مقالات

الدولة المدنية والصراع المذهبي

لم يقتصر الصراع السني ـ الشيعي على الفتن والحروب المتنقلة، فقد كان لـ «حرب الأقوال» وقع أشد خطورة على الأمة من حروب السلاح، لا سيما ما يتعلق بالفتاوى ومواقف المذاهب من بعضها البعض لدى السنة والشيعة على حد سواء.

وحروب الكلام مستمرة نار تحت الرماد، فما إن تأتي هبة ريح السموم فتشتعل وتبقى عالقة في النفوس بينما حروب القتال تنسى بمجرد أن تجف الدماء، والحروب الكلامية باقية في بطون الكتب فلنسمع ما يقول أحمد بن حنبل في «كتاب السنة»: يقول «ليست الرافضة من الإسلام في شيء».

وروي على لسان علي بن عبد الصمد أنه قال: «سألت أحمد بن حنبل عن جارٍ لنا رافضي يسلّم عليّ أردُّ عليه، قال: لا». وسيحكم الإمام الإسفراييني في «التبصير في الدين، وتمييز الفرقة الناجية عن الفرق الهالكين» بخروج عموم الشيعة من الإسلام بقوله: «إن جميع فرق الإمامية… ليسوا على شيء من الدين، ولا مزيد على هذا النوع من الكفر».

وفي كتابه «منهاج السنة النبوية»، أفتى ابن تيمية في الإمامية بأنهم «شر من عامة أهل الأهواء وأحق بالقتال من الخوارج» لأنه إذا «كان الخروج من الدين والإسلام أنواعاً مختلفة، فإن خروج الرافضة ومروقهم أعظم بكثير».

وأفتى الميرزا جواد التبريزي في صراط النجاة: «الناصب هو الذي يظهر العداوة لأهل البيت عليهم السلام، ولا حرمة لدمه، وأما سابُّ النبي والإمام “صلوات الله عليهم” فقتله واجب مع الأمن من الضرر.

وفي كتاب «الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة» يقول المحقق البحراني: «ومن أظهر ما يدل على ما ذكرناه ما رواه جملة من المشايخ عن الصادق “عليه السلام” قال: «الناصبي شر من اليهودي. فقيل له وكيف يا بن رسول الله؟ قال إن الناصبي يمنع لطف الإمامة وهو عام واليهودي لطف النبوة وهو خاص، «فإنه المراد بالناصبي هنا مطلق من أنكر الإمامة كما ينادي به قوله «يمنع لطف الإمامة». وقد جعله عليه السلام شراً من اليهودي الذي هو من جملة الكفر الحقيقي بلا خلاف».

ومما سبق نجد أن الموروث الفقهي/ التكفيري بين السنة والشيعة ما زال حاضراً في مجال الوعي العام، وهو يتصاعد تصاعدا هستيريا، ما يجعل مواجهة المسألة الطائفية أمراً صعباً وملحاً في آن.

هذه المواجهة تبدأ بإصلاح التعليم الديني وبناء دولة المواطنة؛ وتحييد المذاهب الدينية؛ باعتبار الدين علاقة بين العبد وربه وكل يعبده وفقا لما يأمره به دينه؛ وان اي جماعة دينية تريد ان تشارك في النشاط السياسي، تقوم بفصل الجانب الدعوي الذي مكانه الجامع وبين السياسي الذي هو حق من حقوق جميع المواطنين.

ففي السياسة يجب أن يغيب عنها الجماعات الدينية وفقا لمتطلبات الدولة المدنية التي لا تسمح لأي مذهب أن يستغل إمكانيات الدولة لفرض مذهبه على المجتمع.

كما ان من اللازم تكريس مساحات التعايش بين المذاهب، والكفّ عن استنزاف الدين في الصراعات السياسية، وعلى الاحزاب الدينية أن تفصل الخطاب الدعوي عن السياسي، وان تتحول إلى أحزاب برامجية، وعلى الدولة ان تعمل على حماية كل المذاهب من بعضها البعض؛ لان الدولة المدنية تحمي المتدينين من بغي وظلم بعضهم بعضا.

والتجربة الغربية في بناء الدولة المدنية هي التي يجب الأخذ بها دون أي تحفظ؛ فما يعاني منه شعبنا اليمني اليوم هو بسبب استغلال جماعات دينية مذهبية للدين لتتحكم باسمه على رقاب العباد.

ولاحل إلا بالتمسك بالدولة المدنية كما رسمها وخطها رئيس فريق بناء الدولة في مؤتمر الحوار الوطني الشامل الدكتور أحمد شرف الدين…

* من صفحة الكاتب على الفيسبوك

زر الذهاب إلى الأعلى