خديجة الحرق تكتب عن “فاجعة أغسطس” وكيف قتلت عصابات “محور تعز” أسرتها وشردت عائلتها وفرحتها بتفوق أخيها المفقود في الثانوية

يمن الغد – خديجة سمير الحرق:
غادَرَنا أغسطس الحزين، لكنّ الفاجعة التي حدثت لأسرتنا فيه لم تُغادِرنا. على الرغم مما حمله لنا الأول من سبتمبر من خبر جميل. لكنّ قلوبنا لم تعد تُضمِد جراحها أي أخبار لشدة ما أصابها!أخي وصديقي محمد..أبي الغالي سمير..أعمامي عبده وعصام وخالد.. الذين غادروا دون عودة، كل أفراد أسرتنا المنفيين والمختفيين عنا وعن مدينتكم، وصلَنا مساء الأمس خبر تفوق محمد وتميزه في الثانوية العامة وحصوله على معدل ٩٦.١٣%.الخبر الذي جعلني أستعيد كل ذكرياتنا معاً.. ابتداءً من أول يوم دراسي ذهبنا فيه سوياً إلى المدرسة، وكلانا ممسكٌ بيد الآخر مكللين بالأحلام الطفولية وبالفرح، ثم نجاحنا من صف إلى آخر في المرحلة الأساسية، بتفوق مُبهر دائماً، بفضل من الله العظيم، وبمتابعة واهتمام أمي، وتشجيع أبي الدائم وتحفيزه الكبير، ثم كيف اجتزنا المرحلة الثانوية المحفوفة بالصعاب، بعزمنا فيها على النجاح، وأن نكون فيها كما يليق بنا أن نكون متميزين متفوقين.ها أنت يا محمد تكمل رحلة الثانوية العامة بنجاح، وتكون بذلك أحد أوائل الطلبة في مدرستك.. رسائل التهاني والتبريكات لك لم تتوقف حتى اللحظة من معلميك ومعلماتك وكل أصدقائك منذ إعلان نتائج الثانوية مساء الأمس، وكلهم يسألونا: “أين محمد؟ متى يعود محمد؟ اشتقنا له، حسبنا الله على من كان السبب”.كفاحك وحبك للتعليم وذكرياتك الجميلة وأخلاقك الأجمل طيلة مسيرتك الدراسية جعلت الجميع فخور بك معلماتك، ومعلميك وأصدقائك، وكل أفراد عائلتنا المسالمة والمحبة للعلم.محمد وأنت بعيدٌ عنّا..لقد حل علينا خبر تفوقك كنور وأمل بعد حزن وظلامٍ دامس عشناه في أغسطس الحزين بسبب تلك الجريمة الشنعاء، التي كانت فيها خسارتنا فادحة، رحيل أعمامنا الأحباء وابن العم عيسى، لكن الوجع الذي بداخلنا قد صار نبضاً تنبض به قلوبنا ولك أن تتخيل يا محمد ما معنى أن ينبض القلب وجعاً وهو الذي خلقه الله لينبض إعلاناً للحياة لا للوجع!الحياةُ هنا يا محمد من بعدك وأبي، وأعمامي وابن العم المقتولين لم تعد حياة، الحياة هنا ماتت منذ رحل منها أعمامي وعيسى.. الموت هو من يحيا معنا الآن بدلاً عنك وأبي وبقية شباب أعمامنا المشردين!محمد..تفاصيل يوم الثلاثاء في العاشر من أغسطس لا ينفك عقلي عن التفكير بها بل إنّه لم يعد قادراً على استيعاب ما حدث!ما الذي حدث؟ ولماذا حدث؟ لماذا حياتنا الطبيعية صارت موتاً وبكاءً؟ لماذا ضاقت بنا الأرض والوطن؟اُفكرُ هل ما حدث مجرد حلم عابر.. كابوس مزعج وسينتهي سريعاً، أم أنّه فعلاً واقعاً لابد أن يُعاش ولا مفر؟ما الذنب الذي اقترفناه ليموت عمي عبده على يد عصابات وهو الذي قضى جُلّ عمره في خدمة هذا الوطن، لماذا قتلوه وهو السمح صاحب القلب الكبير الذي يتسع للجميع؟يَقتلني في اليوم ألف مرة صوت عمتي وهي تبكي زوجها المفقود صبحاً ومساءً، كل يومٍ وكل ليلة، إنها باستمرار تردد: “عبده وين أنتَ يا عبده ليش تركتني وحدي؟” بهذا السؤال اسمعها وهي تردده، فأتساءل: بأي ذنب قُتل عمي عبده؟ما الذنب الذي اقترفناه ليموت أعمامي خالد وعصام على يد عصابات، وهما المكافحان لأجل لقمة العيش ولأجل أطفالهم الصغار والعيش بقربهم بحب وأمان وتأمين مستقبلهم، لقد رحلوا وخلّفوا ورائهم أطفال يحملون صفة اليتم ويتنفسون الوجع، لا استطيع النظر إلى أعين صغارهم يا محمد، وكيف لي أن أتجرأ بالنظر إلى أعينهم والقتلة لايزالون يتجولون في أزقة المدينة ويصرون على ارتكاب المزيد، أرواح الصغار مفزوعة وأعينهم تفيض ألماً وقهراً وكأنّها تسأل بأي ذنبٍ قُتل آبائهم وماذا فعلوا ليموتوا بهذه الطريقة؟ما الذنب الذي اقترفناه ليُقتل عيسى ابن عمنا عبده على يد مجرمين قتلة؟ عيسى الشاب العاشق للرياضة والمُحب للسلام أكثر من أي شيء آخر ماذا فعل بهم ليعذبوه بوحشية حتى يموت؟عمتي أمُّ عيسى يؤرقني حالها فهي المفجوعة بمقتل الزوج والابن الشاب، كم سيكون بوسعها أن تتحمل كل هذا الوجع؟محمد دعني أروي لك فيض من هذا الوجع.. ما الذنب الذي اقترفناه لنصبح غير قادرين على العيش ببيوتنا؟أتعلم يا أخي لقد ساد الظلام ورائحة الموت في بيوتنا ولو علقنا ألف مصباح فإنّ الظلام يكتسح المكان لأنّ ما حدث لنا ظلماً كبيراً لا طاقة لنا به ولا قدرة للمصابيح أن تُنير ظلامه!ما ذنبنا؟ ما ذنبنا؟ ما ذنبنا؟كما تعلم يا محمد أنّه لا ذنب لنا.. فما حدث لنا لم يكن بسبب ذنب اقترفناه، بل فجأة هكذا جاء رجلٌ يُدعى “الأعرج” لا نعرفه وليس بيننا وبينه أية صلة ولا مشاكل سابقة معه، جاء فجأة مدعوماً بالأطقم والمُسلحين والأسلحة يريد أخذ أرضنا قائلاً: أنّها ملكه! فقال له أولاد محمد علي الحرق: هذه الأرض ملكنا ولدينا ما يُثبت ذلك، وأنت يا “أعرج” ارجع لك بدون مشاكل لو تدّعي أنه لك حق وملك اذهب إلى المحكمة، لكن رد الأعرج قائلاً: أنا الدولة وأنا القانون!!ثُمّ رشهم بالرصاص وكأنّ الذين أمامه ليسوا بشراً فسقط أعمامي شهداء.. أتساءل كيف تجرأ هكذا أن يأتي بأطقم ومسلحين وأسلحة ليأخذ أرضاً ليست ملكه بالقوة؟ ما هذه الفظاعة؟ في أي زمن نحن وإلى أي مستوى وصلنا عندما يقتلون الإنسان ليأخذوا حقه؟ أو لأنهم قالوا لا في وجه قتلة مغتصبين!ثمّ بعد ذلك تأتي تعزيزات أخرى بعد الأطقم السابقة ويفيض الشارع والحارة بالأطقم والعسكر الذي يرتدون بدلات عسكرية مع المسلحين باللباس المدني!تُرى لماذا شارك الأمن وقوات الأمن والعسكر في السطو على منازلنا ولم يحترموا النساء والأطفال وهجروهم وشردوهم من بيوتهم؟!ماذا فعلنا.. أتساءل ما ذنبنا؟! ما الذي فعلناه لنُقتل ونُشرد ونُنهب ويشارك الأمن والعسكر العصابات في الاعتداء علينا؟! أهكذا أزاغت أبصارهم العصابات.. أنحن العدو اللدود الذي يريدون تحرير تعز منه؛ ليأتي هكذا فجأة، الأمن والعصابات ويحولوا منطقة عمد/ بير باشا إلى مجزرة ومأساة، ومأتم وفي لحظاتٍ معدودات؟!الحياة منذ ذلك اليوم يا أخي صارت مأتم، وبعد سماع خبر مقتل أعمامي كنت أخشى أن تكون أنت وأبي مقتولين!اتذكر حينها صراخ أبي: خديجة اخرجي من البيت.. انتبهي هؤلاء لا يحترمون أحد سيقتحمون المنازل، هؤلاء لا ذمة لهم ولا ضمير لقد قتلونا على حقنا يا بنتي اخرجي من البيت، خرجتُ حينها لكنّ قلبي كان معك يا أخي ومع أبي وأعمامي الذين قُتلوا بدم بارد على مرأى ومسمع الناس والأمن والجيش مشاركٌ في قتلهم وإن حاول أحد إنقاذهم سيُقتل كون الحارة في ذلك الوقت امتلت بالأطقم والأمن والعصابات!خرجت لأنني كنت وحدي في المنزل.. ووصلت إلى بيت أحد أقربائي من طريق آخر غير الطريق المُعتاد، بينما بقيت عماتي مع بناتهن وأطفالهن في بيوتهن يبكين ويصرخن.. كل الدنيا صارت لوناً أسوداً يا أخي ولم أسمع إلا صدى اصوات عماتي الأرامل وأبنائهن الأيتام.لا أدري إن كنت قد شاهدت فيديو عمتي أم عيسى وهي تحكي ماذا حدث لهن بعد ذلك أم لا؟ لقد روت للقنوات الفضائية ما حدث لهن بعد ذلك من تهجم وعدم احترام النساء والدخول إلى بيوتنا والتكسير والنهب.ما يزيد الأمر فظاعةً وإجراماً يا أخي أن تلك الليلة كانت منطقة عمد/بير باشا مملوءة بهذه العصابات المُجرمة تتجول طوال الليل بين البيوت والأزقة تبحث عن أي أحد له علاقة بعائلة محمد علي الحرق الزكري لقتله وتصفيته!وحتى صباح اليوم الثاني للجريمة كانت الجماعات لا تزال تتجول في الحارة ووجدوا عيسى فلم يقتلوه وحسب بل عذبوه بوحشية حتى مات ثم رموا به أمام مستشفى الكرامة!ما يُحرق القلب أن الأمن و قيادات تعز العسكرية والأمنية تعاونت مع المجرمين ضدنا وبدلاً من أن يحمونا شاركوا العصابات وساندوها، وإلا بالله عليك أين كانوا ونحن محاصرين لثاني يوم عندما تم اختطاف عيسى وتعذيبه بوحشية حد الموت في ١١ أغسطس؟ببساطة كان الأمن والقيادات العسكرية مُشاركين في الجريمة والمجزرة التي حدثت لنا، وبعدما تم اختطاف عيسى وقتله جاءت اللجنة الأمنية وأحاطت ببيوت أولاد الحرق حتى يومنا هذا!!أرأيت يا أخي إلى أي حد من الوحشية والإجرام وصلنا؟هكذا شاركت القيادات العسكرية والأمنية في إبادة عائلة وتُشردها بأكملها. إنهم يطهرون تعز من المواطنين البسطاء يا أخي لا من الأعداء.. وأنا بقولي هذا لا أسيء إلى تضحيات الشهداء الذي ماتوا دفاعاً عن تعز ولا عن المرابطين في الجبهات.. أنا أتساءل عن ما هو دور القيادات الأمنية والعسكرية وقوات الأمن الموجودة داخل تعز.. هل وظيفتها مساعدة العصابات والقتلة والمجرمين في عمليات نهب الأراضي وقتل تشريد الأسر وانتهاك الحرمات والسطو على المنازل؟!والعجيب أنّه لا يزال في تعز من يحاول إضاعة قضية عائلة الحرق وكأنها حدث عادي، ويتستر على العصابات. كما يحاولون بأي طريقة إيجاد المبررات والأعذار وخلق الكذب والافتراءات وتأليف قصص وتزييف الحقائق. مثل قولهم: القضية مفبركة أو بين متنازعين.. لا وألف لا، لكل من يحاول حرف مسار القضية.. فهي ليست بين متنازعين؛ بل قضية معتدين وقتلة اعتدوا علينا بالأسلحة والقنابل والأطقم العسكرية ومجاميع من القوات العسكرية في تعز. إنّ ما حدث لنا حدث أمام مرأى ومسمع الجميع.. فسألوا سُكان عمد عن تفاصيل ما حدث وسيروون لكم بالتفصيل وسيخبرونكم عن الأطقم العسكرية التي امتلئ بها الشارع وكأنهم أتوا لغزوة ومعركة طاحنة. كما سيخبرونكم عن جميع المتواجدين في ذلك الوقت من أفراد الجيش والأمن في تعز، الذين كانوا يرتدون جميع أنواع البدلات العسكرية.. أي أنهم جميعهم شاركوا مع العصابات لتحرير تعز من أسرة الحرق ونهب أملاكهم.أبي..تُرى هل وصلك خبر أن محمد قد أكمل الثانوية العامة بتفوق وتميز؟! كيف لنا أن نوصل لك خبر تفوق أخي ونداوي أرواحنا الموجوعة، وندفع القليل من المخاطر عن عائلتنا التي أُبيدت ونُهبت وشُردت؟للأسف لستَ اليوم بيننا يا أبي كما المعتاد ولم نرى ابتسامتك وفرحك بالتفوق الذي حصده محمد.. لقد باعدوا بيننا وفرقونا حمقى هذه المدينة.. أنا وأمي وأختي وجميع عائلتنا يا أبي تمنينا لو أنّك وأعمامي تعيشون بجانبنا وموجودين معنا، لا مخفيين ولا مشردين ولا شهداء؛ لنتشارك الفرح معاً ونتحدث كثيراً ونتناقش عن واقع اليوم وما الذي حققناه من نجاح وعن تطلعاتنا للغد وماذا بعد الغد.لقد تسبب حمقى هذه المدينة الجميلة في موتنا وتشردنا وفراقنا.. وبُعدك عنّا وبقية أولاد أعمامي عبده وأحمد الحرق دون أي ذنب اقترفتموه أو أي خطيئة فعلتموها بحقهم!ألا يعلم هؤلاء الحمقى أنك يا أخي لا تزال طالباً طموحاً وشاباً صغيراً في مقتبل العمر تفكر بمستقبلك وبناءه بالعلم، وأنّ أبي مُدّرساً مهمته بناء أجيال وشباب المستقبل، وأنّ بقية أولاد أعمامي عبده وأحمد ( سامح، سليمان، ياسين، موسى، ويوسف) ليسوا إلا شباباً يبحثون عن لقمة العيش وطلب الرزق؟!وبدلاً من أن تبحث هذه اللجنة الأمنية عن القتلة والمجرمين ويقبضوا عليهم ويُعلنوا أسمائهم للناس.. إنهم يريدون أبي وبقية الأبناء أن يعودوا إلى عمد وكأنهم هم المطلوبين ويجب عليهم العودة بينما المجرمين يسرحون ويمرحون.. أيريدونهم أن يعودوا لتتم تصفيتهم؟!مازال القتلة المجرمين المعتدين يتجولون في شوارع بير باشا وفي الأسواق، فهل يريدون بقية الضحايا أن يعودوا لتتم تصفيتهم ثم بعد ذلك يتستر على القتلة حمقى تعز؟!أبي وأخي وأولاد أعمامي( سامح، سليمان، ياسين، يوسف، وموسى).. إياكم أن تُصدقوا دعوات العودة، كائناً من كان المنادي.. فالذين ينادون لعودتكم اليوم، أين كانوا في العاشر والحادي عشر من أغسطس حينما حدثت المجزرة واحتشدت الأطقم والعسكر والامن والعصابات؟!أيريدوكم أن تعودوا ليوهموكم أنهم معكم، ثم في حين غفلة وبغتة يهجمون علينا ويقتلوكم كما جاءوا فجأة بيوم المجزرة في العاشر من أغسطس وحرروا تعز منا!!أخي محمد نجاحك وتفوقك هذا في الثانوية العامة يزرع فينا الإصرار على الحياة في هذه المدينة كما يليق بنا ويليق بها دون انكسار.. وبإذن الله سننتصر لشهدائنا وحقوقنا، ومهما فعل هؤلاء الحمقى وباعدوا بيننا وفرقونا يا عزيزي ستظل قلوبنا موصولة ببعض، مملوءة بالحب والنور وبالحياة، وعزاءنا الوحيد في مقتل أعمامي وعيسى أنهم شهداء أبرياء وسنأخذ بحقهم ونؤمن أن العدالة ستنتصر في النهاية لدماء الضحايا.وإن كانت تعز فيها المُنافقين والمُطبلين للمجرمين.. فيوجد بها أيضاً رجال شرفاء أحرار يرون الحق حقاً والباطل باطلاً، ولم تعمى قلوبهم التي في الصدور نحن نثق بهؤلاء وبالعدالة بعد ثقتنا بالعظيم الكبير المهيمن الجبار.رحم الله عمنا أحمد الراحل منذ عام.. ورحم الله أعمامنا عبده وخالد وعصام وابن العم عيسى، لن ننساهم أبداً وسينصفهم الله وسيأخذ بحقهم ممن كانوا السبب في موتهم، إننا نثق بقدرة الله.صديقتك وأختك المُحبة لك دوماً.