البنوك المركزية والفشل المصرفي
أصبحت كل البنوك المركزية بالعالم مهددة اليوم أكثر من أي وقت سابق، بالفشل المصرفي في إدارة السياسة النقدية للدول، والعجز الإداري عن القيام بأي دور فاعل للحفاظ على قيمة صرف مستقر وثابت للعملة المحلية، مقابل العملات الأخرى المفتقدة هي الأخرى للاستقرار المصرفي عالميا، بسبب التداعيات العالمية المستمرة للحرب الروسية الأوكرانية وضربها للثقة بالنظام المالي العالمي بقيادة واشنطن.
لذلك لجأت اليوم العديد من البنوك َوالمصارف المركزية ومنها التركي والسنغافوري والقطري وغيرها، إلى تكوين أكبر احتياطي ممكن من الذهب، بدلا عن العملات النقدية المختلفة، بعد تحذيرات مجلس الذهب العالمي من خطورة التطورات الاقتصادية الجارية اليوم عالميا، على مصير وجدوى فاعلية السياسات النقدية للبنوك المركزية المعتمدة على الاحتياطات المالية بالدولار واليورو وغيرها، وسط تحذيرات اقتصادية من تزايد المخاطر الاقتصادية لتداعيات الحرب الروسية المتواصلة على اوكرانيا، بعد تأثيرات القرار الأمريكي الخطير وغير المسبوق في مستوى الثقة العالمية بالدولار ومدى إلتزام أمريكا بتعهداتها تجاه القوانين الدولية والمعاهدات المالية المرتبطة بحماية حقوق التجارة العالمية والايفاء بالتزاماتها الخاصة بحرية التبادل التجاري بين الدول، وذلك على إثر لجوء إدارة الرئيس الأمريكي بايدن، إلى تجميد الاحتياطات المالية للدول المتعاملة معها تجاريا،لأول مرة، كما فعلت في تجميدها لاحتياطات روسيا بالدولار، ضمن سلسلة العقوبات الاقتصادية الغربية المفروضة أمريكيا واوروبيا على موسكو، على إثر حربها المصيرية على اوكرانيا.
ورغم الانعكاسات السلبية لتلك العقوبات الغربية ضد روسيا، على اقتصاد وحياة شعوب تلك الدول الأوربية الفارضة لها، أكثر من روسيا نفسها، فقد نجحت إدارة بوتين في ابطال مفعولها بطريقة اقتصادية ذكية، بل وتسعى اليوم في تحالفها مع الصين وإيران والهند وباكستان والبرازيل وغيرها من دول تحالفها العالمي المناهض لأمريكا، لفرض نظام عالمي جديد بعملة نقدية جديدة مشتركة على غرار اليورو، تنهي احتكار الدولار واليورو للتعاملات التجارية في الأسواق العالمية، وهو ماتدرك واشنطن خطورته جيدا على مستقبلها كقوة عسكرية احادية مهيمنة اقتصاديا وعسكريا على العالم، منذ تفكك الإتحاد السوفيتي عام ١٩٩٠م، لذلك تصر على استمرار دعمها العسكري والمالي غير المسبوق، لتمويل صمود أوكرانيا بالحرب بأي ثمن كان، كون المعركة هناك مصيرية بالنسبة لها من أجل إيقاف طموحات القيصر الروسي وتوسع إمبراطوريته السوفيتية مجدداً، بعد أن فشلت في هزيمته اقتصاديا بكل الطرق المستخدمة لضرب الاقتصاد الروسي، سواء بالعقوبات الاقتصادية الأكبر وعزل البنوك الروسية عن نظام التحويلات المالية العالمي سويفت أو بمصادرة الاموال الروسية وتجميد احتياطياتها النقدية بالدولار، لأول مرة ودون وجه حق،أو بوقف تصدير الرقائق الإلكترونية وبعض المواد الإلكترونية إليها، وصولا إلى محاولة الضغط على الدول الأوربية لوقف استيراد الغاز والنفط منها، دون توفير بديل لها، وهو الأمر الذي دفع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالمقابل، إلى الرد على تلك العقوبات الغربية بفرض شروط لاستمرار تصدير بلاده للغاز إلى الدول الأوربية غير الصديقة المستفيدة من غاز بلاده، كان من اهمها الدفع بالروبل الروسي بدلا من الدولار أو اليورو، ليضمن بذلك إنقاذ عملة بلاده من الانهيار المصرفي الذي كان يحدق ببلاده ويدفع الكثير من الدول الأوربية إلى البحث مضطرة عن الروبل وشرائه من المركزي الروسي، غصبا عنها تحت تأثير الحاجة الضرورية الملحة للغاز الروسي الذي أصبح احد أبرز الأسلحة الروسية الفعالة في الرد على حرب العقوبات الاقتصادية الأوربية.