مقالات

حكام يلقون بشعوبهم في محارق الهلاك!!

يُخيل لبعضنا أنه محور الكون، فيقيس الأشياء بمدى انسجامها معه، ويتقبلها بقدر نزولها وفق رضاه، وتحت تأثير ذلك الغرور يرى أن له حقًا على جميع الناس؛ بل وعلى إله الناس..

فـ{إِذا مَا ابتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكرَمَهُ وَنَعَّمَهُ؛ فَيَقولُ: رَبّي أَكرَمَنِ} وَ{إِذا مَا ابتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيهِ رِزقَهُ؛ فَيَقولُ: رَبّي أَهانَنِ}.

  وكانه بذلك يبرئ نفسه من العجز ويبرر لها الفشل في الحصول على السعادة، ويحمّل غيره مسؤولية عجزه وسقوطه في اختبارات الحياة!

   يا صديقي: نحن موجودون بقدر أحلامنا .. ونحن كبار بقدر سعينا.. ونحن سعداء بقدر وعينا .. {وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمّا عَمِلوا، وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمّا يَعمَلونَ}

* * *

   يعذب الأحباب أحبابهم رغبة فيما يتصورن أنه حماية لهم، كما يفعل أكثر الآباء والأمهات مع أبنائهم..

  ويلقي الحكام والسياسيون بشعوبهم في محارق الهلاك تحت شعارات النضال الوطني والجهاد المقدس..

   ويمعن علماء الدين والكتّاب والإعلاميون في تمزق مجتمعاتهم بُغْيَة فرض ما يرونه حقائق مقدسة ومسارات مصيرية ومصلحة تستحق التضحية من أجلها..

 وهذا يعني أن مشكلتنا (فيما نختصم فيه وعليه) تكمُن في مشاعرنا الخاصة التي نفرضها على الأحداث، كلٌ من الموقع الذي يقف فيه وحسب ما توفر له من تجارب وتربية وتعليم ومصلحة.

     فإذا صححنا النظر إلى أنفسنا وتخلصنا من عُقَد “الأنا” فيمكننا حينها أن نرى الأشياء كما هي، ونتعامل معها كما ينبغي، ولا يكفي أن نرى أخطاء الآخرين ونمقتها!

* * *

    يظن التَّنويريّ الغارق في الظلام أنّ ما يجهل من أمر الدين والحياة غير موجود أصلًا، وما لا يستوعب من شؤونهما مجرد خرافة يسخر منها..

 وبالتالي ينصب نفسه حَكَما يقضي في جهود الناس وتراث الأمة ورموزها كما يشاء، وكأنه قد أحاط بكل شيء خُبرا، شأنه شأن الدّاعية الذي يذُم من لا يفعل كفعله ويقول كقوله، ظنًا منه بأنه وحده يهدي إلى سبيل الرشاد.

 يا صديقي.. إن بداية التَّنوير هي أن تتهم نفسك بالقُصُور أولًا، ثم تشك في قدراتك وفهمك قبل كل شيء، فكثيرًا ما تكون المشكلة في أجهزة الاستقبال لا في أجهزة الإرسال، وهذا ما جعل المُعلم يقول للتلميذ: {إِنَّكَ لَن تَستَطيعَ مَعِيَ صَبرًا، وَكَيفَ تَصبِرُ عَلى ما لَم تُحِط بِهِ خُبرًا}؟!

.

* * *

   لا تستطيع أن تبوح بكل شيء تعرفه، أو تعبر عما تفكر فيه كخلاصة لتجربة حياتك..

ليس عجزا عن إرساله إلى الغير والتعبير عنه على الملأ، ولكن خوفًا من أن يضعه الاصطفافيون في سياقات أخرى كلٌ حسب ما يملي عليه موقعه، ومن ثمّ يتحول – رغما عنك – إلى مادة لتصنيفك حيث لا تجد نفسك، أو إدانتك وإلحاق الأذى بك لا سيما وأن الاصطفافيين غالبا ما يكونون هم أصحاب النفوذ والسطوة في المجتمعات..

 لذلك السب تصمت كثير من الحكمة وتُدفن كثير من الحقائق وتموت خلاصات التَّجارب مع أصحابها، ويُدَون التاريخ هرج ومرج النافذين وحفلات التَّطبيل والتطبيل المضاد.

أتمنى أن يتغير حالنا إلى الأفضل في عامنا الشمسي الجديد..

وكل عام وأنتم بخير.

زر الذهاب إلى الأعلى