تربح الحوثي من الوقود يبدد هدنة اليمن
بددت مليشيا الحوثي هدنة اليمن الإنسانية، بتربحها غير المشروع من تدفق الوقود عبر ميناء الحديدة، واتخاذها كغطاء لتمويل أنشطتها العسكرية.
ويبدو أن مليشيا الحوثي لا تعمل على الاستفادة من هدنة الشهرين في إعادة ترتيب صفوفها على الجبهات فحسب، لكنها أيضا تعمد لفتح شراين للإمداد والنهب، من خلال تخزين الوقود واحتكاره لبيعه لاحقا في السوق السوداء، وتأمين مخزونها النفطي استعدادا لجولة حرب جديدة.
رغم تدفق آلاف الأطنان من النفط عبر ميناء الحديدة الخاضع لسيطرة الحوثيين، لكن المؤشرات في مناطق سيطرة الانقلاب تشير إلى أنه لم يكن لها أي أثر إنساني أو مدني على حياة المواطنين، إثر فرض المليشيات تسعيرة باهظة لبيع الوقود بهدف التربح والإثراء وتغذية عملياتها الحربية.
وحددت مليشيا الحوثي، الأحد الماضي، سعر جالون البنزين سعة 20 لتر بـ 12600 ريال يمني، ما يعادل 27 دولارا أمريكيا، بعد أن كان السعر السابق 9 آلاف ريال ( نحو 20 دولارا).
وأرجعت مليشيا الحوثي تسعيرتها للوقود الذي يدخل عبر ميناء الحديدة إلى ارتفاع أسعار المشتقات النفطية في البورصة العالمية وتغير أسعار الصرف ورسوم التأمين، مشيرة إلى أنها سوف تعيد النظر في التسعيرة الجديدة كل 10 أيام.
ودحض خبراء مزاعم مليشيا الحوثي واعتبروا التسعيرة جزء من عملية نهب منظم يمارسه الانقلابيون، وتربح لا يختلف عن المتاجرة في السوق السوداء، وانتهاك صارخ للهدنة التي كان يفترض أن تخفف الأعباء المعيشية والاقتصادية.
ودخلت الهدنة الإنسانية بين مليشيات الحوثي والحكومة اليمنية حيز التنفيذ في الثاني من شهر أبريل/نيسان الجاري، وتستمر لمدة شهرين، ونصت على تدفق الوقود عبر ميناء الحديدة بمعدل 3 سفن كل 10 أيام بإجمالي 18 ناقلة نفط.
هل يستغل الحوثي وقود الهدنة عسكريا؟
رغم أزمة الوقود الخانقة التي ضربت مناطق الانقلاب على مدى الشهور الماضية إلا أنه بعد دخول أول ناقلة بنزين عبر ميناء الحديدة توفر الوقود بشكل لافت في المحطات قبل عملية الضخ للسوق المحلية.
وأرجعوا ذلك إلى توفر مخزون كافي لدى مليشيات الحوثي، والتي لجأت لصناعة أزمة خانقة للضغط وابتزاز الأمم المتحدة، للسماح لها باستيراد الوقود عبر ميناء الحديدة، لتحول سوق المشتقات النفطية في مناطق سيطرتها بأكمله إلى سوق سوداء لجني مليارات الريالات.
وكانت مليشيا الحوثي أعلنت الاستقرار التمويني للوقود بعد وصول رابع ناقلة نفطية (بنزين) إلى ميناء الحديدة، والذي استقبل منذ سريان الهدنة سفن ( قيصر تقل 32299 طنا، سندس وتقل 32331 طنا، سي أدور وتقل 32529 طنا ، وسي هارت وعليها 28528 طنا).
وبلغ إجمالي كمية الوقود الواصلة منذ 2 أبريل/نيسان الجاري- منذ سريان الهدنة- نحو 125687 ألف طن من البنزين، وفق كشوفات شركة النفط الحوثية.
وتغطي هذه الكميات بشكل مضاعف، متوسط الاحتياج المدني والإنساني، لكن مليشيا الحوثي لا تزال تمارس أقصى ضغوطها على الأمم المتحدة لتدفق مزيد من السفن ضمن مساعيها لاستغلال الهدنة عسكريا واقتصاديا.
وتتكتم مليشيا الحوثي بشدة على كشف أي إحصائية مدققة لحجم الاستهلاك في مناطق سيطرتها شمال وغرب اليمن، كونها تستغل غالبية الكميات من الوقود لتمويل العمليات العسكرية.
وبحسب مصادر في شركة النفط الحوثية فإن قيادات المليشيات وجهت باستحداث العديد من المخازن في المحافظات الواقعة تحت سيطرتها، بما فيه أحواش مترامية الأطراف في مدينة الحديدة تم تحويلها إلى مخازن للوقود، وذلك بجانب مخازن منشأت الحديدة والصباحة بصنعاء.
وأكدت المصادر، أن مليشيات الحوثي تعمل على تموين مخازنها بهدف بيعها لاحقا في السوق السوداء التي لاتزال مستمرة رغم إعلانها انتهاء الأزمة، فيما ذهب البعض إلى أن الانقلابيين يعمدوا لتأمين أكبر الكميات المشغلة للآليات العسكرية في الجبهات.
مسلسل النهب مستمر
الإحصائيات التي يفصح عنها الحوثيون عن كميات الوقود، التي تصل مناطق سيطرتهم، لا تظهر الكميات الفعلية سواء عبر ميناء الحديدة أو عبر المنافذ البرية من مناطق الشرعية، والتي يصل متوسطها اليومي إلى 6 آلاف طن متري، وفق مؤشر تدفق الوقود للحكومة اليمنية.
وقال المحلل الاقتصادي اليمني فارس النجار لـ”العين الإخبارية”: إن مليشيا الحوثي تستمر في مسلسل نهب الشعب اليمني، وهي تحرص على عدم تفويت أي فرصة من أجل تمويل مجهودها الحربي وابتزاز المواطنين، وهو ما يحدث في ظل تدفق الوقود بغطاء الهدنة الإنسانية.
وأشار النجار إلى أن مليشيات الحوثي خلقت أزمة مشتقات نفطية بهدف الضغط على الأمم المتحدة للسماح لها بالاستيراد عبر ميناء الحديدة.
ورغم أنه خلال إصدار الحكومة اليمنية لآليات تنظيم استيراد وبيع المشتقات النفطية، كانت هناك كميات كافية تدخل إلى السوق المحلية في مناطق الانقلاب، لكن مليشيات للحوثي واصلت اختلاق الأزمات لبيعها في السوق السوداء وتحقيق مكاسب طائلة، وفقا للمحلل اليمني.
وفي دلالة على استغلال الانقلابيين للهدنة الإنسانية، استشهد النجار بتجربة سابقة مع الحوثيين، بعد “اتفاق استكهولم”، حيث سمح للمليشيات بالاستيراد عبر ميناء الحديدة شريطة أن تذهب إيرادات سفن الوقود لحساب خاص في البنك المركزي لدفع المرتبات لكن الانقلابيين نهبوها بعد أن بلغت 70 مليار ريال.
وقال الخبير الاقتصادي إن تسعيرة مليشيات الحوثي الأخيرة للوقود للـ20 لترا من البنزين هي أعلى من سعرها الطبيعي، حيث تتحدث عن اختلال في سعر الصرف وزيادة في أسعار البورصة العالمية وهذا غير صحيح.
ووفقا للمعطيات وأسعار الصرف بمناطق الانقلاب، فإن تسعيرة البنزين يفترض أن لا تتجاوز ما بين 7600 إلى 8000 آلاف ريال، إلا أن مليشيات الحوثي للأسف فرضت تسعيرة باهظة للتربح دون أن تفكر بدفع رواتب الموظفين، كأقل واجب إنساني، وهو نهب منظم ووجه آخر للسوق السوداء.
وأكد النجار عدم وجود أي تأثير إنساني ملموس على أرض الواقع للوقود الداخل عبر ميناء الحديدة، في ظل الهدنة، وكذا سابقا حينما يتم السماح لسفن الوقود بالدخول بطلب من المبعوث الأممي، منها سفن تابعة لمنظمات إنسانية ومنها سفن إسعافية استثنائية لتغطية السوق المحلية لكن لا أثر إنساني لها لدى المواطن.
ولفت إلى أن مليشيات الحوثي ترفع يافطة الحالة الإنسانية، ورغم أن مبادرة الهدنة هي إنسانية بالفعل لإحلال السلام في اليمن، لكن مليشيات الحوثي تستغلها للمراوغة، للنهب وتأمين مخزون تمويل العمليات العسكرية.
وتستخدم مليشيات الحوثي المشتقات النفطية كسلعة لجني مكاسب مالية مهولة لصالح قيادات المليشيات التي تتسابق على المتاجرة بالوقود والعمل في السوق السوداء التي تحولت إلى مصدر لإثراء كبير لقيادات الإنقلاب النافذة.