عبّرت منظمات إنسانية عن قلقها من توقف المساعدات إلى اليمن في حال أقدمت الولايات المتحدة فعليا على تصنيف ميليشيا الحوثي “منظمة إرهابية” ما سيدفع البلاد التي ترزح تحت وطأة الحرب إلى المجاعة.
ويرى متابعون أن الحوثيين يستغلون مخاوف المنظمات الإنسانية على سكان الدولة الفقيرة التي يعتمد حوالي 80 في المئة منهم على المساعدات الدولية للبقاء على قيد الحياة، وذلك لثني واشنطن عن تصنيفها منظمة إرهابية.
ويبدو مسار تصنيف الحوثيين المدعومين من إيران بندا رئيسيا على جدول أعمال إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب التي جعلت من عزل طهران محور سياستها الإقليمية، قبل أسابيع قليلة من خروجها من البيت الأبيض.
وأكد مسؤولون تقارير تفيد بأن إدارة ترامب تضع الأسس تمهيدا لإعلان خطوتها ضد الجماعة المتمردة التي تسيطر على العاصمة صنعاء وجزء كبير من الشمال في ظل حرب طاحنة مستمرة منذ أكثر من خمس سنوات تسببت في أسوأ أزمة إنسانية في العالم.
وقبل اندلاع الحرب في منتصف 2014، كان اليمن أفقر دولة في شبه الجزيرة العربية، وبعد ستّ سنوات من الحرب، انهار اقتصاده وزاد اعتماده على المساعدات الإنسانية أكثر من السابق، في وقت تحذّر فيه منظمات إنسانية من أن البلاد على حافة المجاعة.
وتستغل ميليشيا الحوثي هذه التحذيرات لضمان تراجع واشنطن عن قرار تصنيفها منظمة إرهابية، ما يعني استمرار تدفق المساعدات الإنسانية التي تفيد تقارير بأنّ نصفها يذهب لليمنيين في حين تبقي الميليشيات النصف الآخر لها.
وقال دبلوماسي غربي في الخليج مطّلع على ملف اليمن “إذا تم تصنيفهم منظمة إرهابية، فستكون لذلك عواقب كثيرة”، موضحا أنّ دولا عديدة “ستواجه مشاكل في التعامل معهم (الحوثيون)، ويمكن أن يؤدي ذلك إلى تعقيد عملية السلام برمتها وعمل الأمم المتحدة كذلك”.
وقد يكون تأثير التصنيف على الحوثيين الذين يخضعون أصلا لعقوبات أميركية، محدودا، لكن اليمنيين العاديين سيدفعون بالتأكيد الثمن الأكبر خصوصا في ظل التراجع الكبير في المساعدات هذا العام بسبب فايروس كورونا المستجد.
واستنكر الحوثيون احتمال إدراج الولايات المتحدة حركتهم في قائمة “المنظمات الإرهابية”، معتبرين أنّ ترامب لا يملك الحق في ذلك بعد فشله في الفوز بولاية ثانية.
وقال نائب رئيس المجلس السياسي في جماعة “أنصار الله” سلطان السامعي “انتهت الانتخابات الأميركية وفاز غيره وهو مصر على أنه الفائز. لم يعد لتصريحات هذا الرجل أي معنى”.
وتابع “إذا صنّف حركة أنصار الله على أنّها إرهابية فسيكون ذلك قرارا صادرا عن شخص غير مؤهل ومجنون بكل ما للكلمة من معنى”.
وستؤثر تبعات القرار بشكل مباشر على مسار التواصل مع الحوثيين، وإدارة الضرائب، واستخدام النظام المصرفي، ودفع رواتب العاملين الصحيين، وشراء الطعام والوقود، وخدمات الإنترنت وغيرها.
وقال رئيس “المجلس النروجي للاجئين” يان إيغلاند إن منظمته انضمّت إلى مجموعات إنسانية أخرى “في الإعراب عن القلق العميق إزاء احتمال خلق عقبات إضافية لا يمكن تجاوزها أمام تقديم المساعدات الحيوية في اليمن”.
وأضاف في بيان الخميس أنّه إذا مضت الولايات المتحدة قدما في هذه الخطوة فعليها إصدار “إعفاءات واضحة لا لبس فيها” من شأنها أن تسمح لعمّال الإغاثة بالعمل دون خشية التداعيات القانونية.
في المقابل، من المتوقع أن تلقى الخطوة ترحيبا من السعودية، حليفة ترامب والتي تعتبر الحوثيين جماعة إرهابية منذ 2014 حتى قبل تدخلها في الحرب اليمنية على رأس تحالف عسكري لدعم الحكومة المعترف بها دوليا في مارس 2015.
واعتبر وزير الإعلام اليمني معمر الأرياني في تغريدة الأربعاء أنّ تصنيف الجماعة على أنها منظمة إرهابية “جزء من احترام المجتمع الدولي لمبادئ حقوق الإنسان والالتزام بصيانة الأمن والسلم الدوليين” ورد على ممارساتها بحق المدنيين في مناطق سيطرتها.
وكان مسؤولون في برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة، كشفوا أن “الحوثيين يوزعون حوالي نصف المساعدات الغذائية التي تقدمها الأمم المتحدة في المناطق الخاضعة لسيطرتهم، فيما يوزع النصف الآخر على مسلحيهم أو يبيعونه في السوق السوداء”.
وأوضح التحقيق أن الميليشيا تسيطر على تدفق المساعدات في مناطقها، ما يشكل ضغطا على عمال الإغاثة لدفع الرشاوى مقابل السماح بمرور المساعدات.
وخلص تحقيق آخر لشبكة “سي.أن.أن” إلى أن العالم يعمل على تأمين الغذاء لنحو 16 مليون يمني بحاجة إلى الطعام، لتأتي ميليشيا الحوثي فتحول وجهة المساعدات بقوة السلاح إلى مسلحيها وتحول المعونات من مساعدة إلى وسيلة قتل جديدة، القتل جوعا أو ابتزازا.
ووفقا لتقرير الأمم المتحدة في العام الماضي، يسرق الحوثيون 1 في المئة على الأقل من مساعداتها الغذائية والإنسانية، إلا أن تحقيقات تكشف أن الكثير من العائلات في العشرات من المناطق اليمنية لا تصلها المساعدات رغم تسجيلها على الورق من قبل ميليشيا الحوثي، ما يكشف حجم السرقة على أوسع نطاق، وهو ما يبرر تخوف الحوثيين من تراجع الإمدادات الإنسانية التي تذهب أغلبها لصالحها.
وتؤكد مصادر في الكونغرس الأميركي أن قضية تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية قيد النقاش، ولكنها لا تزال محل نزاع سياسي، ومن غير الواضح ما إذا كان يمكن بلوغ مرحلة التصنيف بالفعل قبل أن يؤدي الرئيس المنتخب جو بايدن اليمين الدستورية في 20 يناير.
وقال منسق مكافحة الإرهاب في وزارة الخارجية الأميركية ناثان ميلز “نحن لا نفصح عن أي عملية تصنيف” قيد البحث.
وحذّر أعضاء ديمقراطيون في الكونغرس وزير الخارجية مايك بومبيو في رسالة من أن التصنيف قد “يؤدي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية وتشكيل عقبة خطيرة أمام كل من عمليات الاستجابة الإنسانية والعملية السياسية”.
ويشعر عمّال الإغاثة في صنعاء أنّ المسألة على وشك التحقق، فيما أفادت عاملة إغاثة بصدور تحذيرات لموظفين أميركيين والطلب منهم الانتقال إلى جنوب اليمن أو مغادرة البلاد.
وقالت “لقد علمنا بهذا الأمر منذ شهرين لكنّنا فهمنا في الأسابيع القليلة الماضية عبر مصادر دبلوماسية والأمم المتحدة أن الأمر قد يحدث في أي يوم الآن”.
وخلال الفترة الماضية، فضح المدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي ديفيد بيزلي لصوصية الحوثيين، وكشف أن مساعدات غذائية شهرية تبلغ قيمتها 175 مليون دولار، جرى توجيهها خلال شهري فبراير ومارس، إلى مناطق خاضعة لسيطرة الحوثيين، للمساعدة في تمويل الصراع.
ويتهم البرنامج الأممي ميليشيا الحوثي بمنع العاملين في المجال الإنساني في اليمن من حق الوصول إلى الجياع، وحظر قوافل المساعدات، وتدخل السلطات المحلية في المناطق الخاضعة لسيطرتها في عملية توزيع الأغذية.
وفي هذا السياق، أكّد مسؤول رفيع المستوى في فريق الأمم المتحدة في اليمن أنّه لم يطرأ أي تغيير على “الوضع الأمني” لموظفي المنظمة الأممية بعد.
وأوضح المسؤول طالبا عدم الكشف عن هويته “حتى الآن، وعلى الرغم من التقارير، ليس هناك أي سحب للموظفين. إذا حدث التصنيف، فسيكون على جهاز الأمن في الأمم المتحدة أن ينظر إلى ذلك على أنه مصدر خطر”.