لماذا تغيب المرأة العربية عن فن الكاريكاتير؟
الكاريكاتير فن الصدق والتعرية والغوص الشفيف تحت الجلد من أجل تحسس مواضع الخلل في المجتمعات وكشف السلبيات في مدارك العالم ومدارات الحياة التي يخوضها البشر، والإخبار عنها وتحليلها أملا في تداركها والوصول إلى ما هو أفضل وأنبل. لذلك لطالما ارتبط بهواجس الشعوب وكان وسيلة نقد فعالة، لكن قليلة هي تجارب الفنانات فيه، وهذا ما يثير التساؤل. في ما يلي حوار مع فنانة الكاريكاتير العمانية زمزم الرحبي حول هذا الفن وغياب النساء عنه ومكانته عربيا.
لا يعني الإبداع الحر للمرأة بمعناه الواسع الاقتصار على قضايا نسوية ضيقة. فمن المفترض أن المرأة المبدعة أكثر إلمامًا بهذه القضايا الشائكة التي تخصها وأقدر على طرحها ومناقشتها ومعالجتها فنيا واجتماعيا. وهنا تأتي الصعوبة، فالمحكّ الحقيقي هو قدرة المرأة على الإبداع حال رغبتها في التعبير الجمالي عن مشكلاتها المتجذرة، وإلا سقطتْ في النزعة الدعائية والتقوقع في ما هو مكرور من مشاكل ذاتية بحتة.
ولعل اقتحام المرأة العربية فن الكاريكاتير تعبير واضح عن خروج الفنانات العربيات من شرنقة الذات إلى عوالم هذا الفن الساخر والناقد والذي يحمل في طياته عمقا سياسيا وثقافيا واجتماعيا ورؤى تتعالق مع المتلقي أيا كان مستواه، وهو ما حقق لهذ الفن شعبيته الواسعة.
أعمال الفنانة العمانية تأتي في إطار كوميدي مليء بالألوان التي توظفها فنيا لإبراز الفكرة وتفاصيلها بالتوازي مع الخيال
وينفرد فن الكاريكاتير بقدرته الاستثنائية على قراءة الواقع بعمق وتسجيل الأحداث المؤثرة في سائر المجالات؛ الثقافية والفنية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية والرياضية وغيرها، بروح استبصارية كاشفة وقدرة كبيرة على إثارة الضحك والبكاء في الآن ذاته، عبر تفجير السخرية والمفارقة.
تقول فنانة الكاريكاتير العُمانية زمزم الرحبي إن حاضر فن الكاريكاتير في وطنها سلطنة عمان، وفي غيره من بلدان العالم العربي، هو حاضر “خجول” بالنسبة إلى المرأة، وإن بلادها لا تشهد حضورا كبيرا للمرأة في مجال الرسوم الكاريكاتيرية، ومن يمارسن ذلك الفن داخل السلطنة لا يجدن التشجيع الكافي والمحفز لهن على استمرارهن في مسيرتهن الفنية.
وتلفت الرحبي في تصريحات عبر الإنترنت، بمناسبة إطلاق معرضها الافتراضي الذي احتوى على 51 لوحة، إلى أن الساحة الفنية في سلطنة عمان شهدت ظهور الكثير من الفنانات اللاتي سرعان ما اختفين وابتعدن عن المشهد الفني، مؤكدة على الحاجة الملحة إلى قيام المؤسسات المعنية بتبني المواهب الفنية الشابة من الجنسين، وتشجيعها وتقديم الدعم اللازم لها، من أجل استمرار تواجدها في المشهد الفني بوجه عام وفن الكاريكاتير بوجه خاص.
وبخصوص ما تستمد منه موضوعات أعمالها الكاريكاتيرية تقر بأنها تستمد مواضيع أعمالها من المجتمع العماني والمجتمعات العربية بوجه عام، وما تشهده تلك المجتمعات من قضايا اجتماعية، ومن المشاهدات اليومية في المجتمع المحيط بها. كما تقر بأنها تحرص دوما على أن تحمل الكثير من أعمالها رسائل توعوية تسعى للفت أنظار المجتمعات إلى ما يحيط بها من قضايا وتحديات.
وحول قدرة الفنانين العرب على المنافسة عالميا في مجال فن الكاريكاتير تؤكد الفنانة الرحبي أن العرب قادرون على المنافسة عالميا، وأن الفنانين العرب ربما يكونون أفضل من أقرانهم في بلدان العالم، مضيفة أن تلك القدرة العربية على المنافسة العالمية فنيا مرهونة بحجم ما يتلقاه الفنان العربي من دعم وتشجيع من قبل الجهات المعنية برعاية الفنون.
وتتحدث الرحبي عن بعض أوجه المعاناة التي تعيشها الفنانات العاملات في مجال فن الكاريكاتير، ويعيشها أيضا الفنانون من الرجال، وذلك عند تناولهم بعض القضايا المجتمعية بشيء من الجرأة والشفافية، مشددة على الحاجة إلى نشر الوعي بأهمية دور الكاريكاتير وشتى الفنون في النهوض بالمجتمعات وتسليط الضوء على المشكلات والقضايا الكثيرة التي تعاني منها المجتمعات العربية.
وتؤكد الفنانة العمانية على أن الكاريكاتير فن يتعاظم دوره يوما بعد يوم، بجانب كونه إحدى أهم الوسائل التعبيرية التي تمكن الفنان من تقديم رؤية معالجة حقيقية للكثير من القضايا المجتمعية المحيطة به، مثلما تسمح له بأن يضمّنها أحاسيسه ومشاعره.
كانت الفنانة زمزم الرحبي قد أطلقت الشهر الجاري (أغسطس 2021) معرض كاريكاتير افتراضيّا، عبر إحدى المنصات الفنية الإماراتية التي يشرف عليها الفنان التشكيلي الإماراتي فيصل القاسمي، والذي يقول في تصريحات هاتفية إن “الفنانة زمزم الرحبي تتمتع بحس فني خاص في مجال الرسوم الكاريكاتيرية والقصص المصورة، بجانب فن البورتريه”.
ويضيف “معرضها الافتراضي الحالي، الذي يستمر على مدار الشهر الجاري، حظي بمتابعة كبيرة من قبل الأوساط الفنية وجمهور الكاريكاتيرالعربي”.
وتأتي أعمالها بحسب القاسمي في إطار كوميدي فكاهي مليء بالألوان التي توظفها فنيا حرصا على إبراز الفكرة وتفاصيلها، مع بعض الخيال.
يذكر أن الفنانة العمانية زمزم الرحبي بدأت مسيرتها في مجال الرسوم الكاريكاتيرية بجريدة “الشبيبة” في سلطنة عمان، ثم انتقلت للعمل في جريدة “الوطن”، ثم انتشرت أعمالها في الكثير من الصحف والمواقع، إلى جانب إصدارها مجموعة من النشرات الفنية والتوعوية، كان من أبرزها كتاب “لون وتعلم” وهو كتاب تثقيفي وتوعوي موجه إلى الأطفال.