يتوقف بعد دخول التحالف العربي في الحرب ضد المليشيات الحوثية في مارس 2015م.
إخوان اليمن والبحث عن تدخل تركي جديد
ومع أن الإخوان المسلمين في اليمن (حزب الإصلاح) الذي يسيطر على حكومة الشرعية برئاسة هادي اندفعوا بقوة لإعلان وقوفهم مع التحالف العربي في قيادته للحرب لإنهاء انقلاب المليشيات الحوثية وسعوا عبر قيادتهم للحكومة من إنشاء جيش جديد سموه بالجيش الوطني ومعظمه إن لم يكن جميعه من اعضائهم والعناصر التابعة لهم، واستغلوا سعي التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات لإنهاء انقلاب المليشيات الحوثية وتحويل الحرب إلى مشروع استثماري لصالحهم مارسوا من خلاله فسادا غير مسبوق سواء على مستوى التوظيف أو على مستوى الاستئثار بالأموال والمساعدات المالية وتحويلها لصالحهم، مرورا بالسعي لإقصاء وتهميش شركائهم وخصومهم من السلطة ومن المشاركة في إدارة مؤسسات الدولة في المناطق المحررة من سيطرة المليشيات الحوثية، وانتهاء بالسعي لخيانة التحالف والغدر به من خلال قيادة حملات سياسية واعلامية لمهاجمة التحالف.
وكان واضحاً أن وقوف الإخوان في اليمن مع التحالف العربي لم يكن سوى تكتيك وقتي، إذ إنه وبمجرد نشوب الخلاف بين التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات، بالإضافة إلى مصر والبحرين مع قطر وطرد الأخيرة من المشاركة في التحالف العسكري في اليمن حتى تحول موقف الإخوان المسلمين في اليمن (حزب الإصلاح) إلى مساندة التوجهات القطرية التي وقفت معها تركيا وهو ما اكد حقيقة أن مشروع الإخوان في اليمن لا يختلف عن مشروع بقية أذرع الإخوان في المنطقة، وأن توجهات وتوجيهات التنظيم الدولي السري للإخوان هي التي تحكم وتسير مواقف جميع حركات الإخوان في الدول العربية ومنها اليمن.
مهاجمة الإخوان اليمنيين للتحالف والسعي لإثارة الفرقة بين السعودية والإمارات، ووقوف إعلام الإصلاح وقياداتهم ونشطائهم ضد السعودية في قضية مقتل خاشقجي، ودعم التوجهات القطرية، مرورا بعمليات التفاهمات السرية مع المليشيات الحوثية والانسحابات وتسليم الكثير من المناطق التي كانت تحت سيطرة الحكومة الشرعية خصوصا شرق صنعاء ومحافظة الجوف وحرض وعبس وصعدة للمليشيات الحوثية، وانتهاء بالترويج والدعوة لتدخل تركيا في اليمن على غرار تدخلها في ليبيا كلها قدمت الدلائل على مدى الارتباط بين حركة الإخوان المسلمين في اليمن (حزب الإصلاح) وبين بقية حركات الإخوان في العالم وعلى رأسها إخوان تركيا التي باتت اليوم تقود توجهات الإخوان في المنطقة وتسعى لاستثمار ذلك لبسط نفوذ تركيا في المنطقة بجانب نفوذ إيران، وهما التوجهان الهادفان إلى تقسيم وتجزئة الدول العربية والمنطقة العربية بناء على توجهات مذهبية وفكرية احتلالية واستعمارية.
المراقبون الذين يتابعون التنافس التركي الإيراني في المنطقة والذي تستخدم فيه حركات الإسلام السياسي مثل مليشيات حزب الله في لبنان والحشد الشعبي في العراق ومليشيات الحوثي في اليمن كواجهة لبسط نفوذ إيران، وحركات الإخوان المسلمين مثل حزب الإصلاح في اليمن، وحكومة الوفاق في ليبيا، وجماعة الغنوشي في تونس كواجهة لمساعدة تركيا لبسط نفوذها في المنطقة؛ يثيرون تساؤلات كثيرة عن مدى قدرة العرب وتحديدا التحالف العربي الذي تقوده السعودية والإمارات ومصر على مواجهة هذا المشروع وإيقافه؟.