الرئيسيةصحة و جمالمنوعات

المحجبات يكسرن حاجز المحرمات “ماذا يؤرق النساء المتدينات؟”

يمينة حمدي

مستحضرات التجميل أصبحت ضرورية بالنسبة إلى معظم النساء لما تمنحه لهن من إطلالة جميلة تتجاوز كثيرا ما تراه عين الناظر، ولتجعلهن يشعرن بثقة أكبر في النفس وتعزز تفاعلاتهن الاجتماعية. غير أن الطريقة التي مازالت تنظر بها بعض الأوساط الاجتماعية إلى ”مفاتن” الأنثى تحيط النساء بحواجز المحظورات الدينية والعرف الاجتماعي المقترن بالعيب والحشمة والشرف. وكل هذه المسميات تتكاتف لتثير في نفوسهن قلقا يوميا حول ما يجب أن يكون ولا يكون عليه مظهرهن. ولا يبدو أن مستحضرات “التجميل الحلال” ستحل كل هذه المعضلات ولن تختفي من تلقاء نفسها.

أصبحت مستحضرات التجميل عنصرا جماليا مهما لإبراز أنوثة المرأة وإشعارها بالرضا والارتياح حيال مظهرها الخارجي، لكن المفارقة أن تجمّل النساء وإبداء زينتهن مازال ينظر إليهما في بعض الأوساط العربية والإسلامية على أنهما يخدشان الحياء ويتعارضان مع الشريعة الإسلامية.

غير أن صيحات الموضة حاولت كسر حاجز المحرمات، بمواكبة نمط حياة المرأة المسلمة، والترويج للكثير من مواد التجميل “الحلال” التي تتماشى مع القواعد الشرعية في الإسلام.

وتستخدم كلمة “حلال” عادة لوصف اللحوم المذبوحة وفقا للشريعة الإسلامية، لكن خلال السنوات القليلة الماضية ظهرت سوق أخرى لمنتجات مختلفة تحمل وصف “حلال”، ومنها مستحضرات التجميل والعناية بالجسم الخالية من الكحول أو مشتقّات الخنزير والحيوانات عموما.

وشهدت سوق منتجات التجميل “الحلال” نموا مطردا خلال السنوات الأخيرة، إذ ارتفعت قيمة هذه الصناعة إلى نحو 532.43 مليار دولار في عام 2017، ومن المتوقع أن تواصل انتعاشتها لتصل إلى 805.61 مليار دولار بحلول عام 2023.

وكشفت الإحصائيات أن معدلات استهلاك النساء المسلمات لمساحيق “التجميل الحلال” هي الأعلى على مستوى العالم، وتشكل المرأة في الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وإندونيسيا وماليزيا وتركيا الأكثر إنفاقا على هذا النوع من المستحضرات، خصوصا أمام التأثير المتزايد لمواقع التواصل الاجتماعي، والدور الكبير الذي أصبحت تلعبه مواد التجميل في الحياة اليومية للنساء، وفي تحسين مزاجهن وثقتهن بأنفسهن.

عقوبة اجتماعية

لكن ظهور مستحضرات “التجميل الحلال” رافقه أيضا جدل واسع وتفاوتت بشأنه الآراء التي تبيح للمرأة الاعتناء بمظهرها، وتعيب عليها إبراز مفاتنها، وتجاوزها الحدود المرسومة للقالب الذي أعده المجتمع لـ”المرأة الصالحة”.

وهناك الكثير من الفتاوى التي صدرت في بعض الدول العربية والإسلامية التي تحوم في معظمها حول زينة النساء ودورها في إغواء الرجال ودفعهم نحو الفتنة، وأغلبها محمل بانطباعات سلبية عن سلوك وأخلاق النساء المتبرجات، يختصر المرأة في جسدها، وليس في كيانها الإنساني.

وشدد شاب سعودي فضّل عدم ذكر اسمه على ضرورة عدم انسياق المرأة وراء كلمة “حلال” التي تسوّق لها بعض الماركات والمبالغة في وضع مساحيق التجميل حتى تتجنب المعاكسات في الشارع، مشددا على أن “النساء اللواتي يبدين زينتهن بطريقة تثير غرائز الشباب لن يسلمن أبدا من التحرش” على حدّ تعبيره.

ويرى الدكتور بسام عورتاني، الباحث الفلسطيني المختص في علم الاجتماع، أن التحرش الجنسي راجع إلى عوامل نفسية وثقافية، معتبرا الظاهرة عالمية ولا تقتصر على المجتمعات العربية.

وقال عورتاني لـ”العرب”، “يعود سبب ربط التحرش الجنسي بالمظهر الخارجي للمرأة في المجتمعات العربية، إلى الثقافة الدينية والقبلية التي ما زالت تحافظ على علاقة هرمية وعلاقة عنصرية تجاه النساء”.

وأضاف “لا تساعد الثقافة العربية الأفراد على الخروج من الهوس الجنسي، بل مثلت أداة قمع ورقابة على سلوك الأفراد. ولا يمكن هنا إنكار دور مساحيق التجميل عموما في الإغراء الجنسي، ولكنها ليست السبب الأساسي والرئيسي في ذلك. بل هي محفز لرغبات كامنة ولثقافة مأزومة”.

وأكد عورتاني أن “دوافع المتحرش بالمرأة تتمركز حول صورة المرأة في ذهنه ومن ثم ثقافته، فالأسباب النفسية المرتبطة بالحرمان الجنسي إما لأسباب خلقية وإما ذهنية. وبالتالي تتم الاستعاضة عن ذلك عن طريق ممارسة العنف الجنسي المتمثل في التحرش، وفي هذه الحالة لا تكون زينة المرأة سببا بقدر ما تمثل محفزا لبعض الدوافع”.

المعضلات الأخلاقية

وسط كم هائل من المعضلات الأخلاقية والدينية تحاول البعض من النساء المحجبات مجاراة نسق المجتمع العصري الذي يعطي أهمية كبيرة للمظهر الخارجي، بغض النظر عن معتقداتهن الدينية.

وقالت خلود الحرباوي، (خريجة جامعية بصدد البحث عن شغل) لـ”العرب” “من الجيد أن يتوفر مكياج حلال في السوق ليساعد النساء المتدينات على المواءمة بين إيمانهن وعالم الجمال والموضة، الذي له تأثير كبير على نفسية المرأة، وتطلعها نحو أن تكون جزءا من هذا العالم الجميل، ولا اعتقد أن المرأة عموما، تستخدم مستحضرات التجميل فقط للفت نظر الرجل، بل لتشعر هي نفسها بالرضا والارتياح في المجتمع الذي تنتمي إليه”.

وأضافت الحرباوي “مواد التجميل والزينة كانت دائما ركنا أساسيا في حياة النساء منذ الآلاف من السنين، لكن البعض يريد أن يجعل منها أداة أخرى لاضطهاد النساء، فتؤدي بذلك وظيفة مناقضة تماما لتلك التي وجدت من أجلها، أي أن تشوه سمعة المرأة وتدفع البعض إلى معاملتها بعنف وازدراء”.

وختمت الحرباوي بقولها “الأمر كله يتعلق برغبة المرأة في أن تكون جميلة، لا أن يراها الآخرون هكذا، وتحديدا الرجال”.

من جانبها اعتبرت نعيمة بوضياف (مرافقة تربوية لذوي الاحتياجات الخاصة) أن شركات التجميل تحاول أن تبيع الآمال والأحلام لجميع النساء، مشددة على أن الهدف الرئيسي من “التجميل الحلال” هو مسايرة أذواق ومعتقدات النساء المتدينات اللواتي يمثلن شريحة هامة من المُستهلكات، لكن بعض الأوساط الاجتماعية مبتلاة بالشعور “بالإغراء” الذي يريد أن يفسد على المرأة إحساسها بالثقة في النفس عندما تكون في أبهى حلتها.

وقالت بوضياف “كوني محجبة لا يعني ذلك أن أهمل مظهري، فالله جميل يحب الجمال، ولا أغالي في اقتناء أدوات الزينة، لكنني أيضا أصم آذاني عن الفتاوى التي تحرم وتحلل”.

وأضافت “لست مع فكرة أن تتزين المرأة لزوجها فحسب وما عدا عن ذلك يعد فتنة وعيب لاسيما إذا ما كانت محجبة، لست متزوجة وأكره فكرة قبر جمالي بين جدران بيتي، أحب دائما أن أكون أنيقة فهذا يدخل الفرحة على قلبي ويمدني بطاقة إيجابية”.

وتابعت “لا أظن أن التزيين يتعارض مع المعتقد، فمثلا هناك حديث نبوي يحفظه الكثيرون ولا يكفون عن استعراضه بمناسبة وبغير مناسبة بأنه لا يجيز للمرأة التعطر، فهل يعني هذا أن لا تعالج مشكلة التعرق وما ينجر عنها من روائح كريهة، باعتقادي من حق المرأة الاهتمام بزينتها لكن دون مبالغة، وكلما كان ماكياجها بسيطا كلما كانت أجمل”.

وأشارت بوضياف إلى أنها “لم تفكر يوما في مسألة الحلال والحرام، وأن كلما يهمها عند شراء مستحضرات التجميل أن لا تكون ضارة ببشرتها وأن تكون ذات جودة عالية ومن علامة تجارية معروفة، فهي لا تتوانى عن صرف مبلغ محترم من راتبها على هذا الأمر”. على حد تعبيرها.

فيما ترى سامية ماني العيوني (مدرسة) أن أكثر ما يهم النساء هو التنوع، ومعظمهن يطمحن إلى أن يجدن خياراتهن في ماركات شركات العلامات التجارية الشهيرة التي يشترين منهن مواد التجميل، بغض النظر إن كانت تلك شركات تبيع منتجات حلال أو لا.

تنوع الخيارات

وقالت العيوني “الله جميل ويحب الجمال، ومن حق المرأة المحجبة أن تتجمل وتشعر بأنها جميلة كسائر نساء العالم، وتشعر أنها في كامل أناقتها وهذا يمنحنا الإحساس بالقوة والثقة في النفس، وليس الهدف من التجميل فقط أن تبدو بمظهر جيد لأشخاص آخرين”.

وأضافت “أنا استعمل مواد التجميل الطبيعية غير المضرة وخاصة منها المصنوعة من الزيوت الطبيعية والأزهار والنباتات الصحية، وفي اعتقادي لا يوجد مكياج حلال أو حرام بل مكياج بمكونات طبيعية وصحية أو مكياج بمواد كيميائية ضارة”.

وتتسع دائرة التأييد بين النساء التونسيات لتنوع الخيارات التي تعرضها شركات التجميل للمحجبات وتبنيها خطابات تولي أذواق المتدينات أهمية أيضا، بل إن البعض منهن اعتبرن ذلك نوعا من التمكين للنساء بشكل عام.

وقالت أماني الخديمي “من حق المرأة سواء كانت محجبة أو لا استعمال مستحضرات التجميل لأنّ العلاقة بالله هي علاقة خاصة جدا، ولكلّ منا رؤيته للدين ولهذه العلاقة، وبالتالي لا أرى مانعا في التزين مادام في إطار محترم، لأنّ المرأة بطبيعتها تحب الجمال والزينة وهذا يجعلها تشعر بأنها جميلة وواثقة من نفسها، وبغض النظر عن نوعية المكياج الذي تختاره فهي تستحق الاحترام والتقدير”.

وأضافت “لا أفكر كثيرا في كلمة حلال التي قد تصف بها بعض شركات التجميل منتجاها، فهذا أمر دعائي والغاية منه تحقيق مكاسب مادية، اعتقد أن مكونات أدوات التجميل هي نفسها ولا فرق بينها، ولهذا اختار دائما ما يرضي ذوقي ولا يضر بشرتي”.

لكن رجال الدين لديهم مواقف فقهية متباينة من قضية وضع المرأة للمكياج، فبعضهم يعتبر أنه غير جائز شرعا أن تبدي المرأة المسلمة زينتها، وعليها الالتزام بالحشمة، فيما يرى آخرون أن تجمّل المرأة لا يتعارض مع الشريعة، وهذا الاختلاف بين الفقهاء ساهم في ظهور جبهة جديدة منحت النساء نوعا من الحرية في ما يمكن ولا يمكن أن يفعلنه بأجسادهن.

من الإسراف إصدار حكم الحلال والحرام على مستحضرات التجميل

*الشيخ بدري المدني باحث تونسي في الفكر الإسلامي

التجميل والتزيّن غريزة بشريّة دعا إليها ربّ العزّة عن طريق رسله وأنبيائه في قوله “يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ” (سورة الأعراف 31)، وقال صلّى الله عليه وسلم “إن الله جميل يحبّ الجمال”.

والإسلام قد شرع التزيّن والتجمّل للرجال والنساء جميعا، وإذا كانت الزينة بالنسبة للرجل من التحسينات أو الكماليات، فإنّها بالنسبة للمرأة من الحاجيات، إذ بفواتها تقع المرأة في الحرج والمشقّة، فلابدّ من التوسعة عليها فيما تتزيّن به لذاتها أولا حتّى تشعر بثقتها في نفسها وبحريّتها وشخصيتها ووجودها وثانيا للرجل زوجا كان أو ابنا أو مشغّلا. ولكن الإسلام لم يطلق العنان لتلك الرغبات، بل دعا الإنسان إلى ضبطها بمقتضى الهدى الربّاني “ولا تسرفوا”.

ولعلّ من الإسراف تقسيم المجتمع الأنثوي إلى نساء سافرات ومحجّبات وهذا من الظلم والتقسيم المدمّر، لأنّ السفور من عدمه ليس تصنيفا سليما بل هو تصنيف فوضوي غايته هدم المجتمعات وخلق التنافر بين مكوّناته…”يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ” (سورة الحجرات 13).

ولعلّ من الإسراف أيضا إصدار حكم الحلال والحرام على مستحضرات التجميل، الذي أضحى من الأساسيات رغم أن التضييقين يريدون خنق هذا الفنّ وهذا العلم بمحظورات المنع والتقييد ووضعه تحت براثن الأعراف الذكوريّة البالية المنفصمة بين رفض الرجال زينة زوجاتهم ومنعهن من هذا الحقّ والواجب وبين تكالبهم على الاستلذاذ برؤية المتجمّلات واستدراجهن تحت سلطان النزوة الجنسية. ولا يعني هذا دعوتنا للتسيّب بقدر ما ندعو ليكون تجمّل المرأة فنّا دافعا لتتطعّم الحياة وتتذوّق جمالية الوجود والإحساس بالكيان حتّى قبل مجيء الموانع الدينية المفتعلة.

وتكفي العودة لما عرفته مصر في عصور بالغة القدم من فنّ صناعة مساحيق التجميل، ومن حرص المرأة المصرية على امتداد عصورها على إبراز جمالها الحسّي المتمثل في جمال الوجه ورشاقة الجسم أو بعبارة أدقّ الجمال الجسدي وعناصره المختلفة كما كانت صناعة مستحضرات التجميل ليس لأغراض التجميل فحسب، بل تشير أغلب المصادر المكتوبة إلى استخدامها أيضا في أغراض الطقوس الدينية والصيدلة.

وحتّى ننصف حقّ المرأة في التزيّن ننصفها في حقّها كذلك أن يتزيّن لها الرجل وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبُّ أن يتزين هو الآخر لزوجته؛ فقد روى مسلم عَنْ السيدة عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم “كَانَ إِذَا دَخَلَ بَيْتَهُ بَدَأَ بِالسِّوَاكِ”.

وروى البخاري عَنْ السيدة عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ “كُنْتُ أُطَيِّبُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِأَطْيَبِ مَا يَجِدُ، حَتَّى أَجِدَ وَبِيصَ الطِّيبِ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ”. وكان ابن عباس رضي الله عنهما يحبُّ التزيُّن لزوجته؛ فقد روى البيهقي عَنْه أنَّه قَالَ “إِنِّي لَأُحِبُّ أَنْ أَتَزَيَّنَ لِلْمَرْأَةِ كَمَا أُحِبُّ أَنْ تَزَّيَّنَ لِي؛ لِأَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ “وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ” (البقرة228).

*صحافية تونسية مقيمة في لندن

زر الذهاب إلى الأعلى