يبدو أن إحلال السلام بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي وفق بنود اتفاق الرياض الذي رعته المملكة العربية السعودية منذ أكثر من عام بات بعيدا، فبعد شهور طويلة من التفاوض لا يزال الخلاف مستمرا بشأن توزيع الحقائب الوزارية وبشكل خاص الأمنية والعسكرية.
ولم تفلح الضغوط السعودية المعلنة في تثبيت وقف إطلاق النار، وزادت حدة الاشتباكات ما قد ينسف جهود السلام والاتفاق كليا وتعود الأمور إلى نقطة الصفر.. الأمر الذي يطرح تساؤلا: هل انتهى اتفاق الرياض؟
وردا على هذا التساؤل، قال رئيس تجمع القوى المدنية الجنوبية في اليمن، عبد الكريم سالم السعدي: “الاشتباكات الجارية بين قوات الانتقالي والشرعية في المحافظات الجنوبية ضحيتها هم الجنوبيون وليس غيرهم، والمقاومة الجنوبية غير مشاركة في تلك الاشتباكات كما يروج إعلام الطرفين”.
واندلعت يوم الجمعة معارك في عدة جبهات بين القوات الحكومية الموالية للإصلاح وقوات “المجلس الانتقالي الجنوبي” بمحافظة أبين في جنوب شرقي اليمن.
ويوم الاثنين الماضي، قُتل وأصيب 13 شخصاً على الأقل من الجيش اليمني وقوات المجلس الانتقالي، في مواجهات تخللها قصف متبادل بين الجانبين في جبهة الطَرية شرقي زُنجبار.
وأضاف السعدي في اتصال هاتفي مع “سبوتنيك”: “منذ البداية طرحنا رأينا حول اتفاق الرياض لأنه غيب القضايا الوطنية واعتمد على صناعة الوكلاء، حيث ذهب إلى صناعة الانتقالي واستنهض الشرعية كطرف ثان على الرغم من أن هناك أطراف أخرى تحمل قضايا وطنية كان يجب أن تحضر”.
واستطرد: “من المفترض حضور القضايا قبل الأطراف والشخوص، كان يجب أن تحضر القضية الجنوبية التي كانت سبب من أسباب الحرب، ويحضر الحوثي أيضا والذي كان سببا من الأسباب الرئيسية للحرب وتناقش القضايا بشفافية”.
وأكد رئيس تجمع القوى المدنية أن: “الوضع الراهن الآن يدل على إفلاس كل الأطراف وأنهم يبحثون عن وضع جديد مغاير لكل ما هو موجود على أرض الواقع الآن، حيث أن ما يسمى باتفاق الرياض ومخرجاته فقدت مصداقيتها وإمكانية التطبيق، الآن نحن أمام واقع جديد وهناك طرف يتجه إلى الحسم تقريبا”.
وأضاف: “هناك طرف (المجلس الانتقالي) تم إجباره على أن لا يقبل ببعض بنود اتفاق الرياض مثل الشق الأمني والعسكري، وليس الانتقالي هو من يرفض ولكن الطرف الداعم له (الإمارات) هو الذي يرفض، وبالتالي من الصعب تنفيذ الاتفاق إلا إذا تم العودة إلى نقطة الصفر وبدء مفاوضات جديدة واستدعاء القوى الحقيقية التي تحرك الشارع”.
وأوضح السعدي أنه “بعد أول توقيع لاتفاق الرياض وعندما عادت قيادة الانتقالي التي تدعي السيطرة على الجنوب اليوم، عادت وهى تحمل الشروط لتنفيذ الشق الأمني والعسكري، لكنها لم تستطع فرض ذلك على “الميليشيات” الموجودة، وقد شاهدنا لقاء قادة الانتقالي بعدد من قادة “المليشيات”، وهذا كان دليل واضح على عدم سيطرة الانتقالي وأنه مجرد “مليشيا” من مجموعة مليشيات موجودة على الساحة”.بحسب كلام السعدي.
وأضاف: “أغلب تلك “المليشيات” ولاؤها للطرف الإماراتي، لذا علينا أن نسعى إلى واقع الساحة الحقيقي وليس ما يضخه الإعلام من تزوير للحقائق، الجنوب اليوم تتنازعه أكثر من ميليشيا ولائها لأكثر من طرف، وحتى المليشيات التي تخضع لطرف واحد، لا تتبع قواتها نفس غرفة العمليات، بل كل قائد مليشيا يتعاطى مع داعميه بشكل مباشر”.
من جانبه قال الخبير العسكري والاستراتيجي اليمني العميد ثابت حسين إن “ما يدور من اشتباكات في الجنوب بين قوات الشرعية والانتقالي الجنوبي ليست الأولى وإن كانت هى الأعنف، وإن كنت أعتقد أن هذا التصعيد يسبق تشكيل وإعلان الحكومة المشتركة بين الطرفين، ويبدو أن الحكومة كانت جاهزة للإعلان، لكن هناك بعض الشخصيات تحاول عرقلة إعلان الحكومة أو بشكل عام عرقلة تنفيذ اتفق الرياض”.
وأضاف في اتصال هاتفي مع “سبوتنيك”: “رغم كل التعقيدات والعقبات، لكنني لا أتصور أن الطريق قد قطع تماما بشأن تطبيق اتفاق الرياض وتشكيل الحكومة، لأن التحالف وبشكل خاص السعودية، ما زالت تمتلك أوراق ضغط على الطرفين من أجل إعلان الحكومة وتنفيذ بنود الاتفاق”.
وأشار الخبير العسكري إلى أن “كثرة التصريحات من الطرفين عن قرب إعلان تشكيل الحكومة يؤكد أنهما مصممان على المضي قدما في هذا الطريق، وفي اعتقادي أن من يقومون بتفجير الأوضاع كلما اقتربنا من التوافق ربما هى عناصر خارج السيطرة عن الشرعية على سبيل المثال، ومنهم بعض الأسماء تتحدث بشكل صريح مثل الوزراء الذين سيخرجون حال تشكيل الحكومة الجديدة، هؤلاء ليس لهم مصلحة حقيقية في تنفيذ الاتفاق ولا في إعلان الحكومة، وهؤلاء يمكنهم تعطيل الاتفاق بعض الوقت، لكن ليس بإمكانهم منع تنفيذه، فما زالت الكرة في ملعب السعودية والتي بإمكانها ممارسة ضغط أكبر وأقوى على الطرفين وبالذات على الشرعية”.
ووقعت الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي اتفاق مصالحة بوساطة سعودية بعد الأحداث الدامية بين الجانبين في أغسطس /آب من العام 2019، والتي راح ضحيتها العشرات بين قتيل وجريح، غادرت على إثرها الحكومة اليمنية العاصمة المؤقتة عدن.
وجرى التوقيع على الاتفاق في العاصمة السعودية الرياض، في 5 نوفمبر 2019، برعاية الملك سلمان بن عبد العزيز، وحضور ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، والرئيس اليمني عبدربه منصور هادي وولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد، ورئيس المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزبيدي.
ومثّل الحكومة اليمنية في توقيع الاتفاق سالم الخنبشي، فيما مثّل المجلس الانتقالي الدكتور ناصر الخبجي، ويستند الاتفاق على عدد من المبادئ أبرزها الالتزام بحقوق المواطنة الكاملة ونبذ التمييز المذهبي والمناطقي، ووقف الحملات الإعلامية المسيئة.