مقالات

سباق دولي للظفر بمشاريع إعمار البلدان العربية المتضررة من الحرب

 تتصاعد وتيرة إعمار الدول المدمرة بعد الحروب والنزاعات والتحولات، والحصول على فرص استثمارية في البنية الأساسية والمرافق العامة، وتستحوذ قوى كبرى على جزء كبير من “كعكة” إعادة إعمار الدول، التي دمرتها المعارك.

وتعد الولايات المتحدة أكبر رابح في هذا المجال عبر شركة “بكتل”، وهي ذراعها الاستثمارية العملاق المتخصصة في إعادة إعمار الدول، وكان لها النصيب الأكبر في مشروعات إعادة الإعمار في العراق.

وكشف التقرير السنوي للشركة الأميركية عن استثمارات في نحو 53 نقطة استثمارية حول العالم، جنت من خلالها إيرادات بنحو 25.5 مليار دولار العام الماضي، فضلا عن فوزها بعقود جديدة قيمتها 17.3 مليار دولار.

وتشهد دول، مثل ليبيا وسوريا واليمن، صراعات دمرت جزءا كبيرا من بنيتها الأساسية، فضلا عن حاجة العراق لمشروعات ضخمة لإعادة تأهيل اقتصاده.

وتواجه عمليات إعادة الإعمار صعوبات تتعلق بمدى استقرار الأوضاع الأمنية الداخلية للدول الساعية لإعادة بناء منشآتها، ودون استقرار كاف لن تنعم بالتنمية.

وهناك دول تمتلك موارد وثروات طبيعية تمكنها من الوفاء بفاتورة إعادة الإعمار، فالعراق وليبيا يمتلكان مخزونا جيدا من الموارد الطبيعية يمكنهما من هذه الخطوة.

وأخرى فقيرة، كسوريا واليمن والسودان لا تستطيع سد حاجاتها، وتراهن على التعويضات والمساعدات الدولية، لأن فاتورة التوترات باتت قياسية، وتتجاوز قدرة إعادة الإعمار، وتحمل تكلفة البناء مجددا.

وكشف تقرير “خسائر الحرب: التبعات الاقتصادية والاجتماعية للصراع في سوريا”، الذي أصدره البنك الدولي، أن الاقتصاد السوري تكبد خسائر بنحو 226 مليار دولار بسبب الحرب، ما يعادل 4 أضعاف إجمالي الناتج المحلي لعام 2010.

ولا تقل الخسائر في الدول الأخرى التي مرت بمعاناة شبيهة عن هذه الأرقام، بما يؤكد أن فواتير إعادة الإعمار ستكون باهظة.

وفي الوقت الذي لم يحسم أمر إعادة الإعمار في كل من سوريا وليبيا واليمن، رغم الجهود التي تبذلها بعض الدول للسيطرة والاستحواذ مبكرا استعدادا للمرحلة المقبلة، بدأ العراق يغازل أصدقاءه بهذه القضية، والتي لا تخلو من معان سياسية.

وتسعى القاهرة للبحث عن موطئ قدم لشركاتها من أجل الفوز بجزء من تلك “الكعكة”، ووقعت 15 مذكرة تفاهم مع العراق خلال اجتماعات اللجنة المصرية- العراقية المشتركة، التي عقدت السبت الماضي، لأول مرة منذ 31 عاما.

وعقدت اللجنة مرتين فقط خلال عامي 1988 و1989 وتوقفت منذ ذلك الحين، وتصدرت مذكرات التفاهم مبادرة النفط مقابل الإعمار.

وتريد القاهرة عبر هذا الاتفاق تحقيق هدفين: الأول، إيجاد فرص استثمارية لشركاتها العقارية الكبرى في السوق العراقية، خاصة أن هناك ارتباطا قويا بين المصريين وهذه السوق، التي كانت تستوعب منذ أربعة عقود أكثر من مليوني مصري، يعمل أغلبهم في الزراعة والتشييد والبناء.

أما الهدف الثاني فيتثمل في إعادة التواجد اقتصاديا بشكل أكبر مع فتح آفاق تصديرية لمواد البناء في تلك السوق الواعدة والقطاعات المرتبطة بها.

وتستورد مصر من العراق نحو 12 مليون برميل سنويا بواقع مليوني برميل على 6 شحنات، وتصل قيمة النفط المستورد من العراق إلى 500 مليون دولار، وبالتالي فإن ربط إعادة الإعمار بالنفط يجعل مشاركة القاهرة ضعيفة في كعكة الإعمار.

وكشفت خطة التنمية العراقية 2018 – 2022 عن حاجة العراق لنحو 1357 كيلومترا من الطرق ونحو 17 جسرا، ومواصلة بناء مئات الآلاف من الوحدات السكنية من أجل عودة النازحين.

وقال فتح الله فوزي، رئيس لجنة التشييد والبناء بجمعية رجال الأعمال المصريين، لـ”العرب” إن “شركات العقارات المصرية تمتلك مقومات المنافسة في السوق العراقية والمشاركة في إعادة الإعمار، لاسيما إذا اتضحت آلية تنفيذ مبادرة النفط مقابل الإعمار، فالتعامل سيكون بين الحكومتين المصرية والعراقية”.

وأوضح أن المستثمر المصري يشارك في البناء ثم يحصل على حقوقه المالية من حكومته، وتحتاج الشركات إلى آلية واضحة تضمن انتظام عمليات الدفع.

وتستغرق بعض المشروعات العقارية أربعة أعوام، ومن ثم فإن وضوح آلية الدفع ستحدد مدى جاهزية، وإقبال الشركات المصرية على المشاركة في إعادة الإعمار، في الوقت الذي تحتاج الاستثمارات العقارية لتدفقات نقدية خلال تنفيذ المشروع.

وتنفذ شركة بتروجيت الحكومية المرحلة الثانية من مشروع غاز الزبير في العراق لصالح شركة المشاريع النفطية، فيما وقعت وزارة البترول المصرية اتفاقية مشاركة لتعزيز التعاون مع الشركة العامة للمعدات الهندسية الثقيلة إحدى شركات وزارة النفط العراقية.

وتعمل بتروجيت بمنطقة الرميلة في البصرة، ضمن مجمع شركات البترول المصرية لتصنيع المعدات المجهزة والمؤهلة لكافة أنواع أبراج التقطير والمبردات الهوائية والمبادلات الحرارية وأوعية الضغط والمنشآت الحديدية والمواسير.

وأكد قدري إسماعيل عميد كلية الدراسات الاقتصادية والعلوم السياسية بجامعة الإسكندرية، أن تعزيز مصر لتعاونها مع العراق يأتي في إطار رد فعل للقوى التي تسعى إلى  تأكيد الظهور في المشهد الإقليمي، مثل إيران وتركيا وإسرائيل، لاسيما مع القدرات الاقتصادية الكبيرة للعراق، والتي تمثل مطمعا.

وقال في تصريح لـ”العرب” إن “مصر تستهدف من المبادرة التواجد في العراق من باب الاقتصاد وتحقيق المصالح المشتركة، عقب تصاعد عمليات التطبيع العربي مع إسرائيل، وما يمكن أن يترتب على ذلك من مشروعات تعاون اقتصادي”.

وتتواصل مساعي القاهرة لتحريك مفاصل اقتصادها والفوز بحصص مسبقة في إعمار ليبيا، ودشنت عشر مناطق لوجستية بمدينة السلوم المتاخمة للحدود مع ليبيا.

وتتيح هذه المناطق جميع البضائع التي تحتاجها السوق الليبية على مساحة 400 ألف متر مربع لتعزيز سهولة تدفق المنتجات المصرية.

وعرضت مصلحة التخطيط العمراني الليبية على لجنة التشييد بجمعية رجال الأعمال المصريين، احتياجات السوق في مجال الإسكان، وكشفت عن فجوة حجمها 400 ألف وحدة سكنية.

وقالت المصلحة في بيان “مطلوب على وجه السرعة بناء نحو 250 ألف وحدة سكنية، إلى جانب 150 ألف وحدة على المدى المتوسط، ثم السير في خطة تستهدف بناء 30 ألف وحدة سنويا لمواجهة الزيادة السكانية”. وكشفت أن 15 ألف وحدة سكنية آيلة للسقوط وتحتاج إلى صيانة وإعادة تأهيل نتيجة الحروب التي شهدتها البلاد.

وتعمل القاهرة عبر هذه المحاور على إمداد أسواق إعادة الإعمار بالمنطقة، ما يدفع لتشغيل الاقتصاد لمستويات ما قبل كورونا، وفتح أبواب واعدة للشركات الوطنية.

*صحافي مصري

زر الذهاب إلى الأعلى