هل فات الأوان على هزيمة الحوثي؟ وماهي العوامل التي خدمة المليشيات؟
- الانقسام داخل معسكر المناوئين للمشروع الحوثي يعيق أيّ محاولات لتحقيق انتصار من أي نوع على الميليشيات المدعومة من إيران والتي تستمد قوتها من ضعف خصومها وارتباكهم وتفككهم في المقام الأول.
يبدو المشهد اليمني اليوم على الأرض قاتما، حيث يواصل الحوثيون تغولهم السياسي والعسكري بالتوازي مع حالة نهم متزايدة لتغيير الهوية الثقافية والاجتماعية لليمنيين، في الوقت الذي يعيق الانقسام داخل معسكر المناوئين للمشروع الحوثي أيّ محاولات لتحقيق انتصار من أي نوع على الميليشيات المدعومة من إيران والتي تستمد قوتها من ضعف خصومها وارتباكهم وتفككهم في المقام الأول.
وفي ظل هذه الصورة الكئيبة لواقع موازين القوة على الأرض بعد سبع سنوات من الحرب، يدرك الحوثيون أن الكثير من الظروف الداخلية والإقليمية والدولية قد خدمت أجندتهم وانتشلتهم لمرات عديدة من كابوس هزيمة محدقة كانت تنتظرهم في بعض المنعطفات الحاسمة، وهو ما يفسر حالة الغرور اللافتة في تصريحات قادتهم، ولكن ممّ يستمدون هذا الشعور؟
تمكن الحوثيون من استثمار الصراع في جبهة خصومهم المحليين والخلاف الذي ألم بالتحالف العربي لدعم الشرعية في العام 2017 ونتج عنه إنهاء مشاركة قطر، كما استفادوا إلى أقصى درجة ممكنة من الفساد والتراخي لدى الطرف الآخر في معادلة الحرب اليمنية، وعكسوا ذلك على شكل واقع عسكري جديد فرضوه على الأرض من خلال استعادة مناطق محررة مثل الجوف ونهم وعدد من مديريات البيضاء، لينتهي بهم المطاف على حدود مأرب التي يكثفون اليوم هجماتهم عليها بشكل هستيري يكشف عن إصرارهم على اجتياحها بأي ثمن وتحت أي ظرف.
الحوثيون يصدرون خطابا إعلاميا متصلبا للعالم يظهرهم بمظهر الطرف القوي وهو الخطاب الذي تصاعد وأصبح أكثر مباشرة وفجاجة على وقع الأحداث المتسارعة التي شهدتها أفغانستان والانسحاب المذل لأميركا والغرب
ومن ناحية أخرى استفاد الحوثيون في ذات الوقت من اتفاق هش رعته الأمم المتحدة في العام 2018 وأنقذهم من هزيمة محققة في محافظة الحديدة كانت ستقطع آخر شرايين الدعم العسكري واللوجستي القادم من إيران، إلى جانب تجفيف قسم مهم من مواردهم المالية التي تحرك آلتهم الحربية، وقد منح هذا الاتفاق الحوثيين في الواقع مساحة كافية للمناورة ونقل ثقلهم العسكري إلى مناطق ومحافظات أخرى بعد أن أمّن اتفاق ستوكهولم الهزيل الذي رعته الأمم المتحدة ظهر الميليشيات في الساحل الغربي لليمن وحمى أحد أهم مصادر تمويلها بالأسلحة المهربة والمال اللازم لاستمرار الحرب.
وفي الضفة الأخرى وبالتوازي مع المكاسب العسكرية والسياسية التي يحققها الحوثيون، تستمر حربهم الاقتصادية ضد الحكومة اليمنية، حيث يحصلون على بعض احتياجاتهم النفطية والغازية من محافظة مأرب التي يهاجمونها بشكل عنيف، ويستحوذون على إيرادات الاتصالات، ويمنعون تداول العملات النقدية التي يصدرها البنك المركزي في عدن، كما يفرضون ضرائب وجمارك على البضائع القادمة عبر مناطق الشرعية، فيما يواصلون بشكل حثيث وممنهج تغيير بنية الدولة والمجتمع والعبث بالهوية اليمنية الجامعة عبر تغيير المناهج واستبدال الكوادر الوظيفية وفرض نمط ثقافي واجتماعي متشدد يخدم أجندتهم الطائفية والمناطقية الأحادية.
وبالعودة إلى الشق السياسي يصدر الحوثيون خطابا إعلاميا متصلبا للعالم يظهرهم بمظهر الطرف القوي، وهو الخطاب الذي تصاعد وأصبح أكثر مباشرة وفجاجة على وقع الأحداث المتسارعة التي شهدتها أفغانستان والانسحاب المذل لأميركا والغرب، حيث ترافق ذلك مع أصداء حوثية عبرت عن إمكانية تكرار مشهد الإذلال الذي تعرض له المجتمع الدولي في اليمن وعلى أيدي النسخة الشيعية من طالبان الجبال في اليمن وقادة الكهوف.
مشروع لا مستقبل له
ولكن ومع قتامة هذه الصورة التي ترسمها الأحداث والتداعيات في اليمن وفي الوقت الذي تتعالى فيه تصريحات قادة الميليشيات الحوثية الطافحة بالقوة المصطنعة والتي تردفها هجماتهم المتصاعدة على مأرب وبعض مناطق جنوب اليمن والأراضي السعودية والرسائل التي يبعثونها إلى العالم حول قدرتهم على الصمود لسنوات قادمة واعتزامهم عكس كل نتائج الحرب التي اندلعت في مارس 2015، وهو ما عبر عنه زعيم الجماعة بشكل صريح عندما قال إن ميليشياته عازمة على السيطرة على كل مناطق اليمن وتحريرها مما وصفه بالوجود الأجنبي.
ولكن ماذا تخفي خلفها عضلات القوة البادية على ملامح قادة الجماعة المدعومة من إيران في الآونة الأخيرة؟ وهل حقا فات الأوان على هزيمة المشروع الحوثي في اليمن؟
باعتقادي كمراقب لمجريات الأحداث التي تشهدها اليمن منذ سنوات، وقارئ لخلفيات الصراع الثقافية والسياسية، فإنّ الحوثي ربما يقترب بالفعل ليس من هزيمة خصومه، ولكن من إلحاق الهزيمة بالطريقة التي تمت مواجهة مشروعه بها والتي غلب عليها الضعف والاختلالات الفادحة التي تسببت في ضياع الكثير من فرص الانتصار المستحقة والتي لاحت في الأفق في الأعوام الثلاثة الأولى للحرب على وجه الخصوص، قبل أن تتلاشى نتيجة سوء التقديرات أحيانا والنوايا أحيانا أخرى وبروز الحسابات الشخصية والأيديولوجية وغياب الرؤية الواضحة للنصر وضعف الإدارة وارتباك الإرادة في أحيان أخرى.
وفي كل الأحوال ومع هذه المعطيات السوداوية التي تجعل فرص هزيمة الحوثيين في اليمن وكأنها تلاشت بالفعل، إلا أن القراءة العميقة لطبيعة المجتمع اليمني ورؤيته للحوثيين كجماعة هبطت ككابوس في ليلة صيف ساخنة، تشي بأن الحرب اليمنية حتى وإن انتهت لصالح الحوثي بشكلها الحالي، إلا أن العواصف المجتمعية التي تتشكل في قلب المجتمع اليمني ستعصف في نهاية المطاف بالمشروع الحوثي القائم على مبدأ الجباية وإفقار اليمنيين وتقسيمهم إلى فئات وطبقات بناء على نظرة سلالية استعلائية، وهي كلها مقومات تجعل من بذور فناء هذا الفكر حاضرة في قلب مشروعه الذي استمد قوته من سوء تصرف أعدائه وليس من قبول المجتمع اليمني به كبديل محتمل عن كل الخيارات السيئة التي يتصدرها الحوثي اليوم بإجماع اليمنيين.