مافيش حارة ولا قرية في اليمن إلا وفيها اثنين إلى ثلاثة جوامع، ونرقد ونقوم كل يوم على أصوات المآذن؛ والمواعظ الدينية ليل الله مع نهاره مفتوحة فوق رؤوسنا.
وأول ما ينكع المولود من بطن أمه يأذّنوا له ويكبّروا في أذنه، وأول ما يكبر ويقطع بطاقة شخصية تلقاه يسجل نفسه في خانة الديانة “مسلم” هكذا تلقائيًّا بالفطرة في عملية متوارثة جيلا بعد جيل من يوم دخل أجدادنا الأوائل إلى الإسلام وحتى هذه اللحظة؛ ومع هذا ينبعلك واحد درويش يصيح فينا ويقول:
- الإسلام في خطر!
- خطر موه ياموسمك أنا لي منع أبوك؟!
قدو مافيش في بلادنا بيت ولا دكان ولا مطعم ولا بوفية ولا محل ولا مصنع ولا مؤسسة ولا بقالة ولا فندق ولا مستشفى ولا مصلحة حكومية أو أهلية إلا والمصحف الشريف والسجادة والمسبحة موجودات فيهن من قبل الأثاث. وكل المعاملات الرسمية وغير الرسمية تبدأ بسم الله الرحمن الرحيم وتنتهي ب والله ولي الهداية والتوفيق؛ ومع هذا ينبعلك درويش يصيح:
- دين الله في خطر!
- خطر موه ياضاك أنا لي منع أبوك؟
قد إحنا في هذي البلاد نمشي وجدران الشوارع كلها تستقبلنا؛ اينما سرنا بعبارة “اذكر الله يا غافل” نيابة عن أسماء الشوارع وعناوين البيوت؛ ونركب في حلنا وترحالنا فوق سيارات وسائل السلامة فيهن صفر؛ ولكن دعاء السفر لا يغيب ونشوفه مدندل قدام عيوننا وطول الطريق نصلي على النبي وندعوا الله بكل تضرع وخشوع؛ ومع هذا تسمع لك درويش يصيح من المنبر:
- ارجعوا إلى الله!
- لموه واحنا أين احنا ذلحين ياموسمك؟!
لا معانا مراقص ولا ملاهي ليلية ولا مصانع خمور ولا شواطئ للعراة ولا بارات ولا أماكن رسمية للدعارة، ولا مسابقات ملكات جمال ولا حفلات مختلطة؛ وكل الذي معانا أسواق قات فقط، وسواحل مفتوحة للتهريب، ومعسكرات لتدريب المجاهدين، ومصانع جعالة لا تخلو من مواد مُسرطنة في بلاد خاربة وواقعة بيد شوية لصوص وقطاّع طرق يحكمونا باسم الله وباسم الرسول؛ وينبعلك درويش فارغ والله مالامه علم ما هو الوطن ولا ما هو الاقتصاد ومع هذا نسمعه يصيح بحسرة:
- ضيعنا الاسلاااام وضاعت البلاد!
- مله مو نزيد نعمل ياموسمك؟
لا بو عندنا كنائس نسمع أجراسها منسب نخاف منها على دين الإسلام، ولا بو من يعلّق عرض الجدران صور اليسوع المتخيلة، ولا تباع صور مريم العذراء بمحلات الهدايا، ولا بو عندنا صليب مرسوم في أي بقعة، وما فيش معانا غير الصليب الأحمر بس.
وحتى شوية اليهود اليمنيين طعفروا بهم من كل قرية وماعد نلاقي في الشارع يهودي واحد ماشي وزنانيره مدندلات، ولا بوه عندنا رهبان ولا قساوسة ولا بابوات ولا أحبار، ولا توراة ولا إنجيل ولا تماثيل لبوذا، ولا بو في بلادنا أساسا من يزاحم الإسلام؛ والخط فاضي لدين الإسلام؛ ومع هذا تلاقي اسطوانة الدراويش تصيح بنا في كل خطاب ديني:
- اتقوا الله وعودوا إلى أحضان الإسلام؟
- يعني واحنا ذلحين أينه؟ في أحضان فاتن حمامة، والا بحضن من ياموسمك؟
قد إحنا من صبح الله للمغيب أمة مقعللة في حدف الإسلام، وما معانا حدف غيره؟!
وقد نسواننا في الغالب مكلفتات بأغطية سوداء تلفهن من ساسهن لا راسهن ساع الشليشن؛ ولو حصل مرة ومشت واحدة في الشارع لابسة بالطو محزوق شوية على خصرها يتلبجوا ويصيحوا:
- يا غارتاه يا باطلاه؛ هذا إغراء، هذا تفسخ أخلاقي، هذا منظر يفطر الصائم!
- يعني أسألكم بالله؛ هذا الأخ المسلم التقي الطاهر الخائف على الإسلام من حزقة بالطو؛ ما يقدر يتجمل مع الإسلام شوية ويغمض عيونه؟!
ومابللا الإسلام في خطر، لأن صاحبنا المتدين هذا مقحوش مررره؛ ما يقدر يتحكم برغباته ولا بينه طافة يمسك نفسه شوية قدام بالطو محزوق أثار شهواته الحيوانية؛ وخلاه يصيح ساع المجنون: الإسلام في خطر؟!
طيب هولا الدراويش من كل الفصائل الدينية المتواجدة بالساحة الدينية في اليمن ايش يشتوا مننا بالضبط؟ وما هو دين الله هذا الذي يشتونا نتمسك به لا ينكع؛ وما هو هذا الإسلام الذي يشتونا نعود إلى أحضانه؟
هل هو الإسلام حق الحوثيين مثلا؟
وإلا الإسلام حق الإخوان؟
وإلا الإسلام حق السلفيين؟
والله مالي علم!
كل الذي أعرفه أننا شعب مسلم بالفطرة نعرف الله من آبائنا؛ لكن الدراويش مش مقتنعين بهذا هذا التدين الفطري اللي في نفوس الناس وما بللا نتدين على هواهم وعلى مذاهبهم، وما بللا نعبد الله الذي في تصورهم؛ وما بلا يعكموا حياتك اليومية بالمخاوف التي تهدد الإسلام وتستهدف المسلمين؛ ما لم فاحنا غلطانين ومقصرين؛ والمجتمع في ظلال؛ ودين الله في خطر!
انا في رأيي الشخصي كمسلم؛ أقول والله ما في شي أخطر على الإسلام وعلى التعايش بين المسلمين أنفسهم؛ فضلا عن تعايشهم مع الآخر؛ أكثر من هولا الدراويش اللي ما معا ابتهم مهرة غير هذا الهدار.
*من صفحة الكاتب على الفيسبوك