البنك المركزي.. أولويات وتحديات الإدارة الجديدة
حرصت الشرعية، ولأول مرة على حسن اختيارها لأحمد غالب -الذي ما زلت مستغربا من كيفية قبوله الانتحاري بهذا الوضع الكارثي، لقرار تعيينه محافظا لبنك مركزي عدمي مشوهة سمعته ويدرك جيدا صعوبة واقعه وتعقيدات وضعه المحلي والدولي- على محاولة تصحيح السمعة الدولية لبنكها المركزي المتهم من لجنة العقوبات الدولية وجهاز الرقابة والمحاسبة ولجنة برلمانية بالتورط بجرائم غسل وتهريب أموال ومضاربات بالعملة كأول بنك مركزي بالعالم، كون من أهم مهامه الحفاظ على العملة ومحاربة هذه الجرائم.
وبتقديري المتواضع أيضا فقد سعت الشرعية المتهالكة، بقرارها هذا، إلى تحقيق أكثر من هدف لعل من أهمها محاولة استعادة ثقة البنوك الدولية المراسلة وصندوق النقد والبنك الدولي والمؤسسات المالية العربية والعالمية وإعادة تفعيل علاقتها وتعاملاتها المصرفية مع مركزي عدن والبنوك اليمنية وإزالة القيود الدولية المفروضة على التحويلات المالية إلى اليمن كونها تمثل إحدى أهم وأكبر التحديات التي ستواجه الإدارة الجديدة للبنك المركزي، إضافة إلى الدعم المالي بودائع أو منح ومساعدات مالية إنقاذية لإعادة تكوين مركز مالي واحتياطي أجنبي من العملات تمكنه من التدخل بالسوق واستعادة السيطرة على القطاع المصرفي وإدارته وفرض خطة إنقاذ مصرفية مدعومة حكوميا ومن التحالف وكل الأطراف والقوى الوطنية، لإنهاء المضاربات الإجرامية المستمرة بصرف العملة، تبدأ بفتح جبهة حرب وطنية مشتركة مع صيارفة الإجرام وهوامير العملة وإغلاق كل شركة أو منشأة صرافة غير مرخصة، مهما كانت تبعيتها.
ما لم والله لو يتولى حتى مهاتير محمد باني نهضة ماليزيا، إدارة البنك المركزي، ما يقدر يعمل لعملة بلد منهار اقتصاديا، أي حل أو معالجة لوحده.
ولذلك فإن تمكن الإدارة الجديدة للبنك المركزي من إعادة تثبيت صرف الدولار إلى حدود الألف ريال يمني والريال السعودي إلى 300 ريال يمني، أكبر منجز يمكن أن تقدمه للشعب وللعملة الوطنية اليوم وفي ظل الواقع السوداوي الحالي والمعطيات الصعبة القائمة.
وفي تصوري أيضا فإن قرار تعيين محافظ البنك المركزي الجديد، يحمل أكثر من رسالة للداخل والخارج وأقل ما يمكن وصفه بأنه قرار مصيري إنقاذي لبلد منهار وشعب جائع كونه مرتبطا اليوم بتعلق آمال الجميع بقدرة الرجل الحاصل على كل المؤهلات المالية والمصرفية والخبرات الإدارية الكافية لقيامه بالمهمة إذا ما صدقت نوايا من حوله ومن عينه ووعده بالدعم المطلق لإنقاذ اقتصاد وعملة دولة شبه منهارة وإشباع أكبر شعوب الأرض مجاعة، بعد عجز الشرعية سابقا عن صرف مرتبات العسكريين، نتيجة إفلاس بنكها المركزي المحدود الموارد وفي ظل إدارته الواقعية الأعجز ماليا ومصرفيا وإداريا، عن تقديم أي خدمة أو دعم حكومي ممكن لغذاء المواطن.
لذلك فتعيينه المتأخر اختبار صعب لشخصه وحنكته، بعد أن سبق وتولى مصلحة الضرائب وكان خير من أدارها وورد أكبر عوائد مالية منها لخزينة الدولة بشهادة الأرقام ومن خلفه وكل من يعرفه أو عمل معه، قبل تعيينه مؤخراً وحتى اليوم رئيسا للهيئة الوطنية لمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب.
ولهذا ليس أمامنا إلا التعاون معه كلٌ من موقعه، في مهمته الإنقاذية الكبرى لشعب جائع ودولة منهارة اقتصاديا، كونه آخر أوراق الشرعية وخير رجالها الوطنيين السابقين والمتبقين بحوزتها!
- * *
أغلقت شركات الصرافة، أمس الأول، على تراجع مفاجئ لصرف الريال السعودي إلى 300 ريال يمني قبل يوم من إعلان قرارات الرئيس بتعيين قيادة البنك المركزي وإعادة تشكيل مجلس إدارته، وهو ما يؤكد قطعا أن لوبي الرئاسة نفسه بدأ بتسريب أخبار التعيينات لأتباعهم الصرافين والمضاربين وكان أول المتسمسرين بسرية الأمر، وذلك كي يلحق أتباعهم من هوامير الصرف في بيع ما لديهم من مخزون عملات أجنبية والاستفادة من فارق صرفها قبل هبوطه، في إعادة شرائهم للدولار والسعودي مجدداً بعد بداية العودة التدريجية لتراجع صرف العملة المحلية!
وبالتالي فكيف يمكننا التعويل على نجاح مهمة القيادة المصرفية الجديدة ومساندة الرئيس للمحافظ الجديد ومنحه الصلاحيات الكافية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه وهو -أي الرئيس- معتمد على عصابة بهذه العقلية التكسبية المخجلة، ولو على حساب بلدهم المنكوب وشعبهم الجائع وعملة بلدهم المنهار!
اللهم وفق كل من يسعى لإنقاذ بطون الجياع وإشباع جوعهم وأهلك كل مستثمر مستغل متاجر بمعاناتهم!