رشاد العليمي رئيس توافقي يرفض الاصطفافات السياسية
لم يكن التوافق على اختيار رشاد العليمي رئيسا لمجلس القيادة الرئاسي في اليمن مفاجئا فقد عرف عن الرجل الهادئ ابتعاده عن المعارك السياسية واتباعه نهجا قائما على عدم الانجرار نحو ردود الأفعال حتى لو كانت تلك الأفعال شديدة القسوة، والسير وفقا لنهج قائم على البقاء في ظل السلطة الشرعية أينما كانت، ومحاولة كسب جميع الفرقاء على اختلاف مشاربهم وتوجهاتهم والاتكاء على الخبرات المهنية والإدارية بعيدا عن الاصطفافات السياسية الحادة.
وفي أول كلمة له عقب أدائه اليمين الدستورية أمام مجلس النواب في العاصمة المؤقتة عدن، تعهد العليمي بإنهاء الانقلاب الحوثي ومعالجة الأزمة الاقتصادية في البلاد، مشددا على أن مجلس القيادة الرئاسي يلتزم أمام الشعب اليمني كله شمالا وجنوبا بالسير على قاعدة الشراكة والتوافق الوطني.
العليمي ظل ومنذ تخليه عن معسكر الرئيس الراحل علي عبدالله صالح عقب تحالفه مع الحوثيين، قريبا من الرئيس عبدربه منصور هادي ودائرته الضيقة، كما تجنب الانخراط في حمى الصراعات التي شهدها معسكر المناوئين للحوثي، في الوقت الذي كان يمتّن علاقاته الإقليمية والدولية.
وكان العليمي بحسه الأمني وسياسته الهادئة في السيطرة على الانفعالات السياسية يدرك ربما أنه سيصبح في يوم من الأيام موضع إجماع وتوافق يمني وإقليمي لتوليه قيادة “الشرعية” في اليمن في واحدة من أصعب المراحل والمنعطفات السياسية، ولكنه على الأرجح لم يتوقع أن يكون خليفة للرئيس السابق عبدربه منصور هادي الذي ربطته به علاقة مميزة وخاصة منذ التحاقه بركب المنشقين عن الرئيس علي عبدالله صالح في أعقاب الحرب التي بدأت فعليا منذ انقلاب الحوثيين على الدولة في سبتمبر 2014 وأخذت منحى أكثر حدة بعد انطلاق عملية “عاصفة الحزم” وإعلان التحالف العربي بقيادة السعودية في مارس 2015.
بين علم الاجتماع والشرطة
ولد عام 1954 في قرية مشرفة بمحافظة تعز وتلقى تعليمه في كُتّاب قريته؛ فقرأ القرآن الكريم، ثم درس الفقه والنحو على يد أبيه، وواصل دراسته في المدارس الحكومية، وقد تنوعت دراساته بعد ذلك بين التخصصات الأمنية والاجتماعية، حيث حصل في العام 1975 على دبلوم القانون وعلوم الشرطة من كلية الشرطة في دولة الكويت، وحصل بعد ذلك على ليسانس الآداب من قسم علم الاجتماع في كلية الآداب جامعة صنعاء، وهو التخصص الذي عززه بحصوله على الماجستير في علم الاجتماع، ثم الدكتوراه من جامعة عين شمس بالقاهرة. بدأ حياته المهنية من خلال عمله مدرسا في قسم علم الاجتماع في كلية الآداب بجامعة صنعاء، ثم جامعة تعز، غير أن بداياته التعليمية في السلك العسكري كان لها دور حاسم في إعادة رسم مسار حياته المهنية التي بدأت مبكرا منذ عمله كموظف في الإدارة العامة للبحث الجنائي.
إدراك العليمي العميق لخصائص المجتمع اليمني ينعكس على أدائه السياسي ويبرز جليا في كتابيه “التقليد والحداثة في نظام القانون اليمني”، و”القضاء القبلي في المجتمع اليمني” تم تعيينه في العام 1989 مديرا عامّا للشؤون القانونية في وزارة الداخلية، ثم رئيسا لمصلحة الهجرة والجوازات والجنسية، ومديرا لأمن محافظة تعز التي ينحدر منها، وهو المنصب الذي قاده مباشرة إلى منصب وزير الداخلية بعد عام واحد فقط، مسنودا بخبراته الأمنية والأكاديمية وعلاقاته المتوازنة ونأيه عن دوائر الصراعات التي كانت تعصف في تلك المرحلة بمركز صنع القرار في العاصمة صنعاء. شهدت فترة تولي العليمي منصب وزير الداخلية كثيرا من الأزمات العاصفة، بدءا من تصاعد موجات الإرهاب التي نفذها تنظيم القاعدة، وصولا إلى تداعيات أزمة التمرد في صعدة التي بلغت ذروتها في العام 2004 عندما نشبت أولى حروب صعدة التي انتهت بمقتل مؤسس الجماعة الحوثية حسين بدرالدين الحوثي.
واستطاع العليمي مواجهة الموجات العاتية من التحديات الأمنية والصراعات السياسية التي شهدتها اليمن في تلك الفترة عبر سياسته المعتادة التي اكتسبها ربما من محطيه الاجتماعي والثقافي الذي نشأ به وتجاربه الذاتية، مع إدراك عميق بخصائص المجتمع اليمني الذي درسه من خلال تخصصه الأكاديمي في علم الاجتماع وتأليفه لكتابين على الأقل في هذا المجال، هما؛ “التقليد والحداثة في نظام القانون اليمني”، و”القضاء القبلي في المجتمع اليمني”.
وقد ساهمت الخصائص النفسية والاجتماعية التي اكتسبها في ترفعه في سلم الوظائف الأمنية، فهو صاحب خطة “الانتشار الأمني” التي كانت إحدى سمات اليمن الأمنية خلال العقود الأخيرة.
الحرب على القاعدة والحوثيين
ارتبط تعيينه وزيرا للداخلية ببدء الحملة الأمنية الواسعة التي استهدفت تنظيم القاعدة في اليمن، وهي الحملة التي جاءت نتيجة تزايد أعمال التنظيم وتصاعد المخاوف الغربية والأميركية من تحول اليمن إلى بيئة آمنة لنمو الجماعات الإرهابية وجاءت أحداث الحادي عشر من سبتمبر لتؤجج المخاوف العالمية من هذه التنظيمات.
وقد شهدت تلك الفترة ذروة التعاون الأمني اليمني السعودي الأميركي في مواجهة تنظيم القاعدة وتحجيمه إلى أبعد الحدود، وهي الفترة التي كان العليمي يقود فيها الملف الأمني في اليمن ويتواصل مع القيادات الأمنية الإقليمية والدولية. وتقاطعت مواجهة أنشطة تنظيم القاعدة خلال تلك الفترة الأمنية العصيبة في تاريخ اليمن المعاصر مع ظهور الحوثيين وانجراف نشاطهم الاستخباري والثقافي المثير للشبهات نحو أعمال تمس بأمن الدولة اليمنية، وتحول التوترات الأمنية في محافظة صعدة بين السلطة المحلية والحوثيين إلى نزاع مسلح عرف بحرب صعدة الأولى.
غير أن الحرب لم تنته بين الدولة والمتمردين الحوثيين بشكل تام وتحولت إلى جولات من الحروب المستمرة التي تخللتها تحديات أمنية حادة تمثلت في مواجهة أنشطة الحوثيين في المدن اليمنية، وهو الأمر الذي أضاف مهمة جديدة على كاهل الأجهزة الأمنية التي كان يشرف عليها العليمي الذي قدم تقريرا أمام البرلمان اليمني في تلك المرحلة المبكرة من نشاط الحوثيين تحدث فيه عن بدايات الحركة الحوثية وارتباطاتها بإيران وتهديدها للأمن القومي اليمني، وهي الشهادة التي اعتبرت إحدى الوثائق الرسمية اليمنية التي شرعنت لحروب الدولة ضد الحوثيين آنذاك بوصفهم جماعة مدعومة خارجيا تشكل خطرا على الدولة والمجتمع في البلاد.
العليمي متسلحا بخبرة سياسية طويلة تمكن من أن يفشل محاولات جره إلى حلبات الصراع داخل الشرعية، فظل يحتفظ بعلاقة جيدة مع معظم الأطراف البارزة في معسكر المناوئين للحوثي وفي مايو 2007 كشف العليمي خلال مؤتمر صحافي بصنعاء عن اعتقال عناصر إيرانية في صعدة متورطة في ما وصفه بأعمال إجرامية وتهريب مخدرات، مرجحا أن يكون لها علاقة بجماعة التمرد الحوثي التي تخوض مواجهات ضد القوات الحكومية وأكد وجود أطباء وممرضين من جنسيات عربية يعملون مع المتمردين في منطقة النقعة شمال اليمن حيث معقل زعيم التمرد عبدالملك الحوثي.
وقد استمر في الدفاع عن رؤيته الأمنية لمعالجة النزاع مع الحوثيين، حيث وصفهم بأنهم “بذرة شيطانية” بدأت إبان الحرب العراقية الإيرانية وتشكلت كخلايا إرهابية بدعم إيراني لاحقا.
وقال العليمي الذي كان يشغل في تلك الفترة منصب نائب رئيس الوزراء للشؤون الأمنية إن “قضية صعدة ليست قضية عسكرية وأمنية بقدر ما هي قضية فكرية وثقافية وأن عناصر حركة الشباب المؤمن تلقوا دورات تخريبية في إيران ثم جاؤوا لتطبيقها في اليمن”.
وقد استمرت التحديات الأمنية التي فرضها الصراع مع القاعدة والحوثيين خلال فترة تولي العليمي مسؤولية الملف الأمني في اليمن، بل إنها تفاقمت نتيجة تصاعد الصراع السياسي في تلك الحقبة بين القوى والمكونات اليمنية وصولا إلى احتجاجات 2011 التي شهدت انهيارا شبه تام لمنظومة احتواء الحوثيين والقاعدة أمنيا وعسكريا.
حقبة سياسية جديدة
تسارعت الأحداث السياسية في المشهد اليمني منذ العام 2011 بشكل كان يصعب التكهن به، وخلال تلك المرحلة تحديدا تعرض العليمي لضغط إعلامي غير مألوف بالرغم من عدم انخراطه إعلاميا أو سياسيا في المواجهات بين حزب المؤتمر الشعبي العام الذي يشغل منصب عضو اللجنة العامة فيه وبين المعارضين لنظام الرئيس صالح والمطالبين برحيله.
وقد شملت الحملات التي استهدفته شخصيا المطالبة بتجميد أمواله واتهامه بالتورط في قمع المتظاهرين، ومن أبرز المحطات التي يمكن الإشارة إليها في هذا الصدد هي أن العليمي وقف في صف الرئيس صالح حتى إصابته في حادث تفجير دار الرئاسة في يونيو 2011 ونقله برفقة عدد من قيادات الدولة إلى الرياض ثم ألمانيا للعلاج، وحتى عودته إلى صنعاء في يونيو 2012 وقد ساهم النظام الروتيني الصارم الذي كان ولا يزال العليمي يمارسه في تنظيم برنامجه اليومي في نجاته من الحادث وعودته لممارسة حياته الطبيعية.
فترة تولي العليمي منصب وزير الداخلية شهدت كثيرا من الأزمات العاصفة، بدءا من تصاعد موجات الإرهاب التي نفذها تنظيم القاعدة، وصولا إلى تداعيات أزمة التمرد في صعدة تراجع الظهور الإعلامي والسياسي للعليمي منذ عودته من رحلته العلاجية، وحتى ظهوره في الرياض مجددا في أبريل 2015 بعد شهر من اندلاع الحرب اليمنية، متخليا هذه المرة عن الرئيس صالح الذي قرر في تلك الفترة الاصطفاف إلى جانب الحوثيين.
بعدها تعرض منزل صالح لقصف بطيران التحالف العربي وهو الحدث الذي عزز الانقسام داخل حزب المؤتمر الشعبي العام ونشوء تيارين متضادين في الحزب أحدهما في صنعاء يقوده صالح، والآخر يضم عددا من قيادات المؤتمر في الرياض من بينهم العليمي ذاته الذي تعرض لهجوم من صالح وإعلام المؤتمر في الداخل الذي اتهمه بتقديم الإحداثيات لطيران التحالف، وأنه يعمل لحساب دول إقليمية ودولية “منذ أمد بعيد، زاعمة أن سر توليه المناصب الهامة في الدولة، حتى في عهد صالح، كان بدفع من تلك الدول.
وبعد مقتل صالح على أيدي الحوثيين في صنعاء، تقلصت مساحة الخلاف بين تيارات المؤتمر، لكن صراعا جديدا ظهر في جناح الحزب المتواجد في الرياض.
لكن العليمي تمكن متسلحا بخبرة سياسية طويلة من أن يفشل أي محاولات لجره إلى أي حلبة صراع سياسي داخل الشرعية، وظل يحتفظ بعلاقة جيدة مع الرئيس عبد ربه منصور هادي ومعظم الأطراف البارزة في معسكر المناوئين للحوثي، وهي الطريقة التي ساهمت في عودته مجددا إلى الواجهة كشخصية توافقية وكرئيس للتحالف الوطني للقوى السياسية اليمنية الذي تم إشهاره في أبريل 2019 وضم معظم القوى والمكونات السياسية المساندة للشرعية، فمن موقعه يرى العليمي أن الخلافات بين الأحزاب اليمنية كانت السبب الرئيسي والأبرز في سيطرة الميليشيات الحوثية على الدولة ومؤسساتها.