أخبار العالممحلياتمقالات

الحوثيون: تناقضات الخطاب وازدواجية السلوك السياسي

في المشهد اليمني، يتصدر الحوثيون الساحة السياسية والاجتماعية بسلوكياتهم المتناقضة وخطابهم المزدوج. تظهر تصريحات وتغريدات قياداتهم فجوة واضحة بين ما يروجونه للجماهير وما يمارسونه على أرض الواقع.

هذا التناقض لا يكشف فقط عن ضعف في استراتيجيتهم السياسية، بل يُظهر أيضًا ازدواجية خطيرة في تعاملهم مع الأوضاع المحلية والدولية. في هذا المقال، سنلقي الضوء على أبرز مظاهر هذه التناقضات من خلال تحليل نماذج من تصريحات محمد علي الحوثي، حسين العزي، وحزام الأسد.

يتصدر محمد علي الحوثي المشهد الإعلامي بتغريداته التي تثير الاستغراب بطلاسمها وحروفها المتقطعة. بدلًا من تقديم رؤى أو مواقف واضحة، يعتمد أسلوبًا غامضًا يتطلب تفسيرًا أشبه بالتنجيم.

هذا النهج يعكس ضعفًا في صياغة خطاب سياسي متماسك، ويزيد من الإرباك بين أتباعهم وحتى المراقبين. ليس من المستغرب أن يتبع هذا الأسلوب قيادات أخرى، مما يُفقد الجماعة قدرتها على إيصال رسائل سياسية قوية.

أما حزام الأسد، فيُظهر تناقضًا آخر بتغريداته التي تتضمن كلمات عبرية، وكأنه يروّج للتطبيع مع إسرائيل. في حين يدعي الحوثيون أنهم ضد “الصهيونية”، يبدو أن الأسد يلمّح بدعم قيام دولة دينية يهودية، مما يعكس ازدواجية غير مبررة في خطابهم الرسمي.

بينما يبرز حسين العزي كواحد من أكثر القيادات إثارة للجدل بتصريحاته التي تتسم بالتناقض. في تغريدة حديثة، حاول أن يظهر نفسه وجماعته كحمائم سلام، متهجمًا في الوقت ذاته على حزب الإصلاح ووسائل إعلامه التي تميل لتركيا وتهاجم السعودية، بينما هم -حسب ادعائه- مدعومون من السعودية.

يهدف بذلك إلى إشعال فتنة بين الإصلاح والسعودية. وبينما يدّعي أنهم يسعون للسلام، تفضح تصريحاته حقيقة إصرارهم على التمسك بالسلاح ورفضهم تنفيذ القرارات الدولية.

في تغريدة أخرى حول خارطة الطريق للمرحلة المقبلة،حملت عدة مبادئ، التي طرحها رجال الكرامة ولواء الجبل أكبر فصيلين عسكريين في السويداء بسوريا، قال العزي: “في ظل الانقلاب القائم وموجة الأحقاد المتعاظمة، يبدو الاحتفاظ بالسلاح وعدم تسليمه قرارًا موفقًا…”

لكن هذه التغريدة تحمل مفارقات عجيبة؛ حيث تعكس ازدواجية المعايير، إذ إن الحوثيين أنفسهم قاموا بانقلاب في اليمن، ومع ذلك يصفون إدارة العمليات السورية للفصائل بالانقلاب.

يرى العزي موجة أحقاد متعاظمة في الثورة السورية، التي لم تُحكم إلا منذ شهر واحد فقط، بينما هم تمردوا وانقلبوا وسيطروا على الدولة ومقدراتها وأقصوا وشردوا.

وهذا يعكس سياساتهم الإقصائية والحاقدة المتعاظمة في اليمن. يحرض العزي على عدم تسليم السلاح إلا لدولة كفؤة، بينما يرفض الحوثيون تسليم السلاح للدولة اليمنية.

لم تعمّر التغريدة سوى بضع دقائق حتى حذفها حسين العزي. قد يكون حذف التغريدة ناتجًا عن إدراك حساسيتها السياسية، إذ قد تُفسر كإقرار ضمني بأن السلاح ليس غاية دائمة، وهو أمر يتعارض مع الخطاب الحوثي القائم على التمسك بالسلاح.

وقد تكون التغريدة قد أثارت جدلًا داخليًا داخل جماعة الحوثي، حيث تُعتبر رسائل كهذه مثيرة للجدل في سياق النقاش حول تنفيذ التسوية السياسية والقرارات الدولية بشأن مستقبل السلاح في اليمن وحصره بيد الدولة.

وقد يحمل الحذف دلالة سياسية تعكس التوتر الداخلي الحوثي، وكذلك المحيط بالملف السياسي والعسكري للجماعة.

أثارت زيارة المبعوث الأممي إلى صنعاء جدلًا واسعًا، حيث تضمنت تصريحات حسين العزي تناقضات إضافية.

ففي تغريدة، انتقد أمريكا والمبعوث الأممي الذي جاء لحث الحوثيين على السلام، قائلًا: “أمريكا هي الأولى بالحث، فهي التي تمنع تنفيذ خارطة الطريق.” وهاجم العزي المبعوث قائلًا: “تجيير الزيارة للتغطية على تنصل الأطراف الأخرى عن توقيع الخارطة وتبييض صفحاتهم المليئة بالأعمال العدائية عسكريًا واستخباراتيًا، وتصوير الأمر وكأن الكرة في ملعب صنعاء، أمر مؤسف وغير مقبول.”

بينما يغرد العزي بتلك الاتهامات، يلتقي المبعوث الأممي في صنعاء بوزير خارجية الحوثيين، ويعلن أن جماعته مستعدة للتوقيع الفوري على خارطة طريق مع السعودية باعتبارها الطرف الأساسي في الحرب.

هذه التصريحات تكشف محاولتهم رفع سقف مطالبهم التفاوضية، بينما يحمّلون الأطراف الأخرى مسؤولية تعثر الحل السياسي.

الزيارة لم تُثمر شيئًا ملموسًا. لم يُفرج الحوثيون عن موظفي الأمم المتحدة المحتجزين، ورغم العقوبات الأمريكية على رئيس لجنة الأسرى الحوثية، عبد القادر المرتضى، إلا أن المبعوث التقاه.

الزيارة لم تُنتزع تنازلات مهمة، مما يعكس إصرار الحوثيين على الاستمرار في سياساتهم المتعنتة والتصعيدية، وخير دليل هو استهدافهم لمنازل المواطنين الأبرياء في قيفة رداع – البيضاء بالتزامن مع اختتام زيارة المبعوث إلى صنعاء.

من خلال تحليل هذه النماذج، يتضح أن الحوثيين يعيشون حالة من التناقض المستمر في خطابهم وسلوكهم السياسي. تصريحاتهم تمتلئ بالطلاسم والغموض، مما يعكس ضعفًا في استراتيجيتهم الإعلامية.

أما أفعالهم -في تعز والبيضاء والضالع ومأرب وشبوة وغيرها- فتُظهر ازدواجية في التعامل مع القضايا السياسية والإنسانية. ما بين التغريدات المثيرة للجدل والتصريحات المتناقضة، يبدو أن الحوثيين يمارسون لعبة سياسية خطرة قد تكون عواقبها كارثية على اليمن واليمنيين كافة.

استمرار هذا النهج لا يؤدي إلا إلى تعميق الأزمة، مما يستوجب على الجميع مواجهة الحقيقة: لا يمكن تحقيق السلام والاستقرار إلا عبر خطاب صادق، واستعداد لتسليم الأسلحة والمؤسسات، والخروج من المدن، والقيام بأفعال متسقة، ورؤية واضحة لبناء دولة تضمن مستقبلًا آمنًا لجميع اليمنيين.

زر الذهاب إلى الأعلى