أي خدمات؟
اهلاً، كيفك؟
وإيش عامل هذه الأيام؟ وكيف الصحة؟
وشوية دردشة على شوية شكى وبكى، وينتهي اللقاء الظريف بينكما كالعادة بعبارة: أي خدمات؟
في الشارع، ستجد من يعانقك بلهفة ألف عاشق:
– أهليييين… كيف الحال؟
– مشتاقين والله… وين الغيبة؟
وستسرد له قائمة طويلة من المتاعب اليومية التي أدّت في نهاية المطاف لذلك الغياب، وبمجرد أن تنهي كلامك المنهك ستجده يرد عليك: المهم يا صاحبي، أي خدمات!
وعلى هذا الرحيل كل يوم.
من أول النهار إلى منتهاه ونحن نعرض خدماتنا للرايح وللجاي، بمناسبة أو بدون مناسبة، صغيرنا أو كبيرنا، شاب أو عجوز، رجل أو امرأة، غني أو فقير، سُلطة أو معارضة، يميني أو يساري، مدني أو عسكري، راكب سيارة مرسيدس أو راكب دراجة نارية، موظف أو عاطل عن العمل.. لا فرق بين أول تلك الأزواج وثانيها، كُلنا في الهوى أي خدمات!
الموظف الذي يعرقل معاملتك وتظل تلاحقه لأسابيع، يستقبلك في مكتبه: أهلاً، أي خدمات؟
يقولك أي خدمات وهو أصلاً لم ينجز شيئاً في معاملتك المرضوحة في أدراج مكتبه منذ شهور، المهم يقولك أي خدمات!
صديقك الثري الذي يعرف تماماً أن وضعك ملخبط، يسلم عليك بحفاوة دون أن يكف، ولو لمرة واحدة، عن ترديد عبارته الشهيرة وهو يخبط صدره: أي خدمات يا غالي؟!
أمين الصندوق الذي تذهب لتقترض منه سلفة على ذمة الراتب، اللي مش موجود أصلاً، ستجده يعتذر منك بشدة «العفو منك ياخي قدك داري مافيش رواتب»، وستنسحب من أمامه وتغادره وانت محرج، وتلوّح له بإحدى يديك ولا هتلر بكل عنفوانه: طيب أي خدمات!؟
سيرد عليك ولا محافظ البنك المركزي بكله:
– ما نستغني يا حبيب أي خدمات لك أنت!
وستكون منهكاً تسير في الشارع على أقدامك تحت حرارة الشمس، وستلمح صديقك وهو يمر بسيارته من أمامك مسرعاً، وستناديه وأنت مبتهج بمقدمه: يا فلان، يافلان… وستشاهده يخرج يده من النافذة ليحييك، وهو يقول للريح: أي خدمات أنا رهن الإشارة؟!
ومعلوم أن إدارة المرور نفسها غُلب حالها وهي تشكو من سيارته التي لا تحترم الإشارة أساساً!
وأتذكر الآن موقفاً جعلني أبكي وأضحك لا حزناً ولا فرحاً؛ ذلك عندما زرت أحد جيراني اللي كان حينها محبوسا بالسجن المركزي في تعز.
وكان يكلمني من وراء القضبان عن قضيته، وبعد أن انتهى منها راح يمطرني بوصايا مؤلمة وحزينة علي أن أقوم بها تجاه أسرته المعدمة، وكان يقولي:
أنا بوجهك تابع القاضي… وشوف البيت إيش يحتاجوا، كما أنا راكن على الله وعليك… حرام ما معاهم داخل البيت حتى حق الروتي.
وكنت أسمعه بحزن، وأهز له رأسي بعناية لأطمئنه:
– ولا تقلق… من عيوني. حاضر.
وصافحته بحرارة والدمعة عالقة في عيوني، ووجدته يودّعني بنفس الحرارة، ويقولي من أعماق قلبه:
– أي خدمات لك أنا مستعد؟
لحظتها انفجرت من الضحك.
كنت أتخيل فقط ما نوع الخدمة التي يمكن أن يقدّمها لي سجين محلبط وحالة أمه حاله.
* من صفحة الكاتب على الفيسبوك