هل يفلح المبعوث الأممي الجديد؟
يجري على الألسن في العالم العربي مثل شهير هو “الحق على الطليان”، والقصة أن تاجراً كان يمتلك عدداً من الطليان (مفردها طلي) علق أجراساً في رقابها حتى لا تخرج عن القطيع وتضيع.
استأجر التاجر راعياً يهتم بها ويأخذها إلى المرعى.
وفي أحد الأيام، استغرق الراعي في النوم وجاء الذئب وأكل أحد الحملان، وعندما لامه صاحب القطيع على ذلك، قال إن السبب هي الأجراس المعلقة في رقاب الطليان، لأن صوتها لفت نظر الذئاب.
وتذكرت هذا المثل الشائع حين استمعت إلى العديد من السياسيين اليمنيين في الشرعية وعند الحوثيين وهم يصبون جام غضبهم على المبعوث الجديد، السويدي الجنسية، السيد هانز غروندينبرغ، ويرمون عليه كل أسباب فشلهم في التوصل إلى تفاهمات للعودة إلى المسار السياسي الذي توقف تماماً في ختام عهد سلفه البريطاني السيد مارتن غريفيث الذي طالته الاتهامات بمحاباة الحوثيين.
وقبله وقع في المربع نفسه، سلفهما الموريتاني السيد إسماعيل ولد الشيخ الذي اتهمه الجميع بالضعف.
وقبل كل هؤلاء كان السيد جمال بنعمر الذي تسلم مهمته مع بدايات الفترة الانتقالية، التي يبدو واضحاً أن لا أحد يريد لها أن تنتهي قريباً، ومع انتهاء مهمته في عام 2015، صار الهدف المفضل للاتهامات بأنه من سهل دخول الحوثيين إلى صنعاء.
في الحقيقة، ما يفعله ويمارسه كل هؤلاء الساسة هو تبرئة أنفسهم من المشاركة في التهيئة لانهيار الدولة اليمنية والتآمر عليها والإصرار على تدميرها، بينما الواقع يفضح أنهم جميعاً تآمروا على البلد، إما بالاستسلام للأحداث والهروب من مواجهتها أو التفرغ للصراع على المناصب والمغانم.
وبحسب تقاليد السياسة العربية فإنهم جميعاً أبرياء وإن “الحق على الطليان”.
ما كنت يوماً من المعجبين بما يقوم به أي مبعوث ولم أضع يوماً أي قدر من التفاؤل عليهم لنجاح مهماتهم، ورددت دائماً القول إن أي مبعوث لن يتمكن من إلزام الأطراف بالخوض في مسار مفاوضات أو مشاورات، فهو أولاً مسؤول فقط أمام مجلس الأمن الدولي خصوصاً أعضاءه الدائمين القادرين، إن رغبوا، على العمل، قدر استجابة اليمنيين، على وقف الحرب، وليس إجبارهم على الانصياع.
حينها يقوم المبعوث بدور الميسر لإقناعهم بالتوقف عن استخدام العنف والقتل، في حين أنه لا يمتلك من عناصر القوة ما يسمح له بالتدخل بينها أو إرسال قوات للفصل بينها.
إن مهمة أي مبعوث دولي لا يمكن أن تتوج بالنجاح إلا إذا كانت كل الأطراف مقتنعة ومساعدة.
وبالعودة إلى تجربة السيد بنعمر، فمن المفيد التذكير أنه أشرف على عملية الانتقال الأولى التي انتهت باستقالة الرئيس الراحل علي عبدالله صالح، وانتقال موقع الرئاسة إلى نائبه، الرئيس عبدربه منصور هادي في 21 فبراير (شباط) 2012.
تلك المهمة ما كان لها أن تتحقق من دون توافر العوامل الداخلية الراغبة والموافقة عليها، ثم تداخلها مع إرادة إقليمية ودولية فرضت ذلك الواقع، لكننا اليوم أمام موقف شديد الاختلاف.
لقد فشل كل مبعوث في زحزحة الأطراف اليمنية، لأن مصالحها الذاتية تضخمت وصارت أكبر من المصلحة الوطنية.
ومن خلال هذا المنظور يمكننا فهم الأسباب الحقيقية التي تعرقل كل جهد محلي وإقليمي ودولي.
وكثيرون يعلمون أن حجم المكاسب الشخصية التي يستحوذ عليها ممثلو وشركاء الشرعية والحوثيون مغرية إلى الحد الذي يحجب عنهم بل ويمنعهم عن الرغبة في التفكير في سبل وقف الحرب.
ومن اليقين أن المواطن هو آخر همومهم وانشغالاتهم.
وفي هذا الإطار، من السهل فهم الانتقادات التي يطلقها ممثلو الأطراف المتحاربة ضد كل مبعوث أممي والتهرب من بذل أي جهد حقيقي يساعده على تحريك مسارات اتجاه إنهاء الحرب.
وأضيف إلى ذلك أنهم غير قادرين على اتخاذ قرارات حاسمة من دون الالتفات إلى الرعاة الإقليميين الذين يدعمونهم.
وهذا يؤكد أن حدود الصراع تجاوزت الرقعة الجغرافية اليمنية لتتمدد إلى نطاق أكثر اتساعاً.
إن هذا يعني استمرار اقتحام مؤثرات غير يمنية ستلقي بظلالها على مستقبل البلد وتعمق جراحاته على كل المستويات سواء كانت مناطقية أو طائفية أو مذهبية.
وفي الواقع اليمني المعيش، هناك قضايا عدة تمس حياة الناس اليومية وتنهكهم صباحاً ومساءً، بينما من الممكن تجاوزها بالتفاهمات المحلية إذا تمكن قادة الحرب من الارتقاء بمنسوب مسؤولياتهم الأخلاقية والوطنية بعيداً من مهمات المبعوث الأممي.
فعلى سبيل المثال، فإن حصار مأرب وإغلاق المعابر في تعز والضالع والإصرار على إغلاق مطار صنعاء ووضع الصعوبات لتشغيل ميناء الحديدة بصورة طبيعية، هي قضايا ليست بحاجة إلى مبعوث دولي ليخفف من آثارها والعمل على رفعها لتقليص درجة الضغط الإنساني والمعيشي الذي لا تعانيه فقط الكتلة البشرية التي تعيش في نطاق سيطرة الحوثيين، بل يحدث مثله في كل المحافظات التي تصفها الحكومة اليمنية بأنها محررة.
وما من شك أن تعقيدات الحرب تتعاظم مع عدم قدرة أي طرف على حسمها.
ومع اعتراف الجميع باستحالة ذلك، إلا أنهم لا يتوقفون عن خوضها.
كما أن العجز عن خلق نموذج إداري وإنساني يلجأ إليه المواطن على امتداد الرقعة الجغرافية اليمنية يدفعه إلى الاستسلام لمصير حدده حملة السلاح تاركينه من دون أمل، فنراه يلهث وراء أي سراب يلوح له في الأفق، وهو ما أتاح انتشار التشكيلات المسلحة بعيداً من سلطة الشرعية.
من هنا فإن المدخل الجاد لوقف الحرب ليس بيد المبعوث، وإنما هو منطقياً، في التخلي عن الشروط المسبقة التي يحاول كل طرف فرضها على الآخر، مع عجزه على إنجازها.
لأن الحق ليس على من علق الأجراس على رقاب الطليان وإنما على الراعي الذي استرخى ثم نام فقفز الذئب.
*نقلا عن اندبندنت عربية