تلمح إسرائيل منذ أيام إلى أن قواتها المحتشدة ستجتاح غزة للقضاء على قوة حماس العسكرية نهائيا، عقب هجماتها الأخيرة على جنوب إسرائيل، يوم 7 أكتوبر/ تشرين الأول.
فقد استدعى الجيش الإسرائيلي أكثر من 300 ألف من جنود الاحتياط، وامتلأت المزارع والحقول على الجانب الآخر من الحدود مع غزة بدبابات ميركافا، وأنظمة القذائف الذاتية، والآلاف من الآليات العسكرية الجاهزة للمعركة.
ويشن الطيران الحربي الإسرائيلي والبحرية غارات متواصلة على أي مكان يشتبه في أنه مخبأ لحماس أو للجهاد الإسلامي أو مخزن سلاح في غزة. وأسفرت هذه الغارات عن مقتل الكثير من المدنيين إلى جانب عدد قليل من قادة حماس.
العدد المهول من الضحايا في انفجار أحد مستشفيات غزة المركزية الثلاثاء، والذي نسبه كل طرف للطرف الآخر، أدى إلى تصاعد التوتر أكثر في المنطقة.
فلماذا لم تبدأ إسرائيل توغلها البري في غزة حتى الآن؟
عامل الرئيس بايدن
إن مسارعة الرئيس الأمريكي جو بايدن لزيارة إسرائيل دليل على قلق البيت الأبيض من تدهور الأوضاع. فواشنطن قلقة من أمرين: تفاقم الأزمة الإنسانية، ومخاطر توسع النزاع في الشرق الأوسط.
وسبق للرئيس الأمريكي أن أوضح موقفه بالاعتراض على إعادة احتلال إسرائيل لقطاع غزة، الذي انسحبت منه في 2015، وقال إن ذلك سيكون “خطأ كبيرا”.
فمن الناحية الرسمية، زار بايدن إسرائيل للتعبير عن دعمه لحليف أمريكا الأقرب في الشرق الأوسط، وللاستماع إلى خطة إسرائيل تجاه غزة.
أما من الناحية غير الرسمية، فإن زيارته هدفها حث حكومة نتنياهو المتشددة على القليل من ضبط النفس. وتريد الولايات المتحدة أن تعرف كيف ستخرج إسرائيل من غزة، إذا هي توغلت فيها، ومتى سيكون ذلك.
ولن يكون المشهد لائقا بالولايات المتحدة لو أن إسرائيل شنت عملية اجتياح شاملة لغزة بينما طائرة بايدن لا تزال واقفة على مدرج مطار تل أبيب.
وعبر بايدن في زيارته عن تصديقه للرواية الإسرائيلية وهي أن صاروخا فلسطينيا سقط بالخطأ على المستشفى. أما المسؤولون الفلسطينيون فيقولون إن غارة إسرائيلية استهدفت المستشفى.
وتعمل بي بي سي على التحقق بطريقة مستقلة من عدد القتلى، الذين يعتقد أنهم بالمئات، وكذلك معرفة سبب ومصدر الانفجار.
العامل الإيراني
وجهت إيران في الأيام الأخيرة تحذيرات شديدة بأن الهجوم الإسرائيلي على غزة لن يمر دون حساب. فماذا يعني هذا التحذيرعمليا؟
تمول إيران وتدرب وتسيطر، إلى درجة ما، على عدد من المليشيات الشيعية في الشرق الأوسط. وأقوى هذه المليشيات هو حزب الله اللبناني القابع على الحدود الشمالية لإسرائيل.
تواجه الطرفان في حرب 2006 التي شهدت تدمير الدبابات الإسرائيلية العصرية بالألغام الأرضية والكمائن. وأعاد حزب الله منذ ذلك الوقت تسليح مقاتليه بمساعدة إيرانية. ويعتقد أنه يملك اليوم حوالي 150 ألف قذيفة وصاروخ، الكثير منها طويل المدى وعالي التوجيه.
وهنا يكمن التهديد الضمني، وهو أن حزب الله قد يفتح جبهة على الحدود الشمالية، إذا اجتاحت إسرائيل غزة، فيضطرها إلى الحرب على جبهتين.
ولكن ليس هناك ما يؤكد أن حزب الله يريد هذه الحرب في هذا التوقيت، خاصة بوجود حاملتي طائرات أمريكيتين على مقربة من السواحل شرقي البحر المتوسط، وهما جاهزتان لنجدة إسرائيل.
وهذا يطمئن إسرائيل بأن أي هجوم من حزب الله قد يدفع الولايات المتحدة إلى الرد عليه بالقوة الجوية والبحرية. ولابد من التذكير بأن حزب الله تمكن في حرب 2006 من ضرب سفينة حربية إسرائيلية بأحد صواريخه المتطورة المضادة للسفن.
العامل الإنساني
تصور الحكومة الإسرائيلية للأزمة الإنسانية يختلف عن تصور بقية الدول فيما بتعلق بمحاولات استئصال حماس من غزة.
فبعد ارتفاع عدد ضحايا الغارات الإسرائيلية من المدنيين الفلسطينيين، تحول كثير من التعاطف العالمي مع إسرائيل بخصوص هجمات حماس يوم 7 أكتوبر تشرين الأول، إلى دعوات متزايدة تطالب بوقف الغارات الجوية الإسرائيلية لحماية أهل غزة.
وإذا توغلت القوات الإسرائيلية بقوة في غزة فإن عدد الضحايا سيكون أكبر.
الجنود الإسرائيليون سيموتون أيضا في الكمائن، وعلى يد القناصة، وقد تجري بعض المعارك في الخنادق التي تمتد لأميال تحت الأرض.
ولكن من المرجح، مرة أخرى، أن يكون المدنيون أكبر الضحايا.
فشل استخباراتي ذريع
تلقت أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية ضربة موجعة.
فقد تحمل جهاز الاستخبارات الداخلية الإسرائيلي (شين بيت) مسؤولية الفشل في رصد هجوم حماس قبل وقوعه. فهو جهاز يفترض أن له مخبرين وجواسيس داخل غزة، يراقبون قادة حماس والجهاد الإسلامي.
ولكن الذي حدث صباح يوم السبت، السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، جنوبي إسرائيل يوصف بأنه أكبر فشل استخباراتي في تاريخ إسرائيل منذ حرب أكتوبر 1973.
وتسعى المخابرات الإسرائيلية إلى تدارك فشلها بالعمل دون هوادة على مساعدة الجيش في تحديد مواقع الرهائن، ومخابئ قادة حماس.
ومن المحتمل أنهم طلبوا المزيد من الوقت للحصول على معلومات أكثر، حتى إذا توغلوا ذهبوا مباشرة إلى مواقع معينة، بدلا من البحث بين الأنقاض والدمار شمالي غزة، وسط تصاعد التنديد العالمي.
ولابد أن مقاتلي حماس والجهاد الإسلامي الذين لا يزالون في غزة أعدوا الكمائن والمخابئ، أمام الزحف الإسرائيلي. وستكون هذا المخابئ في أنفاق تحت الأرض.
وتسعى المخابرات الإسرائيلية لتحديد مواقعها وإبلاغ الجيش عنها.