الهدنة اليمنية تواصل تماسكها النسبي رغم رفض الحوثيين تمديدها
رغم انقضاء نحو عشرة أيام من الهدنة اليمنية في تمديدها الثاني ورغم عدم موافقة الميليشيات الحوثية على تمديدها وتوسيعها فإنها ما زالت تحتفظ بتماسكها النسبي على الصعيد العسكري في ظل العديد من الخروق التي رصدها الجيش اليمني في مختلف الجبهات.
ومع وجود حالة من الترقب على الصعيد المحلي بالتزامن مع مخاوف أممية ودولية من عودة المواجهات الشاملة عسكرياً في ظل تهديد الحوثيين باستهداف المناطق المحررة وطريق الملاحة البحرية، يؤكد مجلس القيادة الرئاسي اليمني على سعيه للسلام، لكنه في الوقت نفسه يحذر الميليشيات بأنه لن يرضخ لابتزازها وسيتصدى بقوة لكل أعمالها العدائية على الصعيد العسكري.
وكان المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ أعلن في الثاني من أكتوبر (تشرين الأول) الجاري عدم موافقة الميليشيات الحوثية على مقترحه لتمديد الهدنة ستة أشهر وتوسيعها، معبراً عن تثمين موقف الحكومة الشرعية الإيجابي تجاه مقترحاته.
وتضمن المقترح الأممي الذي رفضته الميليشيات الحوثية دفع رواتب ومعاشات موظفي الخدمة المدنية، وفتح طرق محددة في تعز ومحافظات أخرى، وتسيير وجهات إضافية للرحلات التجارية من وإلى مطار صنعاء، ودخول سفن الوقود إلى ميناء الحُديدة دون عوائق، وتعزيز آليات خفض التصعيد من خلال لجنة التنسيق العسكرية والالتزام بالإفراج العاجل عن المحتجزين، كما تضمن الشروع في مفاوضات لوقف إطلاق النار واستئناف عملية سياسية شاملة، وقضايا اقتصادية أوسع، بما في ذلك الخدمات العامة.
وفي حين أوضح المبعوث أنه سيواصل مساعيه للتوصل إلى اتفاق بشأن الهدنة، دعا «إلى الحفاظ على الهدوء والامتناع عن أي شكل من أشكال الاستفزازات أو الأعمال التي قد تؤدي إلى تصعيد العنف».
ويعتقد مراقبون للشأن اليمني أن الميليشيات الحوثية قد تقدم على العودة إلى المواجهة الشاملة في مختلف الجبهات لكنها في انتظار الضوء الأخضر من داعميها الإيرانيين، كما يتوقعون أن يقدم مجلس القيادة الرئاسي على إعلان العودة إلى العمليات العسكرية الشاملة إذا ما أصرت الجماعة الانقلابية على اختيار الحرب لتحقيق أجندة طهران وتنفيذ تهديداتها باستهداف المناطق المحررة وطرق الملاحة.
وفي هذا السياق يقرأ الباحث السياسي والأكاديمي اليمني فارس البيل خفوت الأعمال العسكرية حتى الآن رغم انقضاء الهدنة، ويرى في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن ذلك يعني «حالة التوجس من جهة وانتظار الخطوات الأخيرة فيما ستسفر عنه الجهود الدولية، ومن ناحية أخرى الاستعداد والترقب، مخافة ألا يقع طرف في موقع البادئ بالعملية العسكرية بعد هدنة طويلة».
ويضيف: «تجري تململات عسكرية ومحاولات لاندلاع الحرب من جديد من جهة ميليشيا الحوثي، لكنها تريد الظروف الملائمة والمبررة لذلك، صحيح أنها لم توقف انتهاكاتها ولا أعمالها العسكرية في أكثر من جبهة، لكنها خفتت نوعاً ما بفعل الهدنة، وهي تريد العودة للحرب هذه المرة بشكل أوسع فيما إذا فشلت المفاوضات، لأنها تشعر أن توقفها عن تهديد دول الجوار نوع من الهزيمة أمام الرأي العام، مع أن ما كانت تقوم به لا أثر له عسكرياً، لكنها تعتبر ذلك نوعاً من التحدي، وإن كان هذا الاستهداف هو استراتيجية إيرانية برسائل مختلفة للغرب».
ويعتقد البيل أن «الهدنة الطويلة ستشكل عبئاً على ميليشيا الحوثي، وأن ذلك يفقدها المهمة الأساسية لها، وهي الحرب وإشعال النار، وأنه سيحول الضغوط عليها إلى جهة ما ينبغي أن تقدمه للناس في مناطقها، سواء بالموافقة على شروط الهدنة الإنسانية وتطبيقها، أو ما ينبغي أن تقدمه الحوثية في مناطق سيطرتها للعامة، لأن عذر الحرب الذي تتعلل به انتفى، وبالتالي سيؤثر هذا أيضاً على ما تقوم به الميليشيا من ضغوط على الناس إما بإجبارهم وأبنائهم على الالتحاق بالجبهات العسكرية، أو بما تفرضه عليهم من جبايات لا متناهية بعذر دعم الحرب ومجهوداته، وحين تستمر الهدنة ستضعف هذه المبررات وتزيد مسؤولية الميليشيا تجاه الجانب المدني في الحياة».
ويبدو أن الميليشيات الحوثية – بحسب البيل – متململة من الهدنة، وترغب في الخلاص منها باشتراطات تعجيزية أو بعدم تطبيق ما تم الاتفاق عليه حتى تعود لمربع الحرب.
ويرى أن الهدنة «شكلت نوعاً من النجاح الوهمي للقوى الدولية في ملف اليمن، لذلك هم حريصون كل الحرص على ألا ينهار هذا النجاح في نظرهم». ويقول: «على الأقل فإن الهدنة ستغطي على عجز هذه الأطراف عن اجتراح حلول حقيقية وطرح خطط للسلام شاملة وجدية، ووضع الأطراف في مساراتها… هذا كله لم يحدث، ولم يكن أكثر من الهدنة كحالة من حفظ ماء الوجه للوسيط الدولي والأممي».
من جهته، يرى الكاتب والمحلل السياسي اليمني محمود الطاهر أن الأعمال العسكرية الحوثية متواصلة منذ أن تم الإعلان عن الهدنة الأممية، مقابل توقف الأعمال القتالية من الجانب الحكومي، حتى بعد انتهاء الهدنة، ويقول لـ«الشرق الأوسط» إن «المتابع لهذا الأمر يعتقد أنها هادئة أو على مستويات أثناء الهدنة».
ويقرأ الطاهر من عدم عودة القتال على نطاق واسع بعد فشل تمديد الهدنة أن «هناك هدنة غير معلنة، فالحوثي يريد أن يكون الوضع هكذا، بحيث لا تتم محاسبته عن الأعمال الإرهابية التي ينوي القيام بها، أو من خلال محاولة السيطرة إن أمكن».
ويعتقد أن الوضع هذا «سيستمر لفترة ربما ليست بالطويلة قبل أن يتم تجديد الهدنة شريطة أن يكون هناك ضغط دولي حقيقي على الميليشيا الحوثية».
ويتابع الطاهر بالقول: «الحوثيون يريدون الوضع هذا لأن الهدنة أحدثت مشاكل كبيرة بالنسبة لهم، وأيضاً جعلت عليهم مسؤوليات كبيرة، لكنهم لم ينفذوها، ولم يجدوا مبرراً لعدم تنفيذ تلك المسؤوليات على عكس عما كان قبل الهدنة حيث كانوا يتحججون بأن هناك (عدواناً) عليهم».
ويضيف: «إذا استمر السلام والهدنة الأممية ربما قد تواجه الأجنحة الحوثية الداخلية بعضها، وهو ما قد ينعكس بالإيجاب للشعب اليمني بالتخلص من التطرف والإرهاب والتخلف الرجعي».
ويتهم الطاهر المبعوث الأممي غروندبرغ بأنه «لا يستطيع أن يتقدم خطوة واحدة» وبأنه «أضعف مبعوث أممي وصل إلى اليمن». ويقول: «لولا الظروف الدولية الراهنة، وحاجة أميركا لهدنة وتهدئة في المنطقة لما كانت هناك هدنة، ولن يستطيع المبعوث أن يقنع الحوثي بالموافقة على أي شيء». ويعتقد أن الحوثيين في النهاية «سيوافقون على هدنة أممية جديدة بعد أن يدركوا أنهم غير قادرين على تحقيق أي مكسب عسكري على الأرض».