خلال نقاش سياسي اقتصادي مع مجموعة من المحللين والمتخصصين، تداول البعض حديثاً حول ما يحدث في بعض الدول العربية، خلال مرحلة ما بعد «الربيع العربي»، ومع أن النقاش تمركز حول تونس بشكل أساسي، إلا أنه تناول أيضاً عدداً من الدول العربية التي ما زالت بحاجة لبعض الإصلاحات، ولكن الاختلاف أصبح يتمحور حول أيهما يسبق أيهما: هل الإصلاح السياسي يجب أن يسبق الإصلاح الاقتصادي أم العكس؟
يمكن القول إن المقارنة بين المسيرتين المصرية والتونسية، السياسية والاقتصادية، تظهر أن القيادات السياسية والعسكرية في مصر، منذ العام 2013، وكذلك فئات كثيرة من الشعب المصري، قد أدركت أن سيطرة حركة «الإخوان» على مفاصل الدولة، إثر «الربيع العربي»، سوف تجرّ مصر اقتصادياً وسياسياً إلى الوراء عشرات الأعوام، ليس فقط لأن حركة «الإخوان» يتم توجيهها من الخارج، بل لأن الفكر «الإخواني» راح يكشف عن ضعفٍ شديدٍ في القدرات السياسية والاقتصادية، إضافة إلى تفتيت المجتمع والعبث بأمنه واستقراره، فتحرك الجميع، وبإيقاع واحد تقريباً، لطرد «الإخوان» من الحكم، وإبعادهم وتفكيك تجمعاتهم والتوجه نحو تطوير الدولة المصرية على الصعد كافة، خاصة الاقتصادية، وبدعم كبير من الإمارات والسعودية.
في المقابل، سمح التغلغل «الإخواني» في عرقلة الإصلاح الاقتصادي في تونس، فسيطر «الإخوان» على الشارع التونسي ثم على مجلس الشعب، وباتت قدرة تونس على التحرك للإصلاح الاقتصادي شبه مستحيلة، فتأخرت التنمية نحو 10 أعوام، ولم تتحرر تونس من تلك الأغلال المرهقة إلا بحضور الرئيس التونسي قيس سعيّد، الذي تمكن بوعيه السياسي العميق، وبالصبر والمثابرة ومخاطبة ضمائر الشعب التونسي الشقيق، أن يكشف جميع مؤامرات ومخططات «الإخوان» وأصحاب الفكر المتطرف، ويضع حدوداً لسلوكهم السياسي المراهق، وإبعادهم تدريجياً عن عنق تونس، التي كانوا يلتفون حولها.
الأشقاء في السودان، يحتاجون مبكرا أن يقرأوا المسيرتين المصرية والتونسية، ويقرروا إن كانوا يريدون الانتظار عشرة أعوام أخرى للبدء بإصلاح سياسي اقتصادي فوري تحت أي مسمى، أم ستظل الكرة بعيدة المنال عن الفريقين العسكري والمدني، ويظن كل فريق منهم أنه يعمل للصالح العام، وبدون تشكيك، فجميع المحللين متفقون على أن المسميات اليوم، غير مهمة، وسواء أكان الغطاء عسكرياً أم مدنياً، فالمهم هو تدراك الوقت، وإيجاد الصيغة التوافقية، باعتبار أنه ليس هناك من يريد شيئاً غير صالح السودان، وبأن المسيرة المصرية التي أثمرت إصلاحاً اقتصادياً مبكراً، خير دليل على نجاح النوايا الصادقة في دفع مسيرة النمو والتطور، واستثمار الموارد الطبيعية والبشرية، وعلاقات الجوار والعلاقات الدولية، للانتقال من مرحلة إلى أخرى، بأقل الخسائر الممكنة.
في اليمن، ما زال «الإخوان»، ومنذ العام 2013، يعرقلون كل محاولات الإصلاح السياسي، سواء بدعمهم السابق للحركة «الحوثية»، أو قبل وبعد «اتفاق الرياض»، وحتى بعد مرحلة التغيير السياسي الشامل، الذي جاء بالمجلس القيادي الرئاسي، بقيادة اللواء الدكتور رشاد العليمي، ويرى المتخصصون، أن حزب «الإصلاح» الإخواني في اليمن، هو الشوكة التي منعت وستمنع أي تقدم حقيقي ملموس، سواء لإنهاء التمرد «الحوثي»، أو إيجاد حلول للمشكلات الكبرى التي تواجه اليمن حالياً، الاجتماعية والصحية وكذلك الاقتصادية.
رأى البعض أن الإصلاح الاقتصادي يجب أن يسبق الإصلاح السياسي دائماً، وهذا غير صحيح من وجهة نظري، ففي بعض الدول، كلبنان والعراق على سبيل المثال، فإنه مهما حاولت وضع حصان الاقتصاد، ليجر عربة السياسة، فإنه لن ينجح في إحداث التغيير المطلوب، لأن النتائج ستكون دائماً تصب في مصلحة الفاسدين وأصحاب التوجهات السياسية غير الوطنية، المرتبطين بأجندة خارجية، وحين جادل هؤلاء، أن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، حفظه الله، قال بأنه «إذا كانت العربة هي السياسة والحصان هو الاقتصاد فيجب وضع الحصان أمام العربة»، قلنا بأن هذا صحيح، في حال كانت الأحوال السياسية مستقرة بشكل كامل، كما هو الحال في الإمارات أو بعض الدول الغربية. أما إذا كانت الأحوال السياسية غير مستقرة، فإنه يجب أولاً العمل على استقرارها بشكل كامل، كما يفعل الرئيس التونسي قيس سعيد، وسنشهد قريباً نتائج اقتصادية مثمرة، بإذن الله تعالى.
أشاد الحاضرون، من متخصصين وخبراء، في المجال السياسي والاقتصادي، بشكل لافت لم يجامل، بمسيرة دولة الإمارات العربية المتحدة، منذ تأسيس الاتحاد، وحتى يومنا هذا، بقدرة القيادة الإماراتية الحكيمة، على حفظ وضمان الاستقرار السياسي، الذي هيأ ويهيئ دائماً للنمو والتطور الاقتصادي، ويجعل دولة الإمارات في طليعة الدول المتفوقة في المجالات الأخرى، كالعملية والثقافية والاجتماعية والبيئية والصحية، إضافة إلى المجالات الإنسانية كافة.
- *لواء ركن طيار متقاعد