حنان مبروك
رهانا على قدرات الأطفال خصّص مهرجان الشارقة الدولي لفيلم الطفل، خلال فترة التباعد الاجتماعي للحدّ من انتشار فايروس كورونا منصته الإلكترونية لعرض مجموعة من الأفلام القصيرة التي أخرجها أطفال عرب وأجانب، ليوزّعها في خانات متعددة كانت إحداها أفلام “حكايا اللاجئين”.
ومن الأفلام القصيرة المعروضة في هذا المجال تحضر ثلاثة إنتاجات لأطفال مبدعين، أولها فيلم “منطقة آمنة” وفيلم “فتاة سودانية لاجئة تسعى لتحقيق حلمها في التعليم بمصر” وفيلم “فتى عراقي مخطوف يعود لعائلته في كندا”.
ويحكي فيلم “منطقة آمنة” الذي أنتجه المخرج ماركو بولينجر في مخيم “سعد نايل” للاجئين السوريين في لبنان، ضمن ورش عمل حول رواية الحكايات والسرد القصصي عن طريق الفيديو، قصة فتيات لاجئات في سنّ المراهقة (أعمارهن بين 13 و15 سنة)، ونظرتهنّ للمستقبل وتصورهنّ لطموحاتهنّ وأحلامهنّ انطلاقا من الواقع الصعب الذي فرض عليهنّ العمل في حقول البطاطا والعنب كي يتمكنّ من العيش.
وتبدأ رحلة الفيلم عام 2015 وتنتهي في العام 2019، ومثلما بدأت بتصوّر للخمس سنوات القادمة تنتهي بتصوّر للمستقبل القريب، وبتحديد لمفاهيم كبرى في حياة الإنسان عامة، وهي الحب والدراسة والعمل والعائلة.
ويحاول الفيلم بعد مرور 4 سنوات الانتقال من توثيق الآثار السلبية التقليدية للجوء كالصدمات النفسية والمعاناة، لتناول هوية الجيل المقبل من الشابات السوريات اللاجئات، ونقاط القوة والرؤى التي تسلّحن بها خلال تجربتهنّ كلاجئات في المنفى.
وتعاونت الفتيات على إنجاز الفيلم كي يعرضن نظرتهنّ لظروف حياتهنّ، حيث يصوّرن معظم مشاهد الفيلم بأنفسهنّ، ويجرين مقابلات مع بعضهنّ ومع المخرج ماركو بولينجر، ويتساعدن في عملية الإخراج ليقدّمن صورة حقيقية عن واقع الحياة في المخيم.
أما فيلم “فتاة سودانية لاجئة تسعى لتحقيق حلمها في التعليم بمصر”، فيحكي لجمهور السينما من الأطفال حكاية الطفلة نوسة التي لجأت إلى مصر من السودان قبل ثلاثة أعوام، بعد وفاة والدها، صحبة أمها وتسعة إخوة، وهي لا تحلم سوى بفرصة إتمام تعليمها كي تعيل أسرتها وتساعد إخوتها على الدراسة والنجاح. لقيت اللاجئة فرصة الانضمام لمدرسة “كنيسة القلب المقدّس”، لتخطو خطوتها الأولى نحو تحقيق الحلم صحبة 400 طالب وطالبة، معظمهم أطفال لاجئون من السودان وجنوب السودان.
وهذه المدرسة هي واحدة من بين أربعين مدرسة أخرى للاجئين تنتشر في جميع أنحاء القاهرة، وتتلقى المساعدات من “خدمات الإغاثة الكاثوليكية”، وهي منظمة غير حكومية ذات نفع عام تحظى بدعم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
أما فيلم “فتى عراقي مخطوف يعود لعائلته في كندا”، الذي يختزل عنوانه موضوعه، فيحكي قصة عماد، الطفل الإيزيدي الذي تمكن مؤخرا من الالتقاء بعائلته في كندا بعد اختطافه في العراق واحتجازه رهينة لمدة ثلاث سنوات ليقرّر نسيان الماضي والتركيز على المستقبل بما يسعى إليه من أهداف.
ويحكي الفيلم كيف اختطف الإرهابيون عماد وعائلته، وهم من الطائفة الإزيدية، في أغسطس عام 2014، وفصلوه عنها قسرا بعد بضعة أشهر، وكيف استطاعت أمه الهرب مع إخوته من قبضة الخاطفين، وأُعيد توطينهم في فبراير عام 2016 بكندا، دون أن يتمكنوا من معرفة مصير عماد.
وفي بداية يوليو 2017، عُثر على الطفل تحت ركام مبنى منهار في الموصل، حيث كانت حملة القوات العراقية في مراحلها الأخيرة من فرض سيطرتها على المدينة، واستطاع العاملون في المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين التأكّد من أنه واحد من ستة آلاف شخص إيزيدي خطفتهم الجماعات المتطرفة في أغسطس 2014، وتمكنوا من تحديد هويته ودعمه من خلال تسهيل إجراءات السفر ليعود إلى عائلته.
ويسلّط الفيلم الضوء على لحظة اللقاء الصعبة، وكيف اندمج الطفل مع محيطه الجديد خلال الأيام التالية للقائه بعائلته، فالطفل عماد قرّر بعقل الإنسان الناضج أن يقبل على الحياة خارج الأسر، وألا يتقوقع على نفسه بسبب الماضي الحزين، وكانت أولى قراراته أن اختار تعلم اللغة الكردية كي يتواصل مع أهله بعد أن أجبره الخاطفون على التحدث باللغة العربية فقط أثناء احتجازه، وعاد للعب مع إخوته وتعلم ما فاته من تقنيات التكنولوجيا الحديثة.
وتبدو هذه الأفلام الثلاثة لمن يطّلع عليها، رسالة أمل قبل أن تكون مبادرة ترفيهية في زمن كورونا، وظّف فيها المخرجون مهاراتهم ومعارفهم لينتجوا أعمالا سينمائية تناسب درجات وعي الأطفال الذين يشاركونهم مرحلة عمرية استثنائية بما تحمله من تقدّم تكنولوجي وأحداث سياسية واجتماعية وثقافية كبرى.
*صحافية تونسية