مقالات

هل هناك رهان على المجلس الرئاسي؟

كان العجز السياسي يكمن في قلب الشرعية ويتمدد من ساسها إلى رأسها، وتجلى في عدم القدرة على الفعل السياسي وخضوعها لمنطق القوة والانقلاب الحوثي تحت شماعة الضغوط الدولية، وحقيقته عجز واضح فاضح في الإدارة والإرادة وترهل وشيخوخة سياسية، مغموسة بفساد فسيح.
لم يكن الأمر خافيا أنها كانت في حالة موت سريري، امتد أثره في كل المؤسسات الشرعية اليمنية والعمل العسكري وفشل جعلها تفقد أوراق قوتها ورضاها الشعبي تباعا.
على الجانب الآخر المليشيات الحوثية راكمت انتصارات ميدانية وسياسية وانتزعت مكاسب وحصلت على تنازلات مجانية من التحالف والشرعية معا.
الاتفاق الأخير (الهدنة) ثم إصلاح دواليب مؤسسة الرئاسة بمجلسها التوافقي كما هو شأن الحكومة برعاية خليجية وأممية، صحيح أنه خطوة كانت يجب أن تكون منذ سنوات، لا سيما تغيير هادي ومحسن، لكن موضوع الهدنة له وجه آخر ربما يراكم نقاطا إضافية إلى ما سبق للحوثيين مراكمته، وهو نسخة مكررة من “ستوكهولم” ستحصل المليشيات على ما تريد ولن تقدم شيئا سوى المخاتلات والرواغ ومزيدا من الولوغ الإيراني في الشأن اليمني.
إننا نقترب من نموذج “حزب الله” جديد في اليمن بكل تفاصيله وبقلبه الفارسي وبزيادة بزته السلالية ودموية أكثر وجهل أبشع وحقد مستطير.
ليس من الصعب ترويض ميليشيات الحوثي الإرهابية المدعومة من إيران، لكن الشرعية وقياداتها كانوا لا يجتهدون في هذا السبيل وهناك فارق إدارة وإراد بينها وبين الانقلابيين المدججين بالخبرات الإيرانية في التكتيك وإدارة الأزمات بالتصعيد والتسخين ثم التبريد وكسب الجولات.

هكذا يبدو الأمر لأي متابع عابر على أي مستوى كان من الوعي والإدراك، فالأمر لا يحتاج إلى مجهود نوعي شاق كي يفهم، كونه كالشمس وضحاها.
لقد ثبت يقينا أن تنازلات الشرعية المجانية ونهجها التنازلي وسياسة النوايا الحسنة تجاه الحوثيين أفشلها في إدارة المعركة والدولة.
من خلال التعاطي الجديد في الهدنة تم إفراغ القرار الأممي الأخير بتصنيف مليشيا الحوثي “إرهابية” من مضمونه وتم الاعتراف بها كسلطة أمر واقع ومنحها ميناء ومطارا وهدنة كي تلتقط الأنفاس وترتب الصفوف وتتلقى مزيدا من السلاح النوعي الذي حتما يحتاج إلى وقت كي يصل عبر قوارب التهريب وشبكات السلاح.
بالأمس بدأت بالحشد تجاه مأرب ربما لإسقاطها أو محاصرتها هذه المرة وتحسين شروط المكاسب في ظل نوافذ ثلاث فتحت الوساطات عبر جهات وشخصيات مختلفة بعدما ضاقت دول التحالف من تبعات الحرب واستعدت لتقديم تنازلات كبرى كي تغلق هذا الملف.

ستحصل المليشيات على ما تريد من فتح مطار صنعاء وميناء الحديدة وغير ذلك وسوف تماطل في فتح معابر تعز وستكون خدعة جديدة و”ستوكهولم ” جديد بطريقة أكثر حرفية وأكثر دهاءََ ومكرا.
رغم أن الهدنة المزعومة غير متحققة على الأرض حتى يومنا هذا، تابعت إعلانات من جبهات مختلفة عن أكثر من 460 خرقا وهجوما حوثيا شملت مأرب وتعز والضالع والساحل الغربي وغيره.. بينما يقتصر دور الشرعية على إحصاء هذه الخروقات.
لا شك أن الشرعية مسنودة بالتحالف غير حازمة تجاه التهديد الذي تشكله ميليشيات الحوثي؛ وهذا الأمر حتما ستكون له ضريبته وسوف يكتشف من تولى كبر هذه السياسة القائمة على المراضاة فداحة الفعل وسوء المصير بتقادم الأيام القادمة وانتهاء إيران من تسوية ملفها النووي في فيينا وحصد الحوثي بعض مكاسب وإعادة الانتشار خارج كل هذه الاتفاقات والهدن.
كل هذه التنازلات المجانية لن تجدي في دفع الحوثيين إلى السلام والانخراط في عملية سياسية ترعاها الأمم المتحدة.
فالاتفاق أعطاها الضوء الأخضر لمزيد من تصعيد العنف وشن الهجمات وأخذ فرصة الإعداد لما هو أسوأ.
الذريعة الإنسانية التي أنجز تحت غطائها الاتفاق “الخديعة” سيضمن استئناف إرسال المعونات الإنسانية دون توفر ضمانات بوصولها إلى المحتاجين والمتضررين من الحرب.

هو إذاََ هدية أخرى لتوفير بعض مستلزمات المجهود الحربي للمليشيات ليس إلا.
الأيام القادمة وحدها ستثبت أن المليشيات ستتجاوز كل الخطوط الحمراء وستبدأ بعد الهدنة بموجة جديدة أشد من سابقاتها، ذلك أنها نجحت في اقتناص مكاسب نوعية من نوافذ الأمم المتحدة وربما من خلال ضغوط أمريكية على التحالف ومقايضة لإيران كي يتم الإسراع في التوقيع على الاتفاق النووي في فيينا.
ولذا فإن أول مهمة المجلس الجديد تفادي النهج الذي انتهجه سلفهم قبل أن تحل عليهم اللعنات كما حلت على الذين من قبلهم وحتى لا يصدق عليهم المثل العربي الشهير: “جنت على نفسها براقش”.
لديهم فرصة جديدة مسنودة بأمل ورضى شعبي لا بأس به لفتح نوافذ الحوار والسلام وشد الجبهات والاستمرار على قاعدة: “تحدث بصوت خفيض ولين ولوح بعصا غليظة”.
وغدا لناظره قريب.

زر الذهاب إلى الأعلى