العصيد الأخير
اتصل بي صديق من تعز من الرفاق قال باللهجة الشعبية “لقد عصدوا تعز والبيرين والحجرية عصيد”. ثم قال لقد صدقت، ليس للإخوان دين ولا ذمة، كنا نقول إنك تتسرع في نقدهم واليوم تأكدنا أنهم مشروع موت لا حياة.
قلت له بكل ثقة كن مطمئناً، هذه هي العصيد الأخير لهم، هذا توقعي اليوم.
وذهبت أسترجع بعض ذكريات الأيام الاولى لاجتياح مليشيات الحوثي تعز. وقبلها اجتياحهم صنعاء، قال الإصلاح نحن لسنا الدولة، وتكرر الأمر في تعز في البدايات أيضا، ففي الأيام الأولى التي سبقت نزول مليشيات الحوثي تعز كنا نعقد اجتماعات متكررة مع قيادات حزبية واجتماعية كان معظمها في المحافظة ومنزل الأمين العام للمحافظة محمد الحاج، كان منطق قيادات الإصلاح، نحن لسنا الدولة ونحن مع السلم والشراكة.
وبعد اجتياح الحوثي مدينة تعز فر معظم قيادات الحزب إلى عدن والخارج واختفوا من المشهد تماماً. أتذكر أننا كنا على موعد مع اجتماع لأول نواة تشكل لقيادة المقاومة قبل أن يتشكل مجلس المقاومة بالطريقة الإصلاحية، كنا قد عقدنا خمسة اجتماعات في منزلي في الديوان باعتباره مقرا مؤقتا للاجتماعات السرية للمقاومة، وحين فر الرئيس عبدربه من عدن اختفت القيادات الإصلاحية الكبرى، تواصلنا مع بعضها للاجتماع، كان الجميع قد هرب تاركا تعز.
كان اللواء 35 هو المتواجد والسند الوحيد لتعز والذي يحافظ على تواجده في المدينة.
وفشلنا في مواصلة الاجتماعات نظرا لهروب تلك القيادات وفكرنا بالاستمرار بدونها وعمل آليات بديلة.. لكن عاصفة الحزم التي أعلن عنها إعادة الأمل للجميع وعادت قيادات الإصلاح مهرولة كانت شهيتهم للمغانم هي دافع العودة، وكانت محطات المقاومة الأولى ممتازة، ومع تغلغل القيادات الإصلاحية بالمال والدعم والفساد والنهب تحول المسار المقاوم إلى عصيد إخواني فيه من النهب والكذب والبلطجة وصولاً إلى سفك الدماء.
أدركت بعد ستة أشهر أو سنة تقريبا أن الإصلاح يجرنا ويجر تعز كلها إلى مشروع آخر لا علاقه له بالمقاومة ولا بتعز، وكنت أول من حذر من ذلك، واخترت طريقا متدرجا بدأت بمنشورات صغيرة داخل جروبات وجلسات المقاومة تحت عنوان الوصايا العشر، لخصت أهم النقاط التي تشكل خطراً وأخطاء، ثم انتقلت لعمل فعاليات في منتدى الشبزي عن هذه الأخطاء، ثم من خلال تكتل شباب توق ولجانه طرحت بعض الأفكار، ثم الكتابة، ثم الاتصالات والتحذيرات.. كانت كل تلك المحاولات والتي شاركنا البعض من شباب ورجال تعز فيها تقابل بالصلف الإصلاحي والاتهام بشق الصف ثم تسليط بعض كلاب الحزب بالكتابة والتشويه والسب والقذف.. لم يتركوا نقيصة إلا قالوها فينا..
تحملنا وآثرنا عدم الرد ولكن التطاول زاد، وكذلك زاد النهب والقتل، وكان لابد حينها من الاختيار: الاستمرار والسكوت والخنوع أو المواجهة رغم كلفتها لاسيما ونحن تحت أيديهم في مدينة تعز التي لم نغادرها يوما واحدا لأربع سنوات متتالية.. وكان القرار هو المواجهة، وكانت لنا مقابلات مع صحف خليجية وعربية وبعض القنوات، وشرحنا توجه الإصلاح في ملشنة الجيش وتخزين السلاح والعبث بالدعم والاستعداد للقضاء على اللواء 35، كان طرحنا مستهجناً من كثير ممن نراهم اليوم قد اقتنعوا بماهية الإصلاح ومشروعه.
وذهب الإصلاح لتشكيل لجنة للتحقيق معي من المقاومة وجمع الأحزاب وأصدر بياناً باسم اللقاء المشترك، وهو أول بيان يصدر ضد شخص قال كلمة ورأياً.
كان بياناً مضحكاً وسابقة خطيرة من أحزاب شريكة للإصلاح تدعي المدنية.. لكني واصلت الطريق وواصلوا التحريض وأنني أهين الجيش والمقاومة، وتوصلوا مع القاعدة وحسم.. وبدأت تأتيني اتصالات التهديد والتصفية، وكانت تهمتي شق الصف، ثم سلطوا بعض السفهاء بالتحريض ومطالبتهم لي مغادرة المدينة.
حاولت البقاء، تم إطلاق الرصاص عليَّ وسياراتي في وادي القاضي ونجوت.. ثم تم التقطع لي وأخذ تلفوناتي في قصة طويلة نشرت سابقا.
ثم كان الاختطاف الشهير في بداية رمضان وإنزالنا للإعدام في السائلة ثم التردد والاكتفاء بالاعتقال.
كان ذلك من منزلي وقبل أذان مغرب ثاني أيام رمضان، حيث داهموا المنزل بخمسة أطقم مدججة بالسلاح وملثمين من القاعدة والإخوان، والقصة معروفة، وقد نشرتها سابقا بالتفصيل على صفحتي بالفيسبوك تحت عنوان قصة الاختطاف وأسبابه.
اليوم استطرد هذه الذكريات التي تمثل قصة الإخوان مع تعز وكيف أوصلوها لمشروع الاحتراب الداخلي، كيف عبثوا بكل شيء، بالدولة، والمقاومة، وكل تعز وقدموها محافظة فاشلة بسوء الأعمال والأفعال.
بالنسبة لي كل شيء متوقع، ليس شيئاً جديداً، أشفق فقط على بعض الرفاق والإعلاميين الذين كانوا مشاركين بالحملات ضدنا حينها، وأتمنى أن يفكروا ويكفروا اليوم عن تلك الأخطاء.. أشفق كذلك على اللقاء المشترك الذي أصدر ضدنا البيانات وأطالبهم بالاعتذار، وهم يشاهدون جحافل الإخوان يجتاحون التربة ويعبثون بالحجرية بعد أن أحرقوا المدينة القديمة وطردوا كل أحرار تعز من المدينة.
ما يقوم به الإصلاح اليوم هو العصيد الأخير والخطأ القاتل الأخير.
ليس بوسعهم عمل شيء جديد، لقد ارتكبوا كل حمق وكل جريمة. هذا توقعي، ليس بيدهم أن يفعلوا أكثر من هذا.
لقد بدأ العد التنازلي لهذه الجماعة ولذراعها السياسي، وكما توقعت من ثلاث سنين أنه سيقودنا إلى صراع أتوقع اليوم بكل ثقة أن الحزب أصبح منبوذاً أكثر من الحوثي في تعز، ليس بفضل ما قمنا به وغيرنا من معارك إعلامية، ولكن بفضل حمق الجماعة وجرائمها.. لقد كتبت منذ سنتين أن الإخوان إما سيقتلون تعز أو أن تعز ستقتلهم وتنبذهم وتقدمهم للعالم كجماعة إرهابية.. وقد كان.
ما يدور اليوم من معارك هي نهاية فيلم العصيد الأخير للإخوان في تعز ونهاية المشروع وأفكار الاستحواذ التي فشلت جنوبا ثم شمالا.. والقادم مأرب إذا لم تأخذ العبرة والعظة.
لكن فشل هذا المشروع لا يعني تعافي اليمن، ما زالت طريق الحرب طويلة وما خلفه الإخوان والحوثي من أحقاد تضرب في عمق وجدان اليمنيين ومن ثارات ومن خصومات لن يكون الخلاص منها أمرا سهلا، سيظل يلاحق اليمنيين لفترة طويلة حتى التعافي.
لكن فشل فكرة التمكين والاستقواء سقطت فعلاً، ومزاج اليمنيين ووعيهم رغم الحرب أفضل منها أيام السلم. لقد علمتهم الحرب دروساً لا تنسى ولا يمحوها الزمن، وأهم الدروس أن الإخوان والحوثي والقاعدة ملة واحدة، ولا خلاص إلا بعزلهم سياسياً وعسكرياً.
وغداً لناظره قريب..