ترامب ينهي ولايته بقرار تاريخي انتظره اليمنيون طويلا
دونالد ترامب ينهي ولايته بإدراج الحوثيين على قائمة الإرهاب والقرار يواجه معارضة من البنتاغون في ظل تصاعد القلق الدولي
- تتأهب الإدارة الأميركية لتصنيف جماعة أنصار الله الحوثية في اليمن المدعومين من إيران كمنظمة إرهابية قبل مغادرة الرئيس الحالي دونالد ترامب لمنصبه في يناير المقبل، مما ضاعف المخاوف، وفق المحللين، من أن تؤدي الخطوة إلى تعطيل جهود المساعدات الدولية وتقويض جهود السلام التي توسطت فيها الأمم المتحدة بين الحركة الشيعية والحكومة اليمنية الشرعية المدعومة من السعودية.
ستتوج إدارة الرئيس دونالد ترامب مع اقتراب نهاية ولايتها في يناير المقبل إلى وضع بصمتها على الملف اليمني الشائك من خلال تنظيم جماعة الحوثي التي تتلقى دعما من إيران، على اللائحة الأميركية للإرهاب، لكن يبدو أنها ستكون مقامرة غير محسوبة العواقب.
وبحسب المحللين، رغم أن الخطوة متأخرة لكنها تثير القلق، حيث أنها قد تزيد من تعقيدات الأزمة في بلد يعاني من حرب مزقته طيلة ست سنوات. وقد رصد ثلاثة من مراسلي مجلة “فورين بوليسي” الأميركية، وهم كولوم لينش وروبي غرامر وجاك ديتش، كيف أن هناك انقساما دوليا حول الخطوة الأميركية المرتقبة، كما أن هناك معارضة شديدة من البنتاغون وخبراء في وزراء الخارجية الأميركية.
وصنفت الرياض، التي كانت في حالة حرب مع الحوثيين منذ أكثر من خمس سنوات، الحوثيين كتنظيم إرهابي وحثت حليفتها واشنطن على فعل الشيء نفسه. وقال مصدر دبلوماسي، لم تكشف هويته مجلة “فورين بوليسي” الأميركية، إنهم (الأميركيون) “كانوا يفكرون في ذلك منذ فترة، لكن بومبيو يريد اتباع هذا المسار بسرعة”.
وطيلة الفترة الماضية حاولت الأمم المتحدة ووكالات الإغاثة الدولية ثني إدارة ترامب عن اتخاذ هذه الخطوة، لكن القرار الوشيك سيمنح وزير الخارجية مايك بومبيو انتصارا آخر لاستراتيجيته المناهضة لإيران أثناء زيارته لإسرائيل والسعودية والإمارات خلال الأسبوع الحالي.
مقامرة مفخخة
يعتقد محللون أن قرار إدارة ترامب سيكون مقامرة مفخخة لأنه لن يترك المجال أمام إدارة جو بايدن من أجل إيجاد تسوية نهائية في الملف اليمني، وهذا يأتي بعد الضغوط التي مارسها مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى اليمن مارتن غريفيث على الولايات المتحدة للتراجع.
وخلال الشهر الماضي، حث سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة كيلي كرافت على إعادة النظر في خطط إدراج الحوثيين كمنظمة إرهابية. كما ضغطت ألمانيا والسويد على الولايات المتحدة للتراجع عن هذا القرار، لكن، يبدو أن الجهود فشلت، وبدأت الأمم المتحدة في الاستعداد لقرار الولايات المتحدة.
وتعارض وزارة الدفاع الأميركية والخبراء في وزارة الخارجية هذه الخطوة في الوقت الذي يعدّ فيه تحالف من الجمعيات الخيرية الدولية بيانا مشتركا يستبق التصنيف ويقارن آثاره المحتملة بالمجاعة في الصومال بعد أن صنفت الولايات المتحدة حركة الشباب جماعة إرهابية في 2008.
ويعتقد جريجوري جونسن وهو زميل غير مقيم في معهد بروكينغز أن ما تفعله إدارة ترامب خطأ وهذه خطوة تحريضية ستحد آفاق الرئيس الجديد عندما يريد اتباع نهج جديد للحرب في اليمن.
وحاول الدبلوماسيون المعارضون لهذه الخطوة التأثير على السناتور الجمهوري ليندسي غراهام، وهو حليف قوي للرئيس ترامب، والذي يرأس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ، للتعبير عن معارضته لهذا التصنيف لكن الديمقراطيين في الكونغرس أصبحوا قلقين من قدرة هذا التصنيف على تقويض محادثات السلام الهشة في دولة مزقتها الحرب.
وقال العضو الديمقراطي في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، السناتور كريس مورفي، إن هذا سيكون “محاولة واضحة من إدارة ترامب لعرقلة مفاوضات السلام المستقبلية، إذ يخضع الحوثيون وداعموهم الماليون للعقوبات الأميركية بالفعل. ولذلك، سيكمن أثر التصنيف عمليا في تعقيد التفاوض مع قادة الجماعة وتقديم المساعدات للمناطق التي يسيطرون عليها”.
وتبدو الخطوة جزءا من مسعى أوسع من قبل البيت الأبيض وبومبيو لزيادة الضغط على إيران وحلفائها في الشرق الأوسط خلال أشهر الإدارة الأخيرة، وهو تطور من المرجح أن يعقد جهود بايدن إذا قرر إعادة فتح المحادثات مع إيران بشأن برنامجها النووي.
ووفقا لتقرير نشر في موقع أكسيوس الإخباري، تعتزم إدارة ترامب، بالتنسيق مع إسرائيل وحلفاء الولايات المتحدة الخليجيين فرض عقوبات جديدة على إيران وداعميها قبل تنصيب بايدن في 20 يناير المقبل.
وتقول مجموعة الأزمات الدولية إن تأطير هذه الخطوة يتم في المداولات الداخلية على أنها توسيع لحملة أقصى قدر من الضغط لإدارة ترامب ضد طهران، بينما يقول آخرون إن المناقشات حول التصنيف كانت مدفوعة بطلبات مباشرة من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، اللتين تقودان التحالف الذي تدخّل ضد الحوثيين.
وكانت إدارة ترامب تدرس خططا لتصنيف الحوثيين، المعروفة باسم “أنصار الله”، كمنظمة إرهابية منذ أكثر من سنة، لكن هذا الجهد اكتسب زخما في الأشهر الأخيرة.
ففي سبتمبر الماضي، قال مسؤولون أميركيون لصحيفة “واشنطن بوست” إن الإدارة بدأت مراجعة موقفها من الحوثيين، وأنها تدرس ما إذا كانت ستعلنهم منظمة إرهابية أجنبية وتسمية قادتهم بـ”الإرهابيين العالميين”، وهو إجراء من شأنه أن يؤدي إلى تجميد أصول الحوثيين ومنع أعضاء الجماعة من السفر إلى الولايات المتحدة.
وقال المسؤولون والمطلعون إن إدارة ترامب يمكنها تصنيف قياديي الحوثيين على أنهم إرهابيون عالميون بدلا من تصنيف الحركة بأكملها على أنها منظمة إرهابية أجنبية.
واستولى الحوثيون على السلطة في اليمن في يناير 2015، بعد أشهر من الاحتجاجات على دعم الوقود، ويسيطرون الآن على جزء كبير من الأراضي اليمنية، لكن المجتمع الدولي لم يعترف بهم أبدا، ومهد طردهم للحكومة اليمنية الطريق لغزو اليمن بقيادة سعودية بدعم من الولايات المتحدة، مما أدى إلى اندلاع حرب طويلة دفعت بالبلاد إلى أسوأ أزمة إنسانية في العالم.
تطويق إيران
يُنظر إلى التصنيف الأوسع للإرهاب على أنه النهج الأكثر تشددا، إذ لن يعاقب الأفراد في المجموعة فحسب، بل سيعرض أي شخص يقدّم الدعم لها لعقوبات جنائية وقد يكون هذا عاملا معرقلا لأنشطة المنظمات الإنسانية، التي تحاول مساعدة المدنيين في الأراضي التي يسيطر عليها الحوثيون.
وتأتي المداولات بعد أن أعلن حلفاء واشنطن الخليجيون الحوثيين منظمة إرهابية. وفي الآونة الأخيرة، طرح دبلوماسيون أميركيون فكرة إضافة الحوثيين إلى قائمة الأمم المتحدة للأفراد والكيانات الخاضعة لعقوبات الأمم المتحدة.
وقد فشلت الولايات المتحدة في تأمين الدعم الكافي للمبادرة وتخلت عنها، بينما أدرجت لجنة العقوبات التابعة للأمم المتحدة بعضا من كبار المسؤولين الحوثيين في قائمة الأفراد الخاضعين لتجميد الأصول وحظر السفر، لكن معظم القادة الحوثيين لا يسافرون كثيرا ولا يستخدمون النظام المصرفي الدولي.
ويقول خبراء في الشؤون الإنسانية في اليمن إن الجزء المأساوي يكمن في أنها قضية سياسية لإدارة ترامب، لكنها مسألة حياة أو موت للمواطنين في اليمن وسيصعب التراجع عن هذا الإجراء، وبحلول الوقت الذي تتولى فيه إدارة بايدن زمام الأمور، سيكون الكثير من الضرر قد حدث بالفعل.
ويعمل غريفيث، وهو ثالث مبعوث للأمم المتحدة للسلام في اليمن، منذ تعيينه في فبراير 2018 للتوسط في اتفاق سلام بين الحوثيين وحكومة الرئيس اليمني المنفي عبدربه منصور هادي المدعومة من السعودية.
ولم تجلب ست سنوات من وساطة الأمم المتحدة السلام إلى اليمن، لكن غريفيث توسّط الشهر الماضي في تبادل كبير للأسرى بين الفصائل المتحاربة في البلاد، وهي صفقة من المتوقع أن تؤدي إلى إطلاق سراح حوالي ألف محتجز.
وأعربت الولايات المتحدة عن قلقها إزاء اعتماد الحوثيين المتزايد على إيران، التي زودت الحركة بالصواريخ والطائرات دون طيار والتدريب، مما سمح لهم باستهداف المطارات والبنى التحتية الحيوية الأخرى. وتأتي خطوة تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية بعد سنة من تصنيف إدارة ترامب للحرس الثوري الإيراني منظمة إرهابية أجنبية.
وكان دعم السعودية والإمارات في اليمن ركيزة أساسية لاستراتيجية إدارة ترامب الشاملة لاحتواء طموحات طهران الإقليمية، رغم أن سياستيهما كانتا تتعارضان مع الكونغرس أحيانا. واجتمع تحالف غير عادي من الديمقراطيين التقدميين والجمهوريين المحافظين في السنوات الأخيرة لمحاولة إجبار إدارة ترامب على وقف الدعم العسكري لليمن.
ويقول دبلوماسيون ومسؤولون آخرون إن السياسة الأميركية حول اليمن في إدارة ترامب تُصنّف من خلال عدسة حملة أقصى قدر من الضغط ضد إيران، دون اهتمام بتأثيرها على استقرار اليمن.