إنقاذ اتفاق الرياض.. حتى لا يتحول الحل إلى أزمة (تحديات كثيرة ومخاوف من عودة الحرب ومادور طارق صالح؟)
مركز العربية السعيدة للدراسات– نائف حسان:
ملخص تنفيذي
تتناول هذه الورقة أبعاد ومخاطر عدم تنفيذ اتفاق الرياض، الذي تم توقيعه في 5 نوفمبر 2019، بين الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، والمجلس الانتقالي الجنوبي.جرى توقيع الاتفاق في العاصمة السعودية الرياض، برعاية الملك سلمان بن عبدالعزيز، لإيقاف القتال بين قوات الحكومة والمجلس الانتقالي، بهدف توحيد القوى اليمنية لمواجهة جماعة الحوثي، التي اجتاحت العاصمة صنعاء في 21 سبتمبر 2014، ثم تمكنت من السيطرة على كثير من المناطق والمحافظات اليمنية.ورغم الجهود المعلنة وغير المعلنة، فشلت السعودية في تنفيذ الاتفاق، ما زاد من ضعف الحكومة اليمنية، وبقية حلفائها المحليين، لصالح جماعة الحوثي. وأدى الأمر، وسيؤدي، إلى إطالة الحرب في اليمن، وبقاء الحوثيين كجماعة هيمنة وحيدة متماسكة.باندلاع الصراع مع “الانتقالي” افتقدت الحكومة اليمنية لمركز إداري مستقل للعمل فيه من على الأرض داخل اليمن؛ بعد أن سيطرت قوات “الانتقالي”، في أغسطس 2019، على مدينة عدن، العاصمة المؤقتة للبلاد، وطردت الحكومة منها.هذه الورقة ستقدم لمحة موجزة عن التحديات التي تواجه تنفيذ اتفاق الرياض، وستسلط الضوء على آخر التطورات الميدانية المتعلقة بالصراع بين طرفيه، لمعرفة حقيقة التحديات والمخاطر المترتبة على عدم تنفيذ هذا الاتفاق. وفي السياق، سيتم تحليل تلك التحديات والمخاطر، وتقديم توصيات ومقترحات واقعية يمكن الاسترشاد بها للتعامل مع الأزمة والخروج منها بأقل الخسائر الممكنة.
ستتناول الورقة طبيعة اتفاق الرياض، ودلائل ونتائج فشله أو نجاحه، وأسباب يأس اليمنيين من فاعليته وعدم ثقتهم به، وبالضرورة النتائج المترتبة على السعودية جراء فشلها في تنفيذ الاتفاق.ستتطرق الورقة إلى نقاط وجوانب الاتفاق التي أثارت مخاوف لدى اليمنيين، والآثار العسكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية المترتبة عن الفشل في تنفيذه. بالإضافة إلى أهم التطورات العسكرية والأمنية والاقتصادية والسياسية التي تلت توقيع اتفاق الرياض وارتبطت به. وسنرى كيف أثّرت هذه التطورات على تنفيذ الاتفاق. كما ستتناول الورقة أدوار الفاعلين المحليين والإقليميين والدوليين، سلباً وإيجاباً، في التأثير على الاتفاق.هذه الورقة هي جزء من “مشروع اتفاق الرياض”، الذي ينفذه مركز العربية السعيدة للدراسات، بهدف فهم الأسباب التي حالت دون تنفيذ الاتفاق، وتقديم توصيات استرشادية واقعية للأطراف المعنية، للدفع نحو تنفيذ الاتفاق. وسيتضمن هذا المشروع أوراق سياسات أخرى سيتم نشرها تباعاً.
أهمية الورقة
تأتي أهمية هذه الورقة من استمرار طرفي الصراع في التحشيد العسكري، وتوسع رقعة المواجهات بينهما في محافظة أبين، مع احتمال تفجر جبهة جديدة بينهما داخل مناطق قبائل الصَبِّيْحَة([1])، التابعة لمحافظة لحج([2])، القريبة من مدينة عدن؛ ما سيلقي بآثار سلبية كثيرة ستضفي مزيداً من الضعف على الحكومة اليمنية والقوى المحلية المناهضة لجماعة الحوثي.كذلك، تنبع أهمية هذه الورقة من تواصل التدهور الاقتصادي في اليمن، ويظهر ذلك في استمرار انهيار العملة الوطنية أمام العملات الأجنبية، وزيادة معدلات الجوع في البلاد، حيث صار 70% من السكان، البالغين 30 مليوناً، يواجهون خطر المجاعة([3]). وسبق للأمم المتحدة أن قالت إن اليمن تشهد أسوأ أزمة إنسانية في العالم بسبب الحرب([4]).وتؤكد التقارير ارتفاع التوتر في جنوب اليمن، مع غياب شبه كامل للخدمات، واستمرار الانقطاع المتواصل للتيار الكهربائي، وانتشار النفايات والخوف في مدينة عدن([5]).
مقدمة
مرَّ نحو 11 شهراً على توقيع اتفاق الرياض بين الحكومة والمجلس الانتقالي، إلا أنه لم يتم حتى اليوم تنفيذ هذا الاتفاق. ترافق ذلك مع استمرار التوتر العسكري والسياسي والإعلامي بين طرفي الاتفاق؛ على خطوط التماس الميدانية، وفي تصريحات السياسيين، وأداء وسائل الإعلام التابعة لهما، ومواقف ناشطيهم في مواقع التواصل الاجتماعي.
تفجرت المواجهات بين الجانبين، في 7 أغسطس 2019، داخل مدينة عدن، وانتهت، بعد أربعة أيام، بسيطرة القوات التابعة للمجلس الانتقالي على العاصمة المؤقتة للبلاد، وعلى قصر مَعَاشِيق الرئاسي الواقع فيها. بعد ذلك، دخلت قوات “الانتقالي”، بسهولة، مدينة زُنْجُبَار (60 كم شرق عدن)، وسيطرت على محافظة أبين([6]). حينها، وصل “الانتقالي” إلى ذروة توسعه، إذ كان يسيطر على خمس من أصل سبع محافظات جنوبية([7]) يزعم تمثيلها. بيد أن ربيع “الانتقالي” سرعان ما تحول إلى خريف.في 21 أغسطس ذاته، اندلعت المواجهات بين الطرفين في مدينة عتق، عاصمة محافظة شبوة([8])، وانتهت تلك المواجهات بسيطرة القوات الحكومية على المدينة وبقية المديريات التابعة لهذه المحافظة النفطية الهامة. تقدمت القوات الحكومية، بعدها، نحو محافظة أبين وتمكنت، بسهولة، من استعادة السيطرة على مركزها، ثم توجهت نحو عدن بهدف استعادة السيطرة عليها. وعندما وصلت هذه القوات إلى منطقة “العَلَمْ”، البوابة الغربية لمدينة عدن، تعرضت، في 29 أغسطس، للقصف، وأُجبِرت على الانسحاب والعودة إلى مدينة شَقْرة الساحلية، التابعة لمحافظة أبين، والواقعة شرق “زُنْجُبَار” على بعد نحو 20 كم باتجاه شبوة.مذاك، نشأت خطوط تماس قتالية بين الجانبين، في المناطق الواقعة بين “شُقْرَة”، وقرية الشيخ سالم، التي تبعد بنحو سبعة كم شرق مدينة زُنْجُبَار. ومن حينها، شهدت هذه الجبهة مواجهات دامية أدت إلى سقوط مئات القتلى والجرحى من الجانبين([9]). تواصلت المواجهات حتى بعد توقيع اتفاق الرياض، وفي ظل وجود وساطة عسكرية سعودية على الأرض، وهي وساطة فشلت في الفصل بين القوات وتنفيذ الشق العسكري من الاتفاق؛ وإعادة نشر القوات من مناطق المواجهات إلى مناطق أخرى([10])، وإخراج قوات “الانتقالي” من عدن([11]).ومع أن المواجهات متوقفة الآن في أبين، إلا أن التوتر العسكري لايزال مستمراً فيها بشكل عالٍ بين الجانبين، وزاد هذا التوتر بعد أن تفجرت المواجهات بينهما في مدينة لودر، ثالث أكبر مدن المحافظة([12])؛ إذ سيطرت القوات الحكومية على هذه المدينة، وقال “الانتقالي” إن قواته “لن تقف مكتوفة الأيدي” حيال ذلك([13]).
وتلوح في الأفق جبهة مواجهات جديدة قد تتفجر بين الجانبين في أي وقت؛ في مناطق قبائل الصَبِّيحَة، الواقعة على الحدود الشطرية السابقة مع الشمال، وتحديداً مع محافظة تعز([14])، التي تسيطر على أجزاء كبيرة منها القوات التابعة والموالية لحزب التجمع اليمني للإصلاح، الذراع السياسي والعسكري لجماعة الإخوان المسلمين في اليمن([15])، التي تلعب دوراً رئيسياً فاعلاً في قتال قوات “الانتقالي” في أبين.
جبهة جديدة محتملة للقتال
كان اللواء 35 مدرع، بقيادة عميد ركن عدنان الحمادي، أول من قاتل جماعة الحوثي في محافظة تعز، في أبريل 2015([16]). وكان الحمادي شخصية مستقلة يتمتع بعلاقات جيدة مع الجنوب، بما في ذلك المجلس الانتقالي، ومع جميع القوى السياسية في تعز، باستثناء حزب الإصلاح([17])، ومحور تعز العسكري الذي يدين بالولاء لهذا الحزب.في 22 أغسطس 2020، سيطر المسلحون التابعون لحزب الإصلاح، والقوات الموالية له، بالقوة، على مقر اللواء 35 مدرع([18])، والمسرح العملياتي الذي كانت تنتشر فيه قوات هذا اللواء: أغلب مناطق مديريات الحُجَرِيِّة([19])؛ الريف الغربي لمحافظة تعز. نَشَرَ حزب الإصلاح قواته على الجبال المطلة على الجنوب والساحل الغربي([20]). وبذلك، صارت هناك خطوط تماس قتالية محتملة لمقاتلي جماعة الإخوان المسلمين مع خصومهم الرئيسيين: مقاتلي المجلس الانتقالي، وقوات طارق صالح.بعد أن سيطر حزب الإصلاح على الريف الجنوبي لتعز، سعى، كما يقول خصومه ويؤكد ذلك بتحركاته، إلى “تشكيل قوة عسكرية تابعة له في مديرية طور الباحة”، و”شَرَعَ في تجنيد أبناء قبائل الصَبِّيحة للانضمام” إلى تلك القوات([21]).عملياً، كان هناك حضور عسكري لقوات “الإصلاح” في “الصَبِّيحة”، تحت غطاء حكومي رسمي، تمثّل في اللواء الرابع مشاة جبلي، الذي ظهر فجأة، عام 2017، في مديرية المقاطرة، الملتصقة مباشرة بمديرية طور الباحة؛ مركز “الصَبِّيحة”. تأسس هذا اللواء دون صدور قرار جمهوري يقضي بذلك، وأُسنِدت قيادته لـ”صُبيحِي” يدعى أبوبكر الجبولي، وهو “إخواني” معروف كان يعمل مدَرِّساً تربوياً ومراسلاً للصحيفة الناطقة باسم “الإخوان”؛ “الصحوة”.نهاية أكتوبر 2020، بدأ الإعلام التابع لـ”الإصلاح” الحديث عن “محور طور الباحة العسكري”، بقيادة “الجبولي”، دون صدور أي قرار جمهوري يقضي بتشكيل وإنشاء هذا المحور العسكري([22]). مع ذلك، نَشَرَ الموقع الرسمي لوزارة الدفاع اليمنية، مطلع فبراير 2021، خبراً قال فيه إن “اللواء أبو بكر الجبولي، قائد محور طور الباحة، دشن العام التدريبي الجديد بمعسكر الكمب في مديرية طور الباحة”([23]). خصوم “الإصلاح” يعتبرون ذلك من الأدلة التي تؤكد سيطرة “الإخوان” على قرار الحكومة اليمنية. محمد النقيب، المتحدث الرسمي باسم قوات المجلس الانتقالي، قال إن تشكيل محور طور الباحة العسكري “غير شرعي”، وأكد “عدم صدور أي قرار عسكري بإنشاء محور طور الباحة الإخواني، ومثله اللواء الرابع مشاة”، واعتبر أن الهدف من ذلك هو إفشال اتفاق الرياض([24]).حيال التحشيد العسكري في “طور الباحة”، وعلى الحدود الشطرية السابقة معها، زاد اهتمام “الانتقالي” بـ”الصَبِّيحة”، وعقد لقاءات عدة مع قيادات منهم؛ تارة “لتعزيز وحدة الصف الجنوبي”([25])، وأخرى “لبحث الأوضاع العسكرية في مناطق التماس” مع تعز، و”مستجدات الأوضاع العسكرية في مناطق الحجرية”([26]). وفي 25 أغسطس 2020، قال الشيخ علي التتوي، قائد المقاومة الجنوبية في المناطق الحدودية في “الصَبِّيحة”، في لقائه برئيس القيادة المحلية للمجلس الانتقالي في لحج، إن “الحشد الشعبي، التابع لحزب الإصلاح الإخواني، يحاول تفجير الأوضاع واستهداف المقاومة الجنوبية عسكرياً” في “الصَبِّيحة”([27]).رئيس “الانتقالي” في لحج، المحامي رمزي الشعيبي، زار، في 20 فبراير 2020، “الخطوط الأمامية بجبهتي حيفان وعيريم في الصبيحة”، للاطلاع على جاهزية قوات “الانتقالي”، “رافعاً من معنويات الجنود المرابطين، وشاحذاً بهم الهمم”؛ كما جاء في الموقع الرسمي التابع لـ”الانتقالي” في الإنترنت. واستُقبِل هناك “بعرض عسكري مهيب” في معسكر اللواء الرابع حزم، وأبلغ المقاتلين “تحايا” عيدروس الزُبِيدي، و”أكد بأنه وقواته سيكونون سداً منيعاً ضد أي هجوم لأي عدو حوثي أو إخواني تسول له نفسه التقدم صوب المناطق الجنوبية”([28]).ويوم 26 يونيو 2021، ترأس عيدروس الزُبِيدي، اجتماعاً عسكرياً وأمنياً لـ”الانتقالي” في عدن، “للوقوف أمام التحشيدات الإخوانية في أبين والمواجهات ضد المليشيات الحوثية في الضالع”.
وقال الموقع الرسمي لـ”الانتقالي” على الإنترنت إن “الاجتماع وقف أمام عملية التحشيد العسكري التي تقوم بها ميليشيا الإخوان في كلٍّ من شقرة والصبيحة، ومدى استعداد القوات المسلحة الجنوبية لمواجهة هذه الحشود والتشكيلات العسكرية الإخوانية، والتنظيمات الإرهابية”([29]).وفي 13 مايو الماضي، زار “الزُبِيدي” معسكر اللواء التاسع صاعقة التابع لقواته والمتمركز في “الصَبِّيحة”. يومها، “الزُبِيدي” زار “عدداً من المواقع والنقاط العسكرية الممتدة على طول خط الصبيحة ورأس عمران”، في الساحل الغربي([30]). ويوم 31 من ذات الشهر، التقى “الزُبِيدي” بوجهاء وأعيان “الصَبِّيحة”، وقال إن “الصبيحة بكامل امتدادها الجغرافي، ستظل سياجاً منيعاً تنتحر على صلابته كل المؤامرات والأطماع التي تستهدف الجنوب وأمنه واستقراره”([31]).وخلال الفترة الماضية، عَمِلَ “الانتقالي” على تعزيز قواته المنتشرة في “الصَبِّيحة”، على المناطق المحادة لتعز([32])، لمواجهة أي هجوم “إخواني” محتمل، حسب قول قائد عسكري تابع لـ”الانتقالي”([33]).وضمن التداعيات، نَشَرَ موقع “العين الإخبارية” الإماراتي، في 7 فبراير الماضي، تقريراً بعنوان “إخوان اليمن يحشدون على أبواب عدن.. منصات صواريخ و”درونز” تركية”، بهدف “اجتياح الجنوب والساحل الغربي”. وطالب الموقع، على لسان محلل عسكري يمني، من الحكومة “الضغط على حزب الإصلاح للالتزام ببنود اتفاق الرياض، ووقف التهديد، ومنع الحشود على أطراف محافظة لحج والصبيحة، قرب باب المندب ومديرية طور الباحة، وأبين الشرقية من “قرن الكلاسي” و”شقرة” حتى “أحور” و”المحفد” بمحافظة أبين”([34]).
موقع “نيوز يمن”، المحسوب على قوات طارق صالح، قال إن تشكيل محور طور الباحة العسكري هو مقدمة لتوغل “الإخوان” في “الصَبِّيحة”، ثم السيطرة على باب المندب([35]). أما موقع قناة “سكاي نيوز عربية” الإماراتية، فقد نشر تقريراً جاء فيه، نقلاً عن مصدر عسكري يمني لم يسمه، إن “قطر تستقطب مرتزقة ومتطرفين مقابل مبالغ ضخمة، بهدف تشكيل قوات عسكرية موازية في اليمن، سعياً نحو تفعيل أجندتها الخبيثة مع تركيا بمؤامرة إخوانية، في الجنوب وباب المندب”([36]).
جوهر الخلاف حول الاتفاق
بعد توقيع اتفاق الرياض مباشرة، بدأ الخلاف حول تنفيذه([37]). نشأ الخلاف منذ البداية حول ما يجب البدء بتنفيذه أولاً: الرئيس هادي، وشريكه الرئيسي في “السلطة” (حزب الإصلاح)، اشترطا البدء بتنفيذ الترتيبات العسكرية([38]) والأمنية([39]) من الاتفاق، فيما طالب “الانتقالي” البدء بتنفيذ الشق السياسي أولاً؛ تنفيذ الاتفاق بشكل تسلسلي. وإلى الآن لايزال الخلاف قائماً حول هذا الأمر؛ وهو خلاف مفصلي حال دون تنفيذ غالبية بنود الاتفاق. وبعد أشهر من المفاوضات والتعطيل، جرى التوافق على أن يتم تنفيذ الاتفاق بشكل متزامن. لكن ذلك لم يتم. وشكَّلت السعودية لجنة عسكرية وصلت إلى عدن وأبين بهدف إعادة نشر القوات في مناطق المواجهات، وإخراج قوات “الانتقالي” من العاصمة المؤقتة، إلا أن اللجنة فشلت في مهمتها، رغم الإعلان، في 11 ديسمبر الماضي، عن نقل عددٍ من الألوية العسكرية من مناطق التماس، بإشراف سعودي([40]).بلغت الأزمة ذروتها حين أعلن المجلس الانتقالي، مساء 25 أبريل 2020، حالة الطوارئ في عدن ومناطق سيطرته، وتوليه مهمة “الإدارة الذاتية للجنوب”([41]). الحكومة اعتبرت ذلك “تمرداً واضحاً على الشرعية، وانقلاباً صريحاً على اتفاق الرياض، واستكمالاً للتمرد المسلح على الدولة”. قوبل قرار “الانتقالي” برفض محلي وإقليمي ودولي([42])، وفي 28 يوليو 2020، أُجبِرَ على التراجع عنه: أَعلن تخليه عن “الإدارة الذاتية للجنوب، لإتاحة للتحالف العربي تطبيق اتفاق الرياض”([43]). تم ذلك بعد أن قدمت السعودية آلية لتسريع تنفيذ الاتفاق. وصباح اليوم التالي، “بدأ سريان تنفيذ الآلية لتطبيق الاتفاق بعد إصدار الرئيس هادي قرارات جمهورية قضت بتعيين محافظ ومدير لأمن محافظة عدن، وتكليف رئيس الحكومة الحالية معين عبد الملك تشكيل حكومة جديدة([44]). مع ذلك، لم يتم حتى اليوم استكمال تنفيذ الاتفاق؛ رغم الدور الإيجابي الذي لعبه الفاعلون الإقليميون والدوليون الرئيسيون([45]).لقد “اقتصر تنفيذ اتفاق الرياض على إيقاف المواجهات المسلحة وتجميدها، وإلغاء الإدارة الذاتية، ثم تبع ذلك تعيين محافظ ومدير لأمن عدن، وأخيراً تشكيل الحكومة.. ”وزادت الأمور سوءاً وتطورت إلى اقتحام القصر الرئاسي في عدن (مَعَاشِيق)، يوم 16 مارس 2021، من قبل محتجين قِيل إن “الانتقالي” دفعهم نحو ذلك([46]). ولم يكن أمام السعودية غير دعوة طرفي الاتفاق إلى “الاستجابة العاجلة لما تم التوافق عليه، ونبذ الخلافات، والعمل بالآلية المتوافق عليها”([47]).تؤكد المعلومات أن السعودية مارست ضغوطاً شديدة لإجبار الطرفين على توقيع الاتفاق، ثم القبول بآلية تنفيذه من قبلها. لكن تلك الضغوط لم تنهِ الأزمة.نَصَّ الاتفاق على تشكيل حكومة كفاءات سياسية، “مناصفة بين المحافظات الجنوبية والشمالية، وذلك خلال مدة لا تتجاوز ثلاثين يوماً من توقيع هذا الاتفاق” (5 نوفمبر 2019). لكن الإعلان عن تشكيل الحكومة تم بعد قرابة 13 شهراً ونصف من المفاوضات؛ أُعلن عن تشكيلها في 18 ديسمبر 2020. وإلى الخلاف الرئيسي حول ما يجب البدء تنفيذه أولاً، نشأت خلافات حول توزيع حصص المقاعد الوزارية، لا سيما السيادية منها.البند الثاني من الملحق الأول من الاتفاق، نَصَّ على أن “يباشر رئيس وزراء الحكومة الحالية عمله في العاصمة المؤقتة عدن خلال مدة لا تتجاوز 7 أيام من تاريخ توقيع الاتفاق”، وذلك لم يتم، وحتى اليوم لاتزال الحكومة تمارس عملها من الرياض.لم يتم تعيين محافظ ومدير لأمن عدن خلال الفترة التي حددها الاتفاق([48]). وحتى اليوم لم يتم تعيين محافظين لبقية المحافظات الجنوبية([49]).
تبادل الاتهامات
ما الذي يحدث اليوم:
لاتزال التحشيدات العسكرية مستمرة من الطرفين في محافظتي أبين وشبوة، وفي “الصَبِّيحة”، محافظة لحج، والمناطق المتاخمة لها من تعز([63]). كما لاتزال عمليات القمع الأمنية متواصلة بين الطرفين في محافظتي عدن وشبوة. كذلك، الحملات الإعلامية مستمرة بين الجانبين، رغم التزامهما بإيقافها.
مخاوف اليمنيين
الفرص والتحديات والمخاطر:
يمكن أن يؤدي تنفيذ اتفاق الرياض إلى تمكين الحكومة اليمنية من “تجاوز عقبة تعدد الأزمات”، وتعزيز نفوذها، و”إنهاء “حالة” حكومة المهجر”، و”احتواء الدعوات الانفصالية”. وفي حال النجاح في تنفيذه، كان يمكن أن يصبح الاتفاق قابلاً للتعميم في مناطق أخرى([64]).إذا ما تم النجاح في تنفيذ الاتفاق، فسيؤدي، أو هكذا يفترض، إلى “تنظيم الأوضاع الأمنية والسياسية والاقتصادية التي شهدت تدهوراً خلال فترة الصراع” بين الحكومة و”الانتقالي”. إضافة إلى ضبط الأمن في عدن والمحافظات الجنوبية، ووقف التدهور الاقتصادي فيها وفي المحافظات والمناطق التي تسيطر عليها الحكومة، وصرف مرتبات الموظفين.إن النجاح في تنفيذ الاتفاق سيؤدي إلى ضبط العلاقة بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي، وتهيئة الظروف الملائمة لإدماج الأخير في بنية الحكومة، للعمل تحت سقفها، وتأجيل مطالبه بانفصال الجنوب.هيمنة علي محسن و”الإصلاح” على الحكومة اليمنية وقرارها هو أهم التحديات التي اليمنيين بشكل عام، وتنفيذ اتفاق الرياض بشكل خاص. كان يفترض باتفاق الرياض أن يؤدي إلى تحرير الحكومة، لكن ما حصل هو تكريس هذه الهيمنة([65]).لا توجد شراكة حقيقية في “حكومة المهجر”، ليس بين مركز الهيمنة الحالي و”الانتقالي” فحسب، بل أيضاً بين هذا المركز (الرئيس هادي وعلي محسن و”الإصلاح”)، وبقية المكونات السياسية الداعمة للحكومة.
تحديات كثيرة تواجه تنفيذ الاتفاق. فرص نجاحه متدنية للغاية، وأفق استمرار الحرب مفتوح على مصراعيه.هناك صعوبات كبيرة تحول دون “التطبيع السياسي”، وتجعل من ذلك عملية معقدة وشبه مستحيلة. “لا يزال من المبكر القول إن الاتفاق هو انعكاس لإرادة سياسية حقيقية بين المكونات المتنافرة أيديولوجياً وسياسياً بحكم طبيعتها، وأن تلك القوى طوت صفحة الصراع فجأة، بقدر ما يمكن القول إن مصالح تلك القوى، وضغوط تحالف دعم الشرعية، هي التي فرضت عملية الشراكة السياسية. فجذور هذا الصراع تمتد إلى حقبة الحرب الأهلية التي سميت بـ”حرب الوحدة”، وأغلب أطراف اتفاق الرياض هم أطراف تلك الحرب، وبالتالي فإن “إرث الثأر” بين تلك القوى لا يزال متغيراً مؤثراً، وسرعان ما يتم استدعاؤه مع أول مؤشر للخلاف”([66]).إن “إرث العداء التاريخي والتعارض الأيديولوجي يقلص من احتمالات توافق الطرفين، وذلك فضلاً عن باقي العدائيات الأخرى التي تشكلت خلال الممارسات السياسية في السنوات الثلاثة الأخيرة منذ نشأة الانتقالي سياسياً عام 2017، وبدعم شعبي كقوة انفصالية بالأساس”([67]).هناك أيضاً مسألة مهمة: “إشكالية النموذج: يمكن النظر إلى المحاصصات السياسية والجهوية التي اعتمدت في التشكيلة الحكومية باعتبارها نموذجاً للتوزيع المتوازن للسلطة، لكن في ضوء خبرات الممارسة السياسية، لم تثبت هذه العملية جدواها في العديد من الحالات الإقليمية، فقد تعثرت في العراق، كما لم تنجح في لبنان، حيث أفرزت الممارسة حالة من الاستقطاب السياسي داخل حكومات المحاصصة أعادت إنتاج الأزمات السياسية بأشكال أخرى، في ظل سعي الأطراف إلى بناء توازنات جديدة”([68]).صحيح أن الاتفاق يستجيب لعوامل السلام والصراع، واحتياجات اليمنيين وتطلعاتهم، إلا أن الفشل في تنفيذه حال دون تحقيق ذلك. وسيؤدي فشل في تنفيذ الاتفاق إلى إطالة الحرب، وتدهور الأوضاع الإنسانية والاقتصادية في اليمن.
أسباب الفشل في تنفيذ الاتفاق
التوصيات: