أغاني الرزق وحكايات البحر.. ماذا تعرف عن أهازيج الصيادين في اليمن؟
يمن الغد – جمعة بوكليب
بينما كان عبدالله يستعد للإبحار على قاربه الصغير في شواطئ المخا غربي تعز، في اليمن، كان يردد أهازيج شعبية خاصة بالصيد تبعث على الحماس.
إنها ترانيم خاصة بالصيادين في الشاطئ اليمني الممتد على أكثر 2500 كيلومتر، وهي بمثابة فن يحكي مغامرات البحر، للتسلية وكسر رتابة الملل، كما هي أهازيج وأغان تراثية تستدعي جلب الرزق عند كل إشراقة صباح جديد.
بالنسبة للصياد اليمني “عبدالله باجل”، فهي أغان للتنفيس عن حالات الملل التي يواجهها الصياد في رحلته البحرية، كما هي أيضا ترانيم لحث الصياد على العمل في الصباح الباكر.
ويقول: إن الأهازيج تشرح رحلة الصياد وبحثه عن الأسماك، وأنها عبارات عن نوع فني محصور لدى الصيادين مثلها مثل الكلمات التي يقولها العمال أثناء البناء، لبث الحماس في نفوسهم، ما يجعلهم يضاعفون نشاطهم الذي يمكنهم من الإنجاز.
أهازيج كسب الرزق
من هذه الأبيات الشعرية الغنائية التي يرددها الصيادون التهاميون، صباحا عند الذهاب إلى البحر لكسب الرزق:
واصياد واصياد،،
قبل أمشروق (الشروق) في أمهوري وحدك تصيد
شد امجلب (حبال الصيد) كل حين.. يطلع لك رزق جديد
وأنا وأنا واصياد
وهناك أهازيج تصف أهوال الأمواج وتقلباتها، والرياح القوية التي يطلق عليها الصيادون “الأزيب” وما تحدثه من أمواج عاتية تصعب من رحلة الصيد.
ضرب شمالو وزيب.. ومناشري خمجنا
بحر امهواء كله فيه… ضربوا وفوقه زبطوا
أهازيج الحب والقوة
يقول الصياد اليمني سفيان شاكر لـ”العين الإخبارية” إن بعض الأهازيج تذكر الصياد بالحبيبة في أثناء رحلة الصيد وتصف لوعة الاشتياق وتمنيات اللقاء بها، فضلا عن التغزل بالفتاة الجميلة، وتمنياته الزواج بها، ومنها:
من بعد عن حبيبته… كيف بايكن لي فرقوا
حبه سكن في قلبي….. أهلي وزوجي يبقوا
لما اسمعه وأجنح ….. وانصر عليه من بزقوا
حتى ولو هبالي شي… ملقي امحواجب رزقوا
وامحولي حولي…… وأشا امحوالة الليلة
وأشا وليدة أمخضرة… اللي مرقمشة كم عيلة
وهناك أهازيج تتحدث عن الأيام التي يبدأ فيها صيد أنواع معينة من الأسماك، ويقول الصياد محمد رشدي، إن ترديد مثل هذه الأهازيج يجعل مهنة الصيد أكثر حذرا للمخاطر التي تواجهها.
ويرى أن أغاني الصيادين تمكنهم من استعادة نشاطهم وقدرتهم على العمل باعتبار الكلمات التي تتضمنها تبعث فيهم مكامن القوة والصبر، فضلا عن أنها تحكي تجاربهم ومغامراتهم والأوقات العصيبة التي يواجهونها.
مقاومة الاندثار
ورغم انخفاض عدد من يرددون مثل هذه الأغاني بسبب توفر الأجهزة الحديثة التي تصدح بالأغاني والطرب، فإن القلة يحفظونها منعا للاندثار.
وبحسب الصياد محمد رشدي فإن أهازيج الصيادين تشبه المهاجل الشعبية للفلاحين والمزارعين والتي بدأت تتراجع هي الأخرى عما كانت عليها من قبل بسبب الانتشار الواسع للأجهزة الإلكترونية وطغيان الأغاني عن الأدب الشفاهي الشعبي المتمثل بهذه الأهازيج.
ويختم حديثه، أنه في السابق كان الجميع يردد هذه الأهازيج وتتناقلها الأجيال، أما الآن فإنها محصورة في كبار الصيادين والقدماء منهم وكذا الأكبر عمرا، وإن كان البعض يسعى للحفاظ عليها عبر ترديدها وتقمص تجارب الجيل السابق من الصيادين ومحاكاة ما كانوا يقومون به كتراث شعبي.