ماحقيقة إعلان المجلس الانتقالي الجنوبي التطبيع مع إسرائيل؟
تخطى عيدروس الزبيدي رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي حاجزا نفسيا كبيرا قائما منذ عقود في اليمن، وذلك بحديثه عن إمكانية التطبيع مع إسرائيل في حال قيام دولة جنوب اليمن مجدّدا واتخاذها من عدن عاصمة لها.
ورأى متابعون للشأن اليمني أن حديث الرجل الأوّل في المجلس المشارك في حكومة المناصفة اليمنية المشكّلة أخيرا بموجب اتّفاق الرياض، لا يدلّ فحسب على رسوخ مشروع استعادة دولة الجنوب التي كانت قائمة قبل الوحدة المنجزة مطلع تسعينات القرن الماضي، إنما يدل أيضا على دخول المشروع مرحلة التفكير في تفاصيل شكل تلك الدولة ورسم الخطوط العريضة لسياستها الخارجية.
وقال الزبيدي خلال زيارته الأخيرة لروسيا حيث أجرى هناك مباحثات مع عدد من المسؤولين “إن التطبيع مع إسرائيل مسألة واردة عندما تكون لدينا دولة وعاصمة تخص الجنوب العربي”.
وأضاف متحدّثا لقناة “روسيا اليوم” الفضائية أنه لا توجد في الوقت الحالي اتصالات مع إسرائيل، وموضّحا مباركة المجلس لتطبيع دول عربية علاقاتها مع الدولة العبرية.
وقال مصدر سياسي يمني إنّ الفكرة السائدة داخل المجلس الانتقالي الجنوبي وبين كبار قادته وواضعي سياساته، تقوم على النظر إلى مسألة إقامة علاقات طبيعية مع إسرائيل باعتبارها فرصة تفتح آفاقا جديدة في المنطقة بعيدا عن منظومة الأفكار التقليدية التي سادت في المنطقة وتحكّمت بسياسات العديد من الدول العربية وانتهت أخيرا إلى طريق مسدود وفشل ذريع.
وانطوى حديث رئيس المجلس على قدر كبير من الصراحة والجسارة بالنظر إلى رسوخ فكرة رفض إقامة أي علاقات مع إسرائيل لدى المجتمع اليمني المحافظ، والمحكوم سياسيا بنظريات قومية وإسلامية، وأيضا اشتراكية “ثورية” بالنسبة إلى الدولة التي كانت قائمة في الجنوب حتى سنة 1991.
وشرح المصدر ذاته أنّ النموذج الذي يريد قادة المجلس تطبيقه على دولة الجنوب التي يعملون على استعادتها يقوم على الاقتداء بالدول العربية التي قرّرت أخيرا إقامة علاقات مع إسرائيل والاستفادة مما يتيحه ذلك من فرص وما ينطوي عليه من استقرار للمنطقة التي أنهكتها الحروب والصراعات دون طائل.
واعتبر الزبيدي أنّ عرضَ دولة جنوب اليمن في حال قيامها من جديد، التطبيعَ مع إسرائيل سيكون حقّا سياديا لها، مضيفا أنّ حلّ قضية الجنوب هو مفتاح الحل للأزمة اليمنية ككلّ.
وقال مراقبون إنّ الطرح الواضح الذي قدّمه رئيس المجلس الانتقالي في قضية التطبيع جاء متناسقا مع النهج البراغماتي الذي يسير عليه المجلس في مختلف سياساته بما في ذلك طريقته في إدارة الصّراع مع “الشرعية” اليمنية بقيادة الرئيس عبدربّه منصور هادي، والتي لم يمنع تناقضه الجوهري معها في التوجّهات والأهداف من الدخول معها في حكومة شراكة.
كما اعتبر الزبيدي أيضا أن اتفاق الرياض الذي رعته السعودية وأفضى إلى تشكيل حكومة المناصفة جاء كضرورة للخروج من الأزمة ومن أجل أن يكون للجنوبيين وفد تفاوضي في إطار الحكومة يمثل المجلس الانتقالي الجنوبي، مؤكّدا على ضرورة بناء مؤسسات في الجنوب، وعلى وجود حاجة إلى مرحلة انتقالية قبل الجلوس إلى طاولة المفاوضات.
وشدّد على نيّة الجنوبيين الحفاظ على قوّاتهم العسكرية والأمنية، إلى جانب الحفاظ على حالة التوافق مع الحكومة الشرعية.
وكانت الزيارة التي قام بها هذا الأسبوع وفد من المجلس بقيادة الزبيدي إلى روسيا، قد اعتُبرت بداية الترويج دوليا لمشروع دولة جنوب اليمن.
وقال الزبيدي عن تلك الزيارة التي أجرى خلالها مباحثات مع نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف إنّها كانت إيجابية وتمّ خلالها بحث معظم الملفات وخاصة تفعيل قضية الجنوب على المستوى العالمي والمؤسسات الدولية ومجلس الأمن والأمم المتحدة، بما يضمن لشعب الجنوب حقه في تقرير مصيره.
وأثار حديث رئيس المجلس الانتقالي عن التطبيع مع إسرائيل ردود فعل حادّة أرجعها مصدر قريب من المجلس إلى “كون العلاقة مع إسرائيل والقضية الفلسطينية مازالتا قابلتين للاستثمار والمزايدة من قبل قوى سياسية ليس لديها ما تسوّقه عمليا ولا تملك سوى الشعارات القديمة والمستهلكة لاستمالة الجمهور”.
وقال مختار الرحبي مستشار وزارة الإعلام اليمنية عبر حسابه في تويتر إن حديث الزبيدي عن التطبيع مع إسرائيل “موقف شاذ”، معتبرا أن “مواقف كل اليمنيين رافضة للتطبيع”.
بينما خاطب صلاح باتيس عضو مجلس الشورى اليمني الذي يمثّل الغرفة الثانية في البرلمان، الزبيدي بالقول “وضعتَ الجميع أمام خيارين لا ثالث لهما إما دولة اتحادية قوية وإما تمزيق اليمن إلى دويلات تتسابق نحو التطبيع”، مضيفا عبر صفحته في فيسبوك “كل يختار ما يرى أنه الصواب، فقد حصحص الحق”.
واعتبر الكاتب السياسي الجنوبي صلاح السقلدي أن الحديث عن التطبيع مع إسرائيل في هذا الظرف القاهر لجنوب اليمن “أنانية مفرطة وخذلان صريح”.
وقال القيادي في الحراك الجنوبي عبدالكريم قاسم إنّ “الخلاف مع المجلس الانتقالي.. خلاف فكري عقائدي”، مضيفا عبر حسابه في فيسبوك “نحن نرى أن فلسطين قضية الأمة جمعاء، ومسألة التطبيع خيانة عظمى”.
وذهب الكاتب والناشط السياسي فهمي السقاف في تصريح لوكالة الأناضول إلى القول إنّ “القضية الفلسطينية شكلت وعي أجيال من اليمنيين والعرب”.
وردّا على ذلك قال أحمد عمر بن فريد رئيس دائرة العلاقات الخارجية بالمجلس الانتقالي الجنوبي “في مطلع الثمانينات وبعد أحداث بيروت فتحت جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية (الجنوب العربي) أبوابها على مصراعيها للفلسطينيين دون منة وكواجب أخوي”.
وأضاف في تغريدة عبر تويتر “بعد نكبة 1994 للجنوب لم نسمع أي مسؤول فلسطيني أدان ما حدث، ولم نسمع حتى يومنا هذا موقفا يعبر ولو تلميحا عن حق شعب الجنوب حتى في تقرير مصيره”.