بمناسبة 21 الأسود: لماذا إمامة الحوثيين أخبث من كل إمامة؟
(2-1)
▪ما هي “جمهورية” 21 سبتمبر الحوثية؟
هي باختصار مشروع متخلف رديء التهجين، عبارة عن تركيب “مسخ” يتكون من:
1) مساعٍ بائسة لدمج مبدأين متنافرين بشكل حاد، ولا يربطهما رابط: دمج نسخة محدثة من الإمامة الزيدية الهادوية في ثوب جمهوري. لكنه جمهوري على الطراز الخميني الإيراني.
2) مساعٍ أكثر بؤساً لإلحاق أحد هذين المبدأين (الجمهورية والإمامة) بالآخر، واستخدام المصطلح الجمهوري كقناع خارجي للإمامة التي بات الحوثيون يطلقون عليها اسم “الولاية” لاعتبارات سياسية تكتيكية، ولأن كلمة “إمامة” لا تزال في اليمن، بفضل ثورة 26 سبتمبر 1962 الخالدة، كلمة موصومة من الناحية الوطنية والسياسية إلى درجة أنها تبعث على الشعور بالحرج في من يصف نفسه بها، ولأن الكلمة أيضاً لا تزال مفعمة بشحنة مركزة من التحريض الثوري ضد الإمامة خلال ستة عقود من الجمهورية، فما أن يتم وصف شخص بأنه “إمامي”، أو وصف حركة بأنها “إمامية”، حتى يستدعي الوصف تلقائياً إلى الذهن كل أسباب الازدراء الوطني والرفض.
“الولاية”، من الناحية النظرية، هي مفردة أقل تحديداً وشيوعاً من “الإمامة الزيدية” الموصومة والمشوهة كما أسلفنا، لكن أيضاً والمشبعة بالتنظير والتأصيل في تراث الفقه الهادوي، والمحددة في تطبيقاته التاريخية.
“الولاية”، وبسبب ضبابية معناها، تساعد على التمويه الذي يحتاجه الحوثيون الآن. إنها تنوب عن كلمة “الإمامة” في الوقت الحالي، على أمل أن يتمكنوا مع مرور السنين من إزالة الوصمة التي لحقت بها جراء ثورة 1962.
▪هناك لقب آخر، أو صفة أخرى، يتم خلعها على “الإمام” في النسخة الإمامية الجديدة: “عَلَمُ الهُدى” أو “العَلَم”. هذا اللقب مبهم من الناحية السياسية العملية، وهو كمفهوم غريب المغزى ومحدود التداول، ومصدره الأصلي غير واضح. مع أنه قد يكون ورد على لسان مؤسس الحركة الحوثية (حسين الحوثي) في أحد دروسه.
في اللغة، سنلاحظ أن “العَلَم” و”المَعَلَم”، هي من الأسماء التي تطلق على إشارات وعلامات تهدي الضال إلى الطريق الحق، وترشد الجاهل إلى الهدف الصحيح. وفي الممارسة الاجتماعية يمكن أن يشتق من هذه الأسماء أفعال التحديد والتشريع والتوجيه والتبصير. وبوسع المرء أن يجتهد في تخمين ما يرمي إليه الحوثيون من هذا المصطلح أو “الرتبة”، دون الحاجة لأن يكون متبحراً في التقليد الفقهي الزيدي، أو واسع الإلمام بمواعظ الحوثي. لا بد أن المعنى غير المباشر الذي ينشأ عن جملة مركبة من هاتين الكلمتين: “عَلَم” و”هُدى”، يحيل إلى رتبة معنوية تحيط بها القداسة وتنم عن حالة من حالات الاصطفاء. وقد يشير إلى وظيفة المرجعية السامية على نحو مشابه للوظيفة التي تدل عليها كلمة “مرشد” في النموذج الإيراني الخميني.
مع التأكيد على أن هاجس الاضطلاع بدور “الهداية”، واحتكار هذا الدور، متأصل في صميم التجربة التاريخية الزيدية منذ أن لقَّبَ يحيى بن الحسين نفسه بـ”الإمام الهادي إلى الحق” قبل أكثر من ألف عام.
لكن وخلافاً للطابع السلمي، اللاهوتي، الروحي، الذي قد توحي به عبارة “عَلَمُ الهُدى” في خطاب الحوثيين، فالإمامة في الزيدية الهادوية هي أكثر من مجرد دليل هداية أو مرجعية روحية عليا بالمعنى الطوعي الاختياري، بل هي سلطة وحكم مطلق يتأسس على الغزو والجهاد والقسر.
▪في حال كانت فكرة “عَلَمُ الهُدى” تشير إلى مكانة روحية توهب بشكل طوعي يميزها عن الإمامة الزيدية، فهل هي صيغة احتياطية يدخرها الحوثيون لمستقبل قد يخسرون فيه سيطرتهم على العاصمة؟
نستبعد هذا الاحتمال تماماً. إن تحويلاً عميقاً لنظرية الإمامة الزيدية، وإعادة طرحها على صعيد الممارسة بحيث تدل فقط على نوع من المكانة المرجعية الروحية الاختيارية التي تعتمد على الفتوى والوعظ والتأليف وما شابه ذلك، بعيداً عن حقل السياسة والدولة، أي بعيداً عن حقل السلطة الدنيوية القائمة على الإكراه والقسر – إن تحويلاً كهذا سيكون خطوة إصلاحية جذرية ليس الحوثيون مؤهلين لتحقيقها، وإلّا لما فعلوا كل ما فعلوه منذ 2004 إلى الآن!
فليتحذلق المتحدثون الحوثيون ما شاء لهم أن يتحذلقوا حول هذه المسألة، وقد أفاضوا في ذلك لا سيما قبل استيلائهم على صنعاء، إلا أن الواقع يتكلم عن ماهيتهم بكل احتمالاتها المستقبلية، يتكلم بفصاحة تنقض كل ما كانت تصرح به ألسنتهم.
حسناً!
إضافة إلى تبديل كلمة “إمامة” بكلمة “ولاية”، وإضافة إلى استحداث لقب “عَلَمُ الهُدى”، فإن التجديد الآخر والأهم الذي يبدو أن الحوثيين قد أدخلوه على الإمامة الزيدية التقليدية، كنظرية وكممارسة، هو أنهم نزعوا منها ذلك العنصر الذي كان يعتبر في زمانه أفضل ما فيها: فكرة الخروج على الحاكم ومعارضة إمامٍ بإمام، وهو حق مكفول للمنتمين سلالياً إلى الدائرة العلوية الفاطمية بالطبع.
إذن، حتى ذلك المتنفَّس القديم العتيق شطبوه. والشطب هو تحصيل حاصل لإخفاء الحوثيين “الإمامة” كمسمى صريح، مع تحقيقها بنفس الأسس كواقع، وتغليفها بمصطلحات وألقاب وأشكال متعددة. هنا يكمن كل تجديدهم لا أكثر. وهذا هو المعنى الوحيد لقولهم: نحن لسنا إمامة! أي إننا لسنا الإمامة التي تعرفون، نحن نحاول جاهدين على أن نكون إصداراً “فيروسياً” إمامياً يتدارك ثغرات الماضي، سوف نكون الفيروس السوبر!
في كل الأحوال؛ إن إمامة الحوثيين تبدو أخبث من كل إمامة سابقة عرفها اليمنيون. وأما جمهورية الحوثيين فهي لا تقنع أحداً بجمهوريتها غير الحوثيين.