الرئيسيةعربيمقالات

لماذا هلل وكبر واستبشر تنظيم الإخوان المسلمين بفوز بايدن برئاسة أمريكا واعتبروه نصرا لهم؟ ولماذا يقلق النظام المصري؟

القاهرة نجحت في تغيير قواعد اللعبة القديمة مع واشنطن وقلق الحكومة المصرية من بايدن وارتياح الإخوان غير مبررين سياسيا

محمد أبوالفضل

يتطلع متابعون إلى مستقبل العلاقات الأميركية مع دول شرق الأوسط وخاصة مصر مع تحقيق المرشح الديمقراطي جو بايدن النصر وفوزه رسميا بالرئاسة السبت، وفيما يرى البعض أن التيار الإسلامي الذي حظي بدعم في عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما هو المستفيد المباشر من هذا النجاح، يستبعد آخرون أي مكاسب جديدة للإخوان بسبب الموقف العالمي من الجماعة، ولنجاح النظام المصري في السنوات الأخيرة، في تخفيف التعويل على واشنطن.

بعد تحقيق المرشح الديمقراطي جو بايدن النصر والفوز رسميا برئاسة الولايات المتحدة السبت حسب وسائل إعلام أميركية، تزايد الاهتمام بمتابعة الانتخابات لدى غالبية المصريين، وأصبحت هما داخليا وليست شأنا أميركيا-عالميا فقط، وكثفت وسائل الإعلام المحلية تغطيتها لمتابعة الحدث وتطوراته.

انقسم المتابعون في مصر إلى فريقين رئيسيين، أحدهما؛ المؤيدون للنظام الحاكم، أرادوا طمأنة المواطنين أن شيئا لن يتغير في العلاقة بين القاهرة وواشنطن، وأكدوا قوة وصلابة الأولى واستعدادها للتعامل مع بايدن.

والآخر، المعارضة الإخوانية واليسارية والحقوقية، وسعوا إلى إثارة الذعر بين الناس عبر تكثيف الضوضاء الإعلامية، ونظروا إلى نجاح المرشح الديمقراطي على أنه يحمل نصرا لهم، وينطوي على نهاية سياسية مفجعة للنظام المصري.

تناسى هؤلاء وهؤلاء أن العلاقات بين الدول تحكمها مصالح متشعبة لا عواطف متقلبة، وأهداف إستراتيجية لا نزوات سياسية، وأن الأعوام الماضية شهدت تغيرات كبيرة ومهمة في المنطقة والعالم كفيلة بصعوبة إسقاط ما جرى من قبل عليها، وكفيلة باندثار أوهام وأساطير أو إعادة إنتاج تجارب ثبت فشلها.بالغ الفريق الأول في القوة والتطمين، لأن الولايات المتحدة كقوة عظمى تملك ما يمكنها من ممارسة الضغوط على أي دولة في العالم، إذا أرادت ذلك، ورفع الفريق الثاني من الطموحات والتطلعات والأحلام، وكأن بايدن عاد لينتقم للإخوان فقط.

تغيير قواعد اللعبة

مخطئ من يعتبر فوز بايدن مفاجأة للنظام المصري، فمنذ وصول الرئيس عبدالفتاح السيسي إلى السلطة وعمد إلى تغيير قواعد اللعبة القديمة مع الولايات المتحدة، وانتبه إلى عدم وضع كل الأوراق في يد واشنطن وحدها، وربما أسهم الرئيس وجود ترامب دون أن يقصد في هذه المسألة، من خلال تراجعه التدريجي من مسارح في المنطقة، وترسيخ منهج الصفقات في إدارته مع دول كثيرة.

امتلكت القاهرة خلال فترة ترامب مساحة واسعة للحركة، شرقا وغربا، وشمالا وجنوبا، ما عزز فكرة تقليل التعويل على واشنطن، تحسبا ليوم تتغير فيه الإدارات، والتخلص من غالبية عناصر التوتر الأمني في الداخل واسترداد جزء معتبر من الأمن والاستقرار، وامتلاك قوة عسكرية وفرت لمصر وضعا استراتيجيا مؤثرا.

ويشير الفريق الأول (المؤيدون) إلى أن الصدام مع النظام المصري بدأ منذ عهد الرئيس الديمقراطي باراك أوباما، وبايدن نفسه كان نائبا له لمدة ثماني سنوات، عندما جرى عزل الرئيس الإخواني محمد مرسي عام 2013 في عنفوان عصر أوباما وفريقه، واستمر الرجل نحو ثلاثة أعوام بعد ذلك ولم يستطع أخذ ثأر الإخوان بأي وسيلة.

يعرف المعارضون للنظام المصري أن بايدن يأتي مثقلا بهموم داخلية خلفها ترامب، ويريد معالجتها أولا، ويعرفون أيضا أن القوة التي أصبحت عليها الدولة المصرية لن تخول له ممارسة ضغوط لإعادة الاعتبار للإخوان أو غيرهم، لكن كل ما يردونه هو حث فريقه على ممارسة ضغوط مكثفة لتوسيع الهامش الديمقراطي، أملا في نزول الملعب السياسي في مصر مرة أخرى.

هذه نقطة نسبية، تصعد أو تخفت، وفقا للأجواء السياسية، وتلعب فيها المؤسسة الأميركية العريقة دورا مهما، ويعد بايدن أحد أبنائها المخلصين لعقود طويلة، وتحددها مجموعة ثوابت، أبرزها: الحفاظ على أمن إسرائيل وتفوقها العسكري، وعدم السماح لإيران بالقبض على مفاصل الأمن في المنطقة، وضمان تدفق النفط إلى العالم، وأن تكون واشنطن عليمة بالتطورات الإستراتيجية قبل حدوثها، مثل الحرب والسلام.

تتفهم غالبية الدول الحليفة لواشنطن هذه المحددات، بما فيها مصر، بينما تخضع عملية الحريات والقيم الأميركية الخاصة بها لحسابات متغيرة، ولا توجد ممانعات لدى القاهرة في زيادة جرعة الانفتاح، وثمة مؤشرات ظهرت مؤخرا تدل على ذلك، وهو ما ربطه البعض بتزايد حظوظ بايدن في الفوز.

لدى الإدارة المصرية تقديرات سابقة، من قبل صعود نجم بايدن، تفيد بأن التضييق في الفضاء العام علامة سلبية، ودارت أحاديث طويلة حول ضرورة القيام بإصلاحات سياسية وفتح الأبواب والنوافذ للحريات كحاجة مصرية ملحة وليس استجابة لضغوط خارجية، ولم تتوقف على مدار السنوات الماضية في وجود ترامب.

نجح النظام المصري في تثبيت أقدامه، وتخلص من منغصات عديدة اتخذت ذريعة لخفض سقف الحريات العامة، لذلك لم تعد سياسات التضييق مقنعة لكثيرين، ومن الواجب عدم التلكؤ في تطبيق إصلاحات، بصرف النظر عن ساكن البيت الأبيض.

أوهام الإخوان

صورت جماعة الإخوان صعود بايدن بأنه يعني العودة لتصدر المشهد في مصر، والاستفادة من ضعف الأحزاب، وهشاشة البيئة التي تعمل فيها ولم تفرز قوى سياسية صلبة، وإتاحة الفرصة لتطبيق ألاعيبها السابقة، وتتجاهل مجموعة من العوامل، تحد من قدرتها على تكرار تجاربها السابقة، أو إعادة إنتاجها في طبعة بايدن الجديدة.

تغافل الإخوان أن بايدن، الذي ألمح بعبارات تميل إلى السلبية بشأن إدارة الرئيس السيسي (كجنرال مفضل لترامب)، استخدم كلمات أشد قسوة حيال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ووجه إليه انتقادات حادة على تصرفاته في المنطقة، ما يؤكد أن مشروعه الإسلاموي القائم على عودة الخلافة لن يروق للرئيس الجديد.

كما أن انحيازات ترامب لأردوغان كانت مادية وناصعة وأكثر أهمية من دعمه المعنوي للسيسي، فالرئيس التركي حصد مكاسب نوعية، وتعرض لتهديد بعقوبات لم ينفذ منها سوى النذر اليسير، وقد يكون مستقبله أشد وطأة في عهد بايدن، فإذا أعلى من معيار الحريات ومعاقبة منتهكي حقوق الإنسان سوف تكون النتيجة ضد أردوغان.

يصب الموقف العالمي من التيار الإسلامي في صالح مصر على حساب الإخوان وتركيا، حيث أوجدت الأحداث التي تعرضت لها فرنسا والنمسا أخيرا تيارا مناهضا للتنظيمات الإسلامية بأطيافها، ويمكن أن تتجه نحو شمولية التعامل معها، وحل عقدة التناقضات التي وقعت فيها على مدار عقود، الأمر الذي طالب بتحاشيه الرئيس السيسي مرارا، وحذر من مغبة احتضان المتطرفين بحجة الحرية.

تريد الدول الأوروبية ترميم العلاقة مع واشنطن، بعد أن أحدثت فترة ترامب هزة كبيرة في القواسم المشتركة معها، هددت بتفسخ حلف الناتو والاتحاد الأوروبي.

وإذا استرشد بايدن بثوابت المؤسسة الأميركية سوف يعود إلى حضن أوروبا أو هي تعود إلى واشنطن، لا فرق، ويتقاسمان الهموم والأزمات، ومن بينها تعديل طريقة التعامل مع تركيا، واستخدام قبضة حديدية مع من يريدون نشر الفوضى في الغرب من التيارات الإسلامية، وهو ما يصلح معه المثل العربي “على أهلها جنت براقش”.

اكتسبت الحكومة المصرية، وغيرها من الحكومات العربية، خبرة كبيرة في التعامل مع الإخوان، وعرفت أساليب تسلل الجماعة إلى قاع المجتمع وآليات التأثير فيه، وألمت بحيلها السياسية والأمنية، ما أفضى إلى تغير في المشهد العام، بما لا تصلح معه الأدوات السابقة، فإذا افترضنا، وهذا أمر صعب، أن الجماعة سوف تفتح لها طاقة أمل للعمل في النور بمصر، فلن تستطيع تكرار خداع الآخرين.

يضاف إلى ذلك، أن شريحة كبيرة في المجتمع المصري أصبحت رافضة لعودتها، ما يفرض قيودا صارمة على النظام الحاكم في أي مصالحة سياسية، وهو الذي أكد أن أي خطوة إيجابية في هذا الاتجاه ستكون منسجمة مع البوصلة التي يحددها الشعب وليس الحكومة، وبما أن الوعي الجمعي لا يتقبل حاليا الإخوان وأعوانهم بعد أن جرى تجاوز رؤيتهم وفضح منهجهم، ستظل الجماعة على الحافة وقابلة لمزيد من السقوط.

*كاتب مصري

زر الذهاب إلى الأعلى