سوسن.. يمنية حاول زوجها التخلص منها بجائحة كوفيد 19
يمن الغد – منصور الدبعي
تحاول سوسن التي تعيش في اخر الثلاثينات من عمرها، تجاهل ونسيان العنف الذي تعرضت له من قبل زوجها أثناء جائحة كوفيد 19، من أجل الاهتمام بتربية ابنها الوحيد “مصطفى”، حتى تساعده للوصول إلى تحقيق حلمه.
عجزت سوسن (اسم مستعار)، للوصول إلى سبب ومبرر الذي جعل زوجها اسماعيل يعاملها بتلك الطريقة والعنف اللفظي والتنمر المستمر منها اثناء جائحة كوفيد 19 في مديرية الحوك بمحافظة الحديدة.
لم تستطيع سوسن البوح لأهلها بما تتعرض له من عنف بسبب عادات وتقاليد أسرية تتوارثها الأسرة جيل بعد جيل مرتبطة بالعيب والخوف من ردة فعل الزوج التي تصل أحيانا للطلاق والانفصال وتشرد الأبناء وضياع مستقبلهم.
وعلى الرغم من مرور 10 سنوات على زواجهم تقول سوسن لـ”يمن الغد”: أثناء جائحة كوفيد 19 كان زوجي اسماعيل يجلس في البيت لفترات طويلة، حيث قررت جهة العمل التي يعمل بها منح جميع الموظفين اجازة مفتوحة تجنبا من الاصابة بكوفيد 19، وهو امر لم يعتاده زوجي كثيرا حيث انه يخرج صباحا ويعود في وقت متاخر من الليل بسبب ظروف ومواعيد عمله”.
خاب ظن سوسن في توقعها أن زوجها سيكون أكثر سعادة في الجلوس معها ومع ابنهم الوحيد، حيث ظهرت علية علامات التذمر والسخط، “كان يسمعني يوميا كلام جارح أمام ابننا الوحيد”.
تضيف سوسن: “اسماعيل كان يمنعني من الخروج من البيت إلا لزيارات أسرية نادرة، لكن أثناء فترة الجائحة كان يطلب مني الخروج للسوق لشراء احتياجات البيت من أغراض، استغربت بشدة من موقفه هذا، لكنه كان يرمي الي بكلمات قاسية، كورونا لا يأتي للنساء، ولو جاء اليك فرصة للتخلص منك”.
وتؤكد سوسن “أنها لم تستطيع النوم بسبب ما تعرضت له من عنف نفسي ولفظي من قبل زوجها، لم تجد من يساعدها، وكانت تحاول تخفي دموعها وجراحها من اجل ابنها “مصطفى” كي لا يصاب باضطرابات وعقد نفسية تؤثر علية مستقبلا، بل تقول أنها سعت دومًا أن تبتسم أمامه وتشعره انها غير حزينة بتاتا”.
وتشير إلى أنها لم تتواني ان تنتهز أي فرصة أثناء نوم ولدها أو خروجه للعب مع أصدقاءه، للدخول في نقاش مع زوجها حول ممارسته لذلك العنف لها وقبوله أن تخرج للأسواق وتختلط بالرجال وهو المحافظ عليها ويمنعها مرارًا من الخروج من المنزل اطلاقًا، لكنها كانت تجد في كل مرة عنف لفظي أسوء من السابق، حتى فكرت بالهروب من المنزل لكنها لم تحدد وجهتها في الهروب فأسرتها كما تقول سيقومون بإعادتها إلى منزل زوجها في اليوم التالي ويحكمون عليها بالتصرف الخاطئ، وهذا ما قد يستغله زوجها ويتمادى بالعنف أكثر وأكثر”.
وتمنت سوسن أن يعود زوجها للعمل ويخرج للمنزل وتنتهي فترة اجازة كوفيد 19، فلم تعد تحتمل مزيد من العنف، بسبب ذلك تحولت حياتها إلى جحيم بعد أن كانت تمني النفس بفترة جميلة مع ولدهم.
ويتزايد في اليمن العنف القائم على النوع الاجتماعي، ففي 3 أشهر فقط من العام الجاري 2020، وبحسب احصائية صادرة عن صندوق الامم المتحدة للسكان سجلت عشر محافظات هي: ذمار، البيضاء، عمران، صنعاء، تعز، إب، ريمة، صعدة، حجة، والحديدة- 593 حالة عنف توزعت بين جسدي ونفسي، تم الإبلاغ بها عن طريق الخط الساخن التابع لصندوق الامم المتحدة للسكان.
ووفقا لــ استبيان قامت به شبكة اعلام للسلام حول العنف القائم ضد المراءة اليمنية ، فان 55 بالمائة من المستهدفات بالاستبيان اتفقتا على ان ضعف الانظمة والقوانين في حماية النساء من العنف، ولايوجد قانون يحرم جميع أشكال العنف ضد النساء أحد أهم الاسباب في عدم الابلاغ عن العنف، فيما اشارت 30% منهن إلى الحرج الاجتماعي والخوف من الاسرة والمجتمع، واكدت 5% منهن انه لا جدوى من الابلاغ بسبب عبء الاثبات المفروض على ضحايا العنف لأثبات وقوع الاعتداء والتماس الانتصاف، وإجراءات الوساطة الالزامية والتي تهدف إلى التصالح مع الجناة في حالات العنف الاسري بدل محاكمتهم وعدم وجود التمثيل القانوني لضحايا العنف الجنس ، وتوزعت بقية النسب الاخرى للمستهدفات ما بين عدم التعامل بجدية مع شكاوي العنف ضد النساء، والافتقاد للخدمات والمساعدات المناسبة التي يمكن لضحايا العنف من النساء الحصول عليها بسهولة، اضافة إلى أن ضحايا التحرش الجنسي يتعرضن للوصم والعار المجتمعي.
تقول استاذة علم النفس المساعد بجامعة الحديدة نجلاء العزعزي، “ان أكثر النساء المعنفات يجدن صعوبة في الافصاح عن ما يتعرضن له بسبب نظرة المجتمع للمرأة المعنفة، وغالبيتهن لا يجدن وسائل الحماية الأمنة التي تساعدها في تجاوز الآثار النفسية والسلبية لما تعرضت له، والبعض الاخر منهن لا تعلم عن أماكن الحماية القانونية لها والى من تشتكي”.
وتضيف: “كثير منهن يجدن معارضة اسرية شديدة في حال كشفت عن ما تعرضت له خصوصا في المناطق الريفية، واخريات تجد الطلاق ملجا وفرصة أخيرة ومناسبة للهروب من العنف التي تعرضت له، وترفض الزواج مرة أخرى بسبب عدم علاجها نفسيا من مشكلتها السابقة”
وتوكد نجلاء “إلى ارتفاع ظاهرة العنف الموجه ضد المراءة خلال فترة الحرب، وجاءت جائحة كوفيد 19 لتسهم في زيادة عدد حالات العنف من الشريك “الزوج”، حيث يفرغ الضغط النفسي من حالة الفراغ الذي يشعر به من بقاءه في المنزل إلى توجيه عنف لزوجته، بدلا ان يشعرها بالأمان والحنان وهذا ناتج فسيولوجيا عن ضغوط اقتصادية ومعنوية، اسهمت في ازدياد معدلات العنف ضد المراءة”.
بدورها تقول المعالج النفسي في الخط الساخن باتحاد نساء اليمن انتصار الرداعي” ان حالة زوج سوسن واضح انه يعاني من النرجسية نوعا ما، فهو محب للحياة ويمكن ان يضحي باي حد حتى أقرب الناس اليه، مقابل ان يعيش هو، وهذا يعطي انطباع انه لا يشعر بالمسؤولية تجاه الاسرة فهو يهتم بنفسه فقط، وتوفير احتياجاته باي وسيلة”.
وعن الاثار النفسية التي صاحبت سوسن وكيفية معالجتها نفسيا، تشير انتصار” بالنسبة لسوسن ستشعر بالدونية، وستكره الرجل من داخل قلبها، سوف تقنع من وجودة بحياتها وقد تفكر مستقبلا بجدية في تركه دون ان تشعر بالأسف، وعلاجها يبدء اولا بأهمية اعادة الثقة لها ونفسها وتعزيز ثقتها والاطراء على تصرفها امام ابنها، فالنرجسي أكثر شيء يدمره ان يعامل بتجاهل او بنفس طريقته، وسوف يعود يتودد لها مرة اخرى لمجرد ان ترجع له ويعود هو بعد ذلك يكرر نفس أسلوبه ونرجسيته”.
وبالرغم من ارتفاع اصوات النساء وحملات المناصرة المستمرة لقضايا المرأة، ووصول المراءة إلى مركز صنع القرار، الا انه لازالت المراءة اليمنية تتعرض لمختلف انواع العنف المتمثل بالنفسي والجسدي والجنسي واللفظي، بحسب تقرير حالة السكان للعام 2020م الصادر عن صندوق الأمم المتحدة للسكان، وتذهب بعض الفتيات ضحية تنمر أسرهن وتمسكهن بتقاليد وعادات سلبية بهاجس الخوف من الفضيحة ويساعد ذلك نظرة المجتمع للمراءة في مثل هذه القضايا.
تم إنتاج هذه المادة كإحدى مخرجات برنامج ” الكتابة الصحفية الجيدة لقضايا العنف القائم على النوع الاجتماعي في ظل جائحة كوفيد19″ الذي ينفذه مركز الدراسات والاعلام الاقتصادي بدعم من صندوق الأمم المتحدة للسكان UNFPA