حوار مثير مع زعيم البهائيين في اليمن هو الأول له بعد نفيه يكشف علاقته بالإمارات وإسرائيل وتفاصيل خطيرة عن إيران والحوثيين

تحدث زعيم البهائيين في اليمن، حامد بن حيدرة للمرة الأولى منذ نفيه، أواخر تموز/يوليو الماضي, مستعرضاً تجربته القاسية، رفقة مواطنين يمنيين آخرين من أفراد ديانته تم نقلهم إلى خارج البلد، بعد عديد سنوات قضوها في سجون سلطات الأمر الواقع في صنعاء.

وقال “بن حيدرة”، في هذا الحوار الموسع مع صحيفة “الشارع”, إنهم سبق وأن تعرضوا للاعتقال إبان نظام الرئيس السابق علي عبدالله صالح، عام 2008، قبل صدور قرار “بإطلاق سراحهم لبراءتهم”, مشيراً إلى أن “الاضطهاد الحقيقي والمنهجي ضدهم بدأ عام 2014 في صنعاء، وهو في تزايد منذ ذلك الحين”, حد تعبيره.

البهائي البارز اتهم ما أسماها بـ “بعض الشخصيات المحورية” الذين “تم تدريبهم في وقت سابق في إيران”، بالإشراف “على عمليات الاضطهاد والاعتقال والتعذيب” ضد البهائيين في اليمن بعد 2014, مؤكداً، في سياق حديثه، “أن هذا المستوى من الاضطهاد المنهجي ضد البهائيين لا وجود له اليوم في العالم سوى في منطقتين فقط هما: إيران والمناطق الحوثية في اليمن”, حيث يشير إلى أن النظام في طهران “يمارس أشد أنواع الاضطهاد ضد البهائيين منذ قيام الثورة في إيران قبل حوالي 40 عاماً”.

في هذا الحوار، يتحدث “بن حيدرة”، المعروف بـ “زعيم البهائيين في اليمن”، عن كثير من القضايا. إلى الحوار:

حاوره نشوان العثماني:

* حدثنا قليلاً، سيد حامد، في مستهل هذا الحوار مع صحيفة “الشارع”، عن ماهية الديانة البهائية، وكيف اعتنقتها أنت وبقية المؤمنين بها في اليمن؟ من هو بهاء الله، إذا ما أردتم تقديمه للناس؟ وما الجديد الذي أضافه ولم يكن موجوداً من قبل، وهل هو آخر الأنبياء وفق إيمانكم؟

إن الدين البهائي هو دين توحيدي عالمي مستقل له أحكام وتعاليم ومؤسسات خاصة به.

نشأ الدين البهائي في عام 1844م (أواسط القرن التاسع عشر)، وهو متواجد اليوم في كافة دول العالم. حضرة بهاء الله هو مؤسس ورسول الدين البهائي، ويؤمن البهائيون بأنه استمرار لسلسلة متتابعة من الرسالات الإلهية التي تُبْعَث في كل عصر من أجل التقدم والرخاء الروحي والمادي للبشرية.

يؤمن البهائيون بأن الأديان تأتي من المصدر الإلهي ذاته، وهي بمثابة فصولٍ متتابعة لدين واحد مصدره الخالق العظيم. هذه الأديان جلبت الهدي والقيم والرؤى للمجتمعات البشرية من خلال الآيات الإلهية في كل عصر. ويؤمن البهائيون بأن البشرية في هذا العصر في حاجة ماسة إلى رؤية موحدة تجاه مستقبل المجتمع البشري، وطبيعة الحياة والهدف منها، وبأن هذه الرؤية تتكشف من خلال آلاف الآيات والرسائل والكتب التي جاء بها حضرة بهاء الله. في آثاره الكتابية، وضع الخطوط الرئيسية لإطار عمل يهدف إلى تطور حضارة عالمية تأخذ بعين الاعتبار البعدين الروحي والمادي لحياة الإنسان.

حامد بن حيدرة

– هل البهائية ديانة تبشيرية دعوية، كالبوذية والمسيحية والإسلام، بحيث أنكم تدعون اليمنيين إلى اعتناقها؟ وفيما تختلف ديانتكم عن الأديان الأخرى (ما الديانة الأكثر شبهاً بها)؟ على غرار أركان الإسلام الخمسة، ما أركان البهائية، وما هي طقوسها (الصلاة والصوم والحج مثلاً.. إلخ)؟ ما اسم دور عبادتكم؟ وهل لديكم قِبْلَة كمَكَّة، أو القدس، مثلاً؟

من حيث المبدأ البهائيون لا يمارسون التبشير، والضغوط الناعمة، أو الإغراء المادي، أو تقديم المساعدات، للتأثير على معتقدات الناس، لأن ذلك يخالف أساس معتقدهم. من الطبيعي أن يُعَبِّر الإنسان عن معتقده وأفكاره، إذا ما سئل عن ذلك ولا يعتبر ذلك تبشيراً، كما أنه لا يعيب الإنسان الذي يؤمن إيماناً صادقاً بعمل الخير وخدمة المجتمع أن يعتز بمعتقده وأن يتحدث عنه إذا ما دار الحديث حول ذلك.

تؤكد المعتقدات البهائية على مبادئ جوهرية، مثل وحدانية الله، ووحدة الدين، ووحدة البشر، والتحرر من التعصبات، والعزّة المتأصلة في الإنسان، والظهور التدريجي للحقيقة الدينية، وتطوير الخصال الروحية والقيم الأخلاقية النبيلة، وتكامل العبادة والخدمة، والمساواة الأساسية بين الجنسين، وأهمية الصدق والأمانة والعفة والسلوك القويم، وتناغم الدين والعلم، ومحورية العدل في كل المساعي البشرية، وأهمية التعليم، وغيرها.

البهائيون ينظرون لكافة الأديان والمعتقدات بدرجة عالية من الاحترام والتقدير. والآثار الكتابية البهائية حافلة بالنصوص التي تعظم شأن الإسلام ومكانة الرسول (سيد المرسلين) والقرآن الكريم، وتعتبر الإيمان بحقيقة الإسلام، وسائر الأديان، من مسلمات الإيمان برسالة حضرة بهاء الله. وبالنسبة للشرائع التي ذكرتها فهي موجودة في كل الأديان، ومنها البهائية، ولكن يختلف تطبيقها بحسب أحكام الدين نفسه.

– ما هو الكتاب الأقدس الخاص بنصوصكم المقدسة؟ ما وجه الشبه بينه والقرآن؟ وما لغته الأصل؟ وهل تمت ترجمته للعربية ومتى؟ وهل يلزم معتنقو دينكم تعلم اللغة الأصل لكتابكم؟

اسم الكتاب هو “الأقدس”، وهو كتاب الشرائع في الدين البهائي، كما قد أشرت إليه سابقاً، فإن كل الأديان أصلها واحد من عند الله سبحانه وتعالى، وهي تتابع في الظهور على مر العصور من أجل هداية البشرية بحسب الزمان والمكان، ولأن لحن الله واحد، وتدركه القلوب المؤمنة، فدائماً نرى التشابه في الكتب المقدسة، لكن الفروقات هي في تطور إدراك البشر على مر السنين والعصور.

أُنزل الكتاب “الأقدس” على حضرة بهاء الله باللغة العربية، فالعربية هي اللغة الأصلية لكتاب الأقدس، وطبعاً تمت ترجمته إلى عدة لغات لتكون في متناول الجميع سواء من آمنوا بالرسالة البهائية، وهم من مختلف شعوب ولغات العالم، ومتواجدين في جميع الدول تقريباً، أو سائر أهل العالم. وللعلم فهو ليس الكتاب الوحيد بالنسبة للبهائيين، فخلال فترة بعثة حضرة بهاء الله نزلت العديد من الكتب والألواح. ما يقارب من 60% من الآثار الكتابية في الدين البهائي هي باللغة العربية.

حضرة عبدالبهاء

– كيف هي الأسرة في الدين البهائي؟ هل هناك تعدد الزوجات، وكم يُسمَح للرجل أن يتزوج؟ وهل تحددون سن الزواج؟

الأسرة نواة المجتمع، فهي توفّر بيئة حيوية لتطوير الخصال والقدرات الممدوحة من خلال الأداء المتآلف للأسرة، وتقوية أواصر المحبة التي تجمع أعضاءها والحفاظ عليها. تجسّد الأسرة دوماً حقيقة أن رفاه الفرد مرتبط ارتباطاً لا ينفصم عن تقدُّم ورفاه الآخرين.

إن دور الأسرة الأساسي هو تربية أطفالٍ يتحملون مسؤولية نموهم الروحي والمساهمة في تقدم الحضارة معاً. يتفضل حضرة عبد البهاء “إنه فرض عين على الأب والأم أن يقوما بتعليم وتربية ابنتهما وابنهما بمنتهى الهمّة”، فالآباء والأمهات البهائيون يتحملون المسؤولية الأولى تجاه تربية أطفالهم وعليهم أن يضعوا هذه الفريضة في الاعتبار دوماً. إلا أن تعليم الأطفال ليس مسؤولية الوالدين فقط، فللمجتمع أيضاً دور هام عليه القيام به. البهائيون يولون اهتماماً كبيراً بهذا الموضوع، لذا تجدهم دائماً يهتمون بأي عمل يساهم في التربية الأخلاقية والإنسانية والروحية للأطفال والنشء، ويحرصون أن يكون ذلك بالتشارك مع الجميع على تعزيز قيم الإخاء والمحبة بين الجميع، لأنه من الأنانية أن أفكر في أطفالي فقط وأنسى أطفال أقاربي وجيراني وأحبابي.

في الدين البهائي، لا يجوز تعدد الزوجات، بل المسموح هو الاكتفاء بالزوجة الواحدة لسببين رئيسيين: أولاً: من المنظور البهائي، فالرجل والمرأة متساوون في الحقوق، وبالتالي كلاهما لهما ذات القيمة الإنسانية في الأسرة، وثانياً: الهدف، كما ذكرنا سابقاً، هو تكوين أسرة موحده تكون نواة للمجتمع.

التعاليم البهائية لا تجيز زواج القُصَّر، فلا يجوز لدينا الزواج قبل البلوغ الجسدي والفكري لكلا الطرفين، والذي يتحقق غالباً بعد الخامسة عشرة، كما أن التعاليم البهائية تؤكد على طاعة قوانين الدول التي تنظم سن الزواج حرصاً على مصلحة الأبناء والبنات، وبالتالي عندما يحدد القانون سن الزواج بالثامنة العشرة فإن البهائيون يعتبرون إطاعة ذلك واجباً إيمانياً.

– ما التقويم الزمني لديكم؟ وما هي أسماء الشهور الخاصة بكم؟

لقد تبنت الأمم المختلفة، في أزمنة متنوعة، طرقاً عدة لقياس الزمن ولتثبيت تواريخ الحوادث، ولا تزال حتى الآن عدة تقاويم مختلفة موجودة، كالتقويم الغريغوري الميلادي في غربي أوروبا، والتقويم اليولياني في كثير من أقطار شرقي أوروبا، والتقويم العبري بين اليهود، والتقويم الهجري في الأقطار الإسلامية. وقد وضع حضرة الباب تقويماً جديداً لا يستندُ إلى الأشهر القمرية بل إلى السنة الشمسية.

وبموجب التقويم البهائي، تتألف السنة من 19 شهراً، وكل شهر من 19 يوماً، فهذه 361 يوماً، وتضاف إليها “الأيام الزائدة” (وعددها أربعة أيام في السنة البسيطة أو خمسة أيام في السنة الكبيسة) بين الشهر الثامن عشر والشهر التاسع عشر ليلائم التقويم البهائي السنة الشمسية. وقد سمّى حضرة الباب الأشهر على أسماء صفات الله عز وجل. وتتثبت السنة البهائية تثبيتاً فلكياً وفقاً لتثبيت بداية السنة الشمسية, في يوم الاعتدال الربيعي (وذلك عادة في 21 آذار/ مارس).

وأسماء الأشهر في التقويم البهائي هي كالآتي:

التسلسل   اسم الشهر   بداية الشهر وفق التقويم الميلادي

1)        شهر البهاء    21 آذار (مارس)

2)        شهر الجلال   9 نيسان (أبريل)

3)       شهر الجمال   28 نيسان (أبريل)

4)       شهر العظمة  17 أيار (مايو)

5)       شهر النور    5 حزيران (يونيو)

6)        شهر الرحمة  24 حزيران (يونيو)

7)         شهر الكلمات  13 تموز (يوليو)

8)        شهر الكمال   1 آب (أغسطس)

9)         شهر الأسماء 20 آب (أغسطس)

10)     شهر العزة    8 أيول (سبتمبر)

11)     شهر المشيئة  27 أيول (سبتمبر)

12)    شهر العلم     16 تشرين الأول (أكتوبر)

13)    شهر القدرة   4 تشرين الثاني (نوفمبر)

14)    شهر القول   23 تشرين الثاني (نوفمبر)

15)    شهر المسائل  12 كانون الأول (ديسمبر)

16)    شهر الشرف  31 كانون الأول (ديسمبر)

17)    شهر السلطان  19 كانون الثاني (يناير)

18)    شهر الملك 7 شباط (فبراير)

أيام الهاء الأيام الزائدة من 26 شباط (فبراير) إلى أول آذار (مارس)

19)   شهر العلاء 2 آذار (مارس)

– ما حكم من كان بهائياً وأراد اعتناق دين آخر أو ألحد؟ وما علاقة الدين البهائي بالدولة؟

الإيمان في الدين البهائي يتم بقناعة الإنسان التامة وليس بالإجبار أو الوراثة. المبدأ الأساسي هو أن الإيمان علاقة شخصية بين الفرد وخالقه. الإنسان يجب أن يكون صادقاً، وأهم مستويات هذا الصدق أن يكون صادقاً مع نفسه ومع خالقه، وهذا مهم جداً، لأن الإيمان ليس سباقاً عددياً بل حالة وجدانية تغير الإنسان نحو الأفضل. لذا إذا افترضنا أن فرداً بهائياً تغيرت قناعته، وقرر تغير إيمانه بالدين البهائي، إلى أي معتقد أو فكر آخر، فهذا شيء شخصي لا توجد عليه أحكام تبعية في الدين البهائي. أما العلاقة بين الأفراد فيربطها الجانب الإنساني الذي يجب أن يستمر دائماً مهما كان إيمان الشخص من أجل استمرار علاقة المحبة والاتحاد بين البشرية.

واحدة من أهم التعاليم البهائية هي عدم التدخل في الشؤون السياسية والحزبية، وعدم السعي للحصول على أي مناصب أو مكاسب سياسية، وعدم المشاركة في أي نشاط يؤدي إلى التحزب والشقاق. فالبهائيون حول العالم ينظرون إلى الحكومات في المجمل بأنها كيانات محترمة تسعى لتسيير أمور الحياة وتطور المجتمعات، لذا فإنهم مطيعون لقوانين أي بلد يعيشون فيه ويحبون أوطانهم ويسعون لخدمتها، ولا يشاركون في أي نشاط من شأنه الإضرار بمجتمعاتهم وبلدانهم. التعاليم البهائية تُحرِّم بشدة القيام بأي عمل من شأنه إيجاد الصراعات، أو الإخلال بالانتماء للوطن، أو يتسبب في العنف، أو التحزب، أو التفرقة. النصوص البهائية تؤكد على ذلك بوضوح، كما أن ذلك مشهود من خلال سلوك البهائيين في كافة دول العالم طوال تاريخ الدين البهائي.

التعاليم البهائية تدعونا بوضوح إلى أن نتعامل ونتعايش مع الجميع بغاية المحبة والصدق. يقول الكتاب الأقدس: “عاشروا مع الأديان بالروح والريحان”؛ بالتالي يلاحظ أن البهائيين أينما كانوا في العالم لا ينعزلون في مكان واحد أو حيّ واحد أو مدينة واحدة. ديننا يعلمنا أن نرى الجميع إخوة لنا بالتساوي، بل ونؤثرهم على أنفسنا، وأن نرى خدمة الآخر ومحبته ركنا من أركان توحيد الله عز وجل، فهو الذي خلق بمشيئته كافة البشر بتنوع أفكارهم وتباين أطيافهم. فالتعاليم البهائية تُعَلِّم البهائيين أينما كانوا أن يُخلِصُوا الهمة في خدمة مجتمعاتهم بروح من المشاركة والتعاون مع الجميع والعمل مع أبناء مجتمعهم من أجل تطور وتقدم أوطانهم.

– ما هو تصور البهائية لعالم ما بعد الموت؟

لقد أعطانا “حضرة عبدالبهاء” [أكبر أبناء “حضرة بهاء الله”] مثالاً جيداً لعلاقة هذا العالم بالعالم الآخر, شبَّهه بالجنين في رحم الأم، الذي يتطور وتتكامل عيناه وأذناه ويداه ورجلاه ولسانه مع عدم قدرته على السمع أو البصر. إنه لا يستطيع المشي أو التكلم أو الفهم في رحم الأم، ولكن جميع هذه القدرات تتطور وتتكامل من أجل هذا العالم؛ أي عالمه ما بعد الولادة. وإذا حاولت تفهيم الجنين ماهية عالمنا هذا فإنه لا يستطيع الفهم. ولكن عندما يولد يستطيع فهم العالم ويمكنه الاستفادة من قدراته ويدرك أهمية الأعضاء التي اكتسبها في عالم الرحم. وبنفس القياس لا نستطيع نحن في هذا العالم تصور وضعنا في العالم الآخر. كل ما نعلمه هو أن روحنا وشخصيتنا ووجودنا يكون له وضع جديد وإن العالم الآخر هو أفضل من عالمنا، تماماً كما أن عالمنا هذا أفضل من رحم الأم المظلم.

الحياة الأبدية المصرح بها في جميع الكتب السماوية، هي تلك الكمالات الإلهية والمواهب الأبدية والسعادة السرمدية. فالمكافأة الأخروية هي الكمالات والنعم التي تحصل في العوالم الروحانية بعد العروج من هذا العالم إلى العالم الآخر. أما المكافأة الوجودية فهي الكمالات الحقيقية النورانية التي تتحقق في هذا العالم, وتكون سبب الحياة الأبدية؛ لأن المكافأة الوجودية هي رقي نفس الوجود, مثالها الإنسان الذي ينتقل من عالم النطفة إلى مقام البلوغ فيصير مظهر، فتبارك الله أحسن الخالقين. والمكافأة الأخروية هي نعم وألطاف روحانية مثل أنواع النعم الروحانية في الملكوت الإلهي، والحصول على أمنيات القلب والروح ولقاء الرحمن في العالم الأبدي. وكذلك المجازاة الأخروية أي العذاب الأخروي، وهو الحرمان من العنايات الخاصة الإلهية والمواهب التي لا ريب فيها, والسقوط في أسفل الدركات الوجودية، وكل نفس حرمت من هذه الألطاف وإن تكن باقية بعد الموت ولكنها عند أهل الحقيقة في عداد الأموات.

– من هو زعيم البهائية في اليمن حامد بن حيدرة؟ أين ولد وفي أي عام وما تخصصه؟ (نبذة من السيرة الذاتية إن أمكن).

في لحظة استقبال أسرتي لي في المطار، مرّ شريط أحداث هذه السنوات أمام ناظري، وبرؤية ابتسامتهم العذبة حمدت الله كثيراً على سلامتهم، وتذكرت حين مصافحتهم ملامح وجوه كل من ساندونا وساعدونا في مسيرتنا، وفك قيود السجن عنا، ونيل حريتنا في اختيار عقيدتنا واسترداد حقنا الأصيل في ممارسة شعائرنا الدينية بسلام. فلكم جميعاً كل الحب والتقدير والامتنان.

أما عن سؤالك عن زعيم البهائيين في اليمن، لا تعلم كم يزعجني هذا اللقب، وقد كانوا يكررونه في المعتقل عندما يخاطبونني بعبارة “قيادة بهائية”، أو “زعيم بهائي”. وأؤكد أنالبهائيين ليس بينهم “قياديون”، و”غير قياديين”، لا أنا ولا غيري. لا يوجد في البهائية رجال دين، أو رؤساء، أو شخصيات روحية تقوم بهذا الدور. لا يوجد لدينا مثل هذه المناصب، لا في اليمن ولا في أي بلد آخر. بل إننا جميعاً ممنوعين، وفقاً لتعاليم ديننا البهائي، من التدخل في السياسة من قريب أو بعيد. تعاليمنا الدينية تؤكد على مساواة البشر، وتؤكد على عدم وجود زعامات في الدين ولا رجال دين، بل وتؤكد أن لا نقرب العمل السياسي لما فيه من تحزب، وطلب للقوة والسلطة، وهذا كله مخالف لروح وأساس الدين البهائي. نحن كأفراد مسالمين عشنا في وطننا، وكان هدفنا خدمة وبناء اليمن، وشعارنا المحبة والتسامح. فأنا لست سوى مواطن يمني بهائي مسالم، ولدت في “حديبو”. ومع أن السلطات تعلم هدفنا ورأت إنجازاتنا على أرض الواقع، إلا أنها أصرت على تهجيرنا عن وطننا كي يتسنى لهم نهب ممتلكاتنا بعد أن جردونا منها. ومع هذا تظل قلوبنا نابضة بالحب والولاء لجميع مواطني اليمن الشرفاء، ونحن نرفع أكفنا بالتضرع والدعاء إلى الخالق عز وجل أن يهدي النفوس ويحفظ البلاد والعباد, وكما كنت دائماً أقرأ أحد الأدعية البهائية:

“هل من مفرج غير الله قل سبحان الله هو الله كل عباد له وكل بأمره قائمون”.

“قل الله يكفي عن كل شيء وعلى الله فليتوكل المتوكلون”.

أود التحدث عن مفهوم المواطنة، من وجهة نظري، بخصوص سؤالك عن التهمة التي تحملتها طيلة الـ ٧ سنوات، وهي بناء وطن قومي [للبهائيين] في سقطرى. فإنني أرى الوطن، هو وطن القلوب وليس الأرض والتراب, ولم يكن هدفي وهدف والدي من قبلي هو بناء وطن على التراب، بل بالعمل والخدمة التي أديناها حسب تخصصنا لمجتمعنا، كسبنا منه محبة الناس في وطني، الذي أحبه من أعماق قلبي، وكان بيتي مفتوحاً للجميع من الصغير والكبير. أمور الدول والأوطان وإدارتها وقيادتها من اختصاص أهل السياسة، ونحن كما ذكرت لكم مبادئ ديننا البهائي تحرِّم علينا التدخل في التنافسات السياسة وحمل السلاح. السلطة والمناصب لم تكن يوماً هدف البهائيين، ولم تكن ولن تكون هدفي، أما غرس المحبة في قلوب الناس فهي أعظم مأوى وأجمل ذكرى خالدة ستبقى لي في هذه الدنيا وحتى بعد رحيلي عنها.

أكرر شكري لكم جميعاً، ولن ننسى مواقفكم العظيمة، ودوركم البارز في إنهاء هذا الظلم الواقع علينا.. وأمنيتي لكم جميعاً أن يسدد الله خطاكم في إزالة كل عقبة في طريق بناء يمنحر خال من التمييز والتعصب, وزرع بذور التسامح والتآخي بين مختلف الأديان والأفكار والرؤى, وغرس شجرة الوحدة في ظل التنوع كي نعود لنستظل تحت ظلالها الوارفة بأمن وأمان.

– حدثنا عن أنشطتكم في بناء مدرج مطار سقطرى، ومباني شركة الغاز الطبيعي المسال في شبوة.. وطبيعة عمل والدكم، إبان السلطنة في المهرة وسقطرى.. وهل كنتم تعيشون كبهائيين إبان الاستعمار البريطاني لعدن والمحميات الغربية والشرقية؟

قمت ببناء العديد من المنشآت الحكومية والخاصة ومنها في مسقط رأسي سقطرى، كمدرج مطار سقطرى والذي رُسِيَت لي [مناقصة بنائه] بالتكليف المباشر من قبل وزير الأشغال العامة، عبر مكتب رئاسة الجمهورية، نظراً لصعوبة موقع الجزيرة وأهمية مشروع مطار سقطرى، بالنسبة للجميع ومع التحديات الكبيرة التي واجهتني، ومنها أنني أنجزت المشروع في موسم الرياح الشديدة، ولكن بفضل الله تم إنجازه على أتم وجه، وفي فتره قياسية، وتم افتتاحه في موعده المحدد، وبهذا كنت أفتخر بأنني شاركت في خدمة مجتمعي، وخففت من معاناة أهالي الجزيرة. وبفضل الله أيضاً، بنيت سد لمياه الأمطار والسيول هو “سد لاحص”، والذي يعتبر واحداً من أهم السدود والكرفان في سقطرى وإلى الآن. وأيضاً بنيت مباني حكومية وأسوار الوزارات والمدارس.

أما في حضرموت، فقد ساهمت وشاركت وأشرفت على بناء منشآت شركة الغاز الطبيعي المسال (YLNG) في شبوة، التي تعتبر أحد أكبر المشاريع العملاقة في اليمن، نظراً للشركات العالمية التي ساهمت في إنجاز هذا المشروع الحيوي، وأيضاً ساهمت في بناء منشآت خور المكلا.

وكما أن والدي، كمال محمد، المعروف بالدكتور كمال في سقطرى، له خدماته العديدة في الطب والصيدلة, كما أنه استلم شهادة تقدير من عائلة السلطان بن عفرار، نظراً لتميزه في علاج الناس، ومنحه لقبه الخاص “الحيدرة” تقديراً لحبه وتفانيه في خدمة وطنه ومواطنيه وتطوعه لتقديم الخدمات الطبية لأهالي واحدة من أبعد الجزر اليمنية، منذ أكثر من 60 عاماً. وأيضاً والدتي عُرِفَت بخدماتها للأطفال والنساء، فقد كانت تُعَلِّم البنات والسيدات القراءة والكتابة والرياضيات وأيضاً الخياطة، وقد تم تكريمهم من قبل السلطان‌ عيسى بن عفرار، سلطان المهرة وسقطرى آنذاك، لعلمه بما قاموا به من خدمات للجزيرة وأهاليها. ومع أن السلطات الحوثية اليوم، أيضاً، تعلم هدفنا وخدماتنا للمجتمع، ورأت إنجازاتنا على أرض الواقع، إلا أنها أصرت على اضطهادنا، ومن ثم تهجيرنا عن وطننا، بعد اعتقالنا وسجننا بتهم كيدية ستظل في خاطرنا وكأنها تكريم وتقدير بوسام شرف قبل التقاعد.

تشير المصادر التاريخية إلى أن امتزاج تاريخ الدين البهائي بأرض اليمن كان منذ بداياته الأولى. ففي عام 1260 هجرية (الموافق 1844م)، شهد ميناء المخا قدوم حضرة الباب “علي محمد الشيرازي”، المبشر بظهور الدين الجديد، وذلك في رحلته إلى الحج عبر موانئ اليمن في ذهابه وعودته. لم تكن هذه الحادثة التاريخية الهامة نهاية علاقة الدين البهائي باليمن. فعندما حكمت الإمبراطورية العثمانية بحبس “حضرة بهاء الله” في سجن عكا بفلسطين، عادت شواطئ وموانئ اليمن لتشهد مرور أعداد متزايدة من المؤمنين الأوائل بالدين البهائي والمحبين لرسالته؛ فالمسار المائي عبر بحر العرب وباب المندب والبحر الأحمر هو الطريق الذي سلكه جمٌ غفيرٌ من أهل المشرق القاصدين زيارة “حضرة بهاء الله” في سجنه. أسماء معروفة عديدة توقفت في مدن وموانئ هذا المسار بما فيهم عدد من علماء ذلك الزمان. ولربما تكشف الأيام المزيد من المعلومات عن تلك الحقبة الهامة من تاريخ الدين البهائي وما كان يدور من حوار بين أهل اليمن والعابرين من البهائيين.

استمر مرور البهائيين بأرض اليمن السعيد، وتتابع احتكاك أهلها بهم. ونظراً لما يتمتع به أهل “يمن الإيمان والحكمة” من تميز روحي خاص فقد تجذرت محبة “حضرة بهاء الله” تدريجياً في قلوب عدد من أبناء اليمن. هناك، أيضاً، أعداد ليست قليلة ممن تعلقت قلوبهم بالبهائية نتيجة البحث الشخصي في الكتب السماوية والنصوص الدينية المختلفة، ومن بين هؤلاء شخصيات اجتماعية وقبلية معروفة.

تشير القرائن التاريخية إلى تواجد البهائيين في العديد من المدن والقرى اليمنية كصنعاء وتعز وإب وعدن والمكلا والحديدة ولحج والضالع وشبوة وسقطرى وغيرها. وقد ترك العديد منهم بصمات مشهودة في تطور وتنمية مجتمعاتهم. فبهائيو اليمن كانوا من أوائل الذين مارسوا مهناً صحيةً حديثةً في عدد من المدن الرئيسية، وأدخلوا خدمات كالصيدلة وطب الأسنان والعيون وغيرها في مدن كصنعاء ولحج وسقطرى والحديدة وتعز وإب وغيرها. كما ساهم عدد منهم في تخطيط وعمران اليمن الحديث، وشاركوا في وضع اللبنات الأولية في العديد من المجالات التنموية الهامة كالتعليم والصحة والعمران والتجارة.

– ما هي قصتك وبقية السجناء مع السلطات اليمنية سواء إبان الرئيس السابق صالح، أو من بعده سلطة الأمر الواقع في صنعاء؟ متى ظهرت المشكلة وما السبب؟

حدثت، في 2008 و2013، بعض الاعتقالات، واستجواب أشخاص أبرياء لمجرد كونهم بهائيين، وذلك بسبب تحريض بعض الشخصيات ذات الفكر الطائفي. في حينها، تم التحقيق مع البهائيين وفتشوا بيوتهم وأخذوا كافة أوراقهم، وفي النهاية صدر القرار بإطلاق سراحهم لبراءتهم، بل وتم تكريم بعضهم نتيجة خدماتهم الجليلة لوطنهم.

الاضطهاد الحقيقي والمنهجي، بدأ في 2014، في صنعاء، وهو في تزايد منذ ذلك الحين. كل من يتابع الأحداث يعرف بأن هناك موقفاً طائفياً واضحاً وصريحاً ضد البهائيين، وهم [يقصد الحوثيين] يعلنون عن ذلك صراحة في خطبهم وتصريحاتهم. بعض الشخصيات المحورية التي بدأت قضية اضطهاد البهائيين وأشرفت على عمليات الاضطهاد والاعتقال والتعذيب بعد 2014، هم من تم تدريبهم في وقت سابق في إيران، ولهم مناصب ومكانة معروفة لدى الحوثي.

من المهم الإشارة إلى أن هذا المستوى من الاضطهاد المنهجي ضد البهائيين لا وجود له اليوم في العالم سوى في منطقتين فقط هما: إيران، والمناطق الحوثية في اليمن. وهذا بحد ذاته مؤشر مهم، خاصة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار العلاقة الثقافية والسياسية بينهما.

النظام في إيران يمارس أشد أنواع الاضطهاد ضد البهائيين منذ قيام الثورة في إيران قبل حوالي 40 عاماً. في عام 1991، تسربت وثيقة رسمية سرية معتمدة من مرشد الثورة الإيرانية، عُرِفَت بوثيقة “المسألة البهائية”. تؤكد هذه الوثيقة على اضطهاد وملاحقة البهائيين، وتؤكد بوضوح على القضاء على البهائيين خارج إيران ومتابعتهم واقتلاع جذورهم الثقافية. معروف لدى المتابعين للشأن الإيراني مفهوم تصدير الثورة، والذي يركز على تصدير مبادئ الثورة الإيرانية إلى سائر الدول ومن بينها محاربة وملاحقة البهائيين.

هناك ملامح تشابه عديدة بين ما يتعرض له البهائيون في إيران، وبين ما يحدث للبهائيين في صنعاء. وقد أشار مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بحرية الدين والمعتقد، السيد/ أحمد شهيد، إلى هذا التشابه الكبير جداً بين أساليب الاضطهاد التي تمارس ضد البهائيين في كل من إيران وصنعاء. يمكن ملاحظة هذا التشابه الكبير في الأساليب والمنهجية المستخدمة، واللغة التي يستخدمها المسؤولون، وكذلك الإشاعات والأكاذيب التي تروج ضد البهائيين، وغيرها. المجتمع اليمني بطبعه مجتمع متعايش ومعتاد على التنوع الفكري والثقافي والديني. ما يمارس ضد البهائيين حالياً يناقض تماماً طبيعة المجتمع اليمني والقبائل اليمنية ويعتبر أسلوباً دخيلاً على ثقافة اليمن.

– كم ظللت داخل أسوار السجن أنت ومن معك من البهائيين؟ كم عددكم كسجناء، هل تبقى بعض أفرادكم في السجن؟ هل اُعتقلتم جميعاً في وقت واحد أم في أوقات متفرقة؟ ومن أين تم اعتقالكم، من صنعاء أم من محافظة أخرى؟ كيف حدث الاعتقال لكم وبأي ذريعة؟

بالنسبة لي أنا، فقد تم اختطافي من محل عملي في شركة الغاز الطبيعي المسال في شبوة، وقد استمرت فترة اعتقالي ظلماً لمدة تقارب السبع سنوات بتهم كيدية ومفبركة، حتى قرروا أن ينفونا من وطننا، فتم إخراجي فجأة من السجن المركزي في صنعاء إلى المطار مباشرة، وترحيلي من اليمن في تاريخ 30 يوليو 2020.

بالنسبة لزملائي البهائيين، فتم اعتقالهم، أو بالأصح اختطافهم، من قبل جهاز الأمن القومي سابقاً في صنعاء، من مناطق مختلفة؛ على سبيل المثال تم اختطاف أحدهم، وهو في طريق السفر إلى محافظة الحديدة، وهناك آخر اُختُطِف وهو يمشي في الشارع، وغيره من أمام محل عمله، والآخر من وسط فعالية ثقافية تهدف لخدمة المجتمع. كما أنه قد تم اعتقال أحد زملائي البهائيين عن طريق اقتحام منزله بالقوة المسلحة، وإطلاق النار العشوائي. بالنسبة إلى فترات اعتقالهم فإنها تتراوح ما بين الأربع إلى الثلاث سنوات من الاعتقال القهري والقسري تحت ظروف من التعذيب النفسي والجسدي.

كل الاعتقالات كان سببها واحد، وهو كوننا بهائيين. وقد وجهت لنا هذه التهم مراراً وتكراراً خلال سنوات الاعتقال. والشيء الغريب بأن أحد تهمي الشخصية أنا كانت بأني أُرَوِّج لـ “مكارم الأخلاق”! للأسف صارت الأخلاق الحميدة ونشرها تهمة في نظر الحوثيين! وللعلم لا تزال هناك قضية لأكثر من 20 بهائياً قائمة في المحكمة الجزائية المتخصصة في صنعاء بتهم مفبركة توصل أحكامها إلى الإعدام، وهذا شيء لا يؤثر فقط على هذه المجموعة من البهائيين بل سوف يؤثر على جميع البهائيين في اليمن.

للأسف، السياسة التي يتبعها الحوثيون هي سياسة إبادة صامتة تهدف إلى محو إرثنا الثقافي والاجتماعي كما هي نوع من أنواع جرائم التطهير الديني المنهجي.

– هل طرح عليكم ترك الديانة البهائية والعودة إلى الإسلام؟ هل كنتم أساساً مسلمين من قبل؟ ولماذا تمسكتم بقوة بديانتكم وسط هذه المخاطر؟

للأسف كان هناك دائماً ضغوط بالترهيب لترك ديننا البهائي، ولكن كنا نوضح لهم بأن إيماننا بالدين البهائي لا يأتي من ترهيب أو ترغيب بل نحن مؤمنين بالدين البهائي عن دراسة وقناعة كاملة.

واحدة من أهم مبادئ الدين البهائي هو مبدأ تحري الحقيقة، وهذا المبدأ يلزمنا كبهائيين التحري في ديننا قبل أن نعلن إيماننا به ولهذا، بغض النظر إذا كنت ولدت في عائلة بهائية أو لا، فيجب عليك دراسة الدين البهائي، وهذا سبب تمسكنا بإيماننا رغم كل التحديات التي مرينا بها والتي ما زلنا نمر بها نحن في المنفى أو بقية زملائنا البهائيين في اليمن.

– أين تتواجدون الآن؟ هل اخترتم البلد الذي نُقِلتم إليه أم اختير من قبل الوسطاء؟

نحن والحمد لله متواجدون في أماكن آمنة في أوروبا، ونحاول نتابع العلاج للمشاكل الصحية التي واجهتنا خلال فترة اعتقالنا التعسفي. هناك الكثير من الدول التي تناصر مبدأ حقوق الإنسان، والتي كان لها الفضل، بعد الله سبحانه وتعالى، في استقبالنا.

نحن لم نختر بلد النفي، بل إننا لم نكن نرغب أبداً أن نبتعد عن وطننا، وعن أهلنا وأقاربنا وأحبابنا. السجين لا يختار ما يَفعل به السجّان، خاصة في وضع الاضطهاد الذي نعاني منه. ما حدث أن الظروف كانت تزداد سوءاً يوماً بعد يوم، سوء المعاملة وانتشار المرض زاد من خطورة الوضع على حياة السجناء. وفي الوقت نفسه، كانت هناك جهات عديدة محلية ودولية تعمل من أجل إنهاء الاضطهاد وإخراجنا من سجون صنعاء. هذه المنظمات كانت بين خيار تركنا للموت، أو قبول فكرة إخراجنا إلى المنفى، نحن لا نلوم من حاول مساعدتنا بل نلوم من يمارس الاضطهاد، وكان السبب الحقيقي في النفي. وللعلم، رغم أنهم قاموا بنفينا إلا أنهم مستمرون في محاكمة البهائيين، ويدعون بأننا فارون من العدالة. أي أن الجلاد يقوم بسجنك وتعذيبك ونفيك من وطنك، ثم يلومك بسبب وجودك في المنفى، هذه معادلة ظالمة سيتذكرها التاريخ.

– كيف أعلنتم عن وجودكم كبهائيين؟ هل اعتقالكم أعلن هويتكم أم أعلنتم عن أنفسكم من قبل بمحض إرادتكم؟ ولماذا؟ كم عدد المؤمنين ببهاء الله في اليمن اليوم؟

كما أشرت سابقاً، فإن المصادر التاريخية تشير إلى أن امتزاج تاريخ الدين البهائي بأرض اليمن كان منذ بداياته الأولى. ففي عام 1260 هجرية (الموافق 1844م) شهد ميناء المخا قدوم حضرة الباب “علي محمد الشيرازي”، المبشر بظهور الدين الجديد، وذلك في رحلته إلى الحج عبر موانئ اليمن في ذهابه وعودته. ولهذا البهائية مرتبطة باليمن منذ زمن بعيد.

البهائيون بطبيعة معتقدهم لا يبحثون عن الظهور والشهرة، ولا يتدخلون في الشؤون السياسية والتنافسات الحزبية، ولا يسعون للمناصب القيادية، ولا شأن لهم بالنزاعات والتنافسات والصراعات. بالتالي هم خارج دائرة الاهتمام الإعلامي اليومي. في المقابل يرى البهائيون بأن من واجبهم الوطني والإيماني أن يساهموا في خدمة المجتمع والمشاركة في الأعمال التطوعية والمساهمة في تنمية المجتمع والبلاد، وهذا كان اهتمامهم طوال العقود الماضية، والكثير ممن يعملون في هذه المجالات يَعرفون البهائيين ومساهماتهم في هذه المجالات الإنسانية والاجتماعية.

اشتهار قضية البهائيين في السنوات الأخيرة لم يكن نتيجة مساعي البهائيين، بل نتيجة ماتعرضوا له من ظلم واضطهاد طائفي منهجي. عندما يتم إصدار حكم بالإعدام على إنسان بسبب معتقده، أو خطف وتعذيب الأبرياء لمجرد أن دينهم مختلف، أو سجن النساء والقُصَّر بسبب ممارستهم لمعتقدهم، فإنه من الطبيعي جداً أن يجذب ذلك اهتمام وسائل الإعلام محلياً وعالمياً.

ما زاد من شهرة البهائيين، أيضاً، هو الخطاب الطائفي الشديد الموجه ضدهم. الملايين من اليمنيين سمعوا عن البهائية من خلال الخطب في المساجد والبيانات الرسمية التي تنشر ضدهم في الصحف والتلفزيون والإذاعة والإنترنت والتصريحات التي تصدر من كبار المسؤولين الحوثيين في صنعاء عبر وسائل الإعلام. من الطبيعي جداً أن يُثير ذلك فضولَ الناس لمعرفة حقيقة البهائية. هم في الحقيقة من جعلوا قضية البهائيين قضية رأي عام ومثار اهتمام المجتمع اليمني.

يجب، أيضاً، أن لا نَغفل عن الدور الإنساني الإيجابي للمئات من اليمنيين من قانونيين وحقوقيين وإعلاميين وشخصيات قبلية واجتماعية وسائر أبناء الشعب اليمني، الذين استاؤوا من الظلم الذي يتعرض له البهائيون، ومما يتم بثه من كراهية وتحريض ضدهم؛ بالتالي تحدثوا عن القضية ونقلوا الحقائق للمواطن اليمني وللمهتمين حول العالم.

بالنسبة لسؤالك عن عدد المؤمنين بالدين البهائي في اليمن، فإنه يصعب حصر أعداد المؤمنين بأي معتقد في الظروف الحالية، خاصة مع ما يتعرض له البهائيون من اضطهاد، لكن التقديرات تشير إلى أن عدد البهائيين في حدود عدة آلاف ينحدرون من مختلف مكونات وطبقات وقبائل المجتمع اليمني، ويتواجدون في معظم مدن اليمن ومحافظاتها.

– هل أنتم الجيل الأول من المؤمنين بالبهائية في اليمن، أم الجيل الثاني؟ ما عمر البهائية في اليمن، وكيف ومتى وصلت إليها؟

هناك أجيال مختلفة مؤمنين بالدين البهائي، كما أشرت إليه سابقاً، فعلاقة اليمن بالدين البهائي تمتد منذ فترة 1844م إلى الآن، ولهذا هناك الكثير من الأجيال قد مرت منذ اعتناقها للدين البهائي. ولكن من المهم التوضيح أن الدين من المنظور البهائي ليس انتماء توارثي، بل إيمان شخصي. البهائيون الذين يعانون من الاضطهاد الآن هم من مختلف الأجيال، الجيل الأول والثاني والثالث.

– هل كنتم تتوقعون الترحيل من البلد أم ما هو أسوأ؟ وهل تفكرون بالعودة؟ ما تقييمكم لما يحدث لكم، وما مستقبل ديانتكم في اليمن؟

بسبب طابع الظلم المنهجي، الذي كان يتبعه الحوثيون وما زالوا، كنا دائماً نتوقع السوء منهم, ولكن في الحقيقة لم أتوقع أن يصل بهم الحال بأن يرحلونا من وطننا وأرضنا.

للأسف، الحوثيون باستمرارهم باضطهادنا، وعدم توفير المناخ الآمن لوجودنا، خلقوا بيئة غير قابلة لوجودنا، أو وجود عائلاتنا وأطفالنا. دائماً وجودنا ووجود عائلاتنا وأطفالنا هو من ضمن أفكارنا وآمالنا المستقبلية في مناخ من تقبل واحترام التعايش مع الآخر المختلف.

مجتمعنا اليمني أثبت، على مر العصور، بأنه مجتمع يتقبل التعايش مع الآخر المختلف عنه. وإذا نظرنا إلى تاريخ اليمن، فسوف نعرف بأن اليمنيين كانوا ولا زالوا يؤمنون بالتنوع، ولهذا نحن كبهائيين نعلم بأننا من المكونات الأساسية الأصيلة في مجتمعنا اليمني، ولهذا وجودنا مثل وجود غيرنا من مكونات المجتمع، كل الفئات المتعصبة الموجودة الآن في اليمن هي فئات استثنائية لا تمثل المعدن الحقيقي للشعب اليمني.

– وفي ظل وجودكم في الخارج، كيف تتواصلون مع أتباع الديانة في الداخل؟

تواصلنا مثل تواصل أي إنسان آخر يكون خارج اليمن لظروف الهجرة أو العمل أو غيره، رغم أن الوضع في حالتنا يفرق، لكن أسلوب التواصل مع أصدقائنا وأهلنا أكانوا من البهائيين أو غيرهم مستمر.

– هل لديكم علاقة بإسرائيل، وفق ما تُتهمون به؟ وهل لديكم علاقات دولية مع دول العالم؟

لا توجد أي علاقة بيننا وبين أي حكومة في الخارج، سواء إسرائيل أو غير إسرائيل. نحن مواطنون يمنيون نحب بلادنا وولائنا لوطننا ونتشرف بخدمة مجتمعنا ووطننا والمساهمة مع الجميع يداً بيد من أجل نماء وتطور اليمن.

وجود أماكننا المقدسة في حيفا وعكا لا يعني، بأي حال من الأحوال، بأننا على علاقة مع إسرائيل، كما أن وجود المسجد الأقصى في القدس، والارتباط الإيماني لليمنيين بالأقصى والقدس، لا يمكن اعتباره مؤشراً على وجود أي علاقة مشبوهة [مع إسرائيل]. من أهم التعاليم البهائية عدم الدخول في النشاطات السياسية والحزبية وعدم المشاركة في النزاعات والصراعات، بالتالي طرح مثل هذه التلميحات يخالف أهم أساس من أسس الهوية البهائية.

سبب تواجد الأماكن المقدسة البهائية وكذلك بيت العدل الأعظم في حيفا وعكا هو ما تعرض له “حضرة بهاء الله”، والبهائيون، من اضطهاد شديد من حكومتي إيران والدولة العثمانية، في السنوات الأولى من الرسالة البهائية، حيث اتفقت إيران والدولة العثمانية على نفي “بهاء الله”، وعدد من البهائيين، من بغداد وصولاً إلى سجن عكا، في عام 1868. وبقي “بهاء الله”، ومن معه، سجيناً وأسيراً في فلسطين، قرابة ربع قرن، إلى أن توفي في عكا عام 1892م. نَفي وسجن “بهاء الله” لم يكن خياراً للبهائيين بل جزءاً من الاضطهاد الظالم الذي مورس ضدهم من الدولة العثمانية. وهذه الأمور كلها حدثت قبل وصول الاحتلال البريطاني وقبل تأسيس إسرائيل.

نتيجة لما سبق، فإن مركز الدين البهائي بقي في عكا وحيفا، منذ عام 1868، كما أن الروضة الشريفة لـ “حضرة بهاء الله” موجودة في عكا، بحكم وفاته هناك في المنفى. الأحداث السياسية التي تلت ذلك، مثل انهيار الدولة العثمانية عام 1922، وكل ما تبع ذلك من أحداث سياسية معروفة، لا شأن للبهائيين بها. الأحداث والمواقع التاريخية والدينية تبقى ثابتة لا تتغير ولا تتحول بتحولات الظروف السياسية.

البهائيون في كل بلد لديهم مؤسساتهم الخاصة بوطنهم، والتي تهتم بإدارة الشؤون الاجتماعية والدينية للبهائيين في بلدهم، بالتالي فإن شؤون البهائيين في كل بلد تدار من قبل مؤسسات تنتمي للبلد ذاته وليس من خارج الحدود. هذه المؤسسات لا تحمل أي صفة سياسية، ولا تمارس أي نشاط سياسي، بل تهتم في الأساس بتذكير البهائيين بقيمهم الأخلاقية والإيمانية التي تحثهم على خدمة مجتمعاتهم، كما تدير الشؤون الحياتية للبهائيين كالزواج والأحوال الشخصية، وسائر الشؤون الاجتماعية، والاحتفالات والمناسبات الدينية وغيرها. هذه المؤسسات البهائية الوطنية هي وحدها التي تدير شؤون البهائيين في كل بلد، وتتمثل بالتعاليم البهائية التي تؤكد على الولاء والاحترام للحكومة وقانون البلد، ولا توجد أي وصاية أو نفوذ سياسي أو غير سياسي من أي دولة أخرى على هذه المؤسسات.

– أين يدرس أبناؤكم وبناتكم: هل في المدارس والجامعات اليمنية أم في مدارس خاصة بكم داخل وخارج اليمن؟

البهائيون، عزيزي، هم مواطنون يمنيون مروا وتعايشوا بالإيجابيات، وأيضاً التحديات التي يعانيها أغلب أبناء المجتمع اليمني، فنحن وأولادنا قد درسنا في مدارس اليمن المختلفة، وأيضاً دراستنا الجامعية كانت بنفس المنوال، فمنا الطبيب والمهندس والمعلم، وغيرها من المهن والحرف المختلفة، التي تخرجت من جامعات اليمن.

– وكيف تصفون علاقتكم بالمجتمع اليمني في الجنوب والشمال؟

تاريخياً، البهائيون يتواجدون في العديد من المدن والقرى اليمنية كصنعاء وتعز وإب وعدن والمكلا والحديدة ولحج والضالع وشبوة وسقطرى وغيرها. فالبهائيون ينحدرون من مختلف مكونات وقبائل المجتمع اليمني من جنوب وشرق اليمن إلى شماله وغربه. وقد ترك العديد منهم بصمات مشهودة في تطور وتنمية مجتمعاتهم. فبهائيو اليمن كانوا من أوائل الذين مارسوا مهناً صحيةً حديثةً في عدد من المدن الرئيسية، وأدخلوا خدمات، كالصيدلة وطب الأسنان والعيون وغيرها، إلى مدن كصنعاء ولحج وسقطرى والحديدة وتعز وإب وغيرها. كما ساهم عدد منهم في تخطيط وعمران اليمن الحديث، وشاركوا في وضع اللبنات الأولية في العديد من المجالات التنموية الهامة كالتعليم والصحة والعمران والتجارة.

هامش:

– [1]  في حوار سابق ذكر “بن حيدرة” أن والده، الذي كان الطبيب الخاص بسلطان المهرة وسقطرى “بن عفرار”, وكان أول طبيب في جزيرة سقطرى كما يبدو, انتقل، بسبب الحكم اليساري للجنوب حينها بعيد ثورة 14 أكتوبر، إلى الإمارات، رفقة السلطان، قبل تأسيس الاتحاد الذي عرف لاحقاً بالإمارات العربية المتحدة، وهناك حصل على الجنسية الإماراتية.

Exit mobile version